جريدة الديار
الخميس 21 نوفمبر 2024 01:58 مـ 20 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

سيد الضبع يكتب : من الإقناع إلى الإبداع .. وداعا صلاح منتصر

سيد الضبع
سيد الضبع

ودعنا اليوم الكاتب الكبير صلاح منتصر إلى مثواه الأخير بعد رحلة عطاء في بلاط صاحبة الجلالة امتدت لنحو خمسين عاماً تمكن خلالها من تأسيس مدرسة فكرية خاصة به اتسمت بالاتزان وتفعيل القضايا المجتمعية والعمل على مناقشة واستعراض مختلف القضايا من منظور وطني بعيداً عن التحيز والتعصب الفكري.

نجح الكاتب الصحفى الكبير صلاح منتصر في تبني النهج الإصلاحي من خلال كتاباته التي اتسمت بالتوثيق والسرد التاريخي، وهو ما وضح جلياً في مؤلفاته المتنوعة بدءا من كتاب الشعب يجلس على العرش ومروراً بحكايات عمر، وحوار مع الشيخ الشعراوي عن الحكم والعدل والشباب، ومن عرابي إلى عبد الناصر والسقوط من المنصة إلى المحكمة، والذين غيروا في القرن العشرين، وانتهاءا بمبارك من الصعود إلى القمة وإلى السقوط للهاوية.

ساهم من خلال مؤلفاته في سرد وتوثيق حقب من تاريخ مصر بمنتهى الموضوعية بعيداً عن المزايدة سواء على حساب الوطن أو على حساب شخصيات رحلت ولم تمتلك من أمرها شيئا سوى تاريخ بين مؤيد ومعارض.

ومن خلال عموده اليومي بصحيفة الأهرام تحت عنوان "مجرد رأي" استطاع الراحل تفعيل العديد من القضايا السياسية والمجتمعية التي استهدفت ضبط إيقاع المجتمع في ظل المتغيرات المتلاحقة التي شهدها الوطن على مدار حقب زمنية مختلفة.

ورغم قربه من الرئيس الراحل محمد حسني مبارك في نهاية التسعينات ومطلع الألفية إلا أنه لم يتاجر يوماً بتلك العلاقة ولم يشهر سيفه في وجهه بعد سقوطة من على عرشه إبان ثورة يناير 2011 التي تاجر بها من هب ودب وارتدى القاصي والداني معاطف الوطنية في تلك الفترة معلنين أنفسهم شهداء وضحايا الحرية.

نجح الكاتب الكبير صلاح منتصر في شن حرب ضروس ضد التدخين والمخدرات بإعتبارهما من أهم معاول هدم المجتمعات، لذلك اتخذ من التدخين قضيته المجتمعية الأولى التي حشد لها كل طاقاته المهنية والفكرية، ومن خلال تبنيه لتلك القضية تمكن من إقناع الفنان الراحل فاروق الفيشاوي أن يعلن للجميع أنه نجح في الإقلاع عن تعاطي مخدر الهرويين.

وتحت عنوان "كنت عبداً للهرويين" حذر الفنان الراحل الشباب من الانزلاق في غياهب الإدمان التي بإمكانها تدمير الشخص ومن حوله وذلك خلال حوار موسع أجراه معه الكاتب الكبير صلاح منتصر بمجلة أكتوبر بتاريخ 13 ديسمبر في العام 1987.

جاء ذلك الحوار بمثابة مصارحة ومكاشفة علنية للمجتمع المصري والعربي لم يقوى عليها سوى رجل قوي كفاروق الفيشاوي الذي امتلك قراره وتغلب على خصمه ولم يعبأ بفضح نفسه وهو في خضم تألقه الفني آنذاك مقابل حماية غيره من تلك الآفة التي دمرت أجيالا ورموزا فنية وثقافية اخرى مضت في طي النسيان.

ولم يكن ذلك ليتحقق إلا بمهارة محاور جيد وصحفي مستنير اتخذ من تصديه للتدخين والمخدارات معركة وطنية وقضية مجتمعية اكتسب من خلالها ثقة الجمهور والقدرة على التأثير والتغيير للأفضل، في ظل التحديات التي واجهت مختلف فئات المجتمع المصري.

برحيل الكاتب الكبير صلاح منتصر الذي غمد قلمه ورحل في هدوء، فقدت الصحافة المصرية قيمة مهنية ووطنية تمثل آخر القامات المهنية الرصينة التي حفرت لنفسها مكانة كبيرة في بلاط صاحبة الجلالة بمهنية واعية ووجهة نظر متزنة اتخذت من الحوار والرأي طريقها نحو الاقناع والإبداع.