سيد الضبع يكتب: ترخيص الدروس الخصوصية بداية لخصخصة التعليم
يبدو أن وزير التربية والتعليم الدكتور رضا حجازي استسلم مبكرا لمافيا الدروس الخصوصية ورفع لهم الراية البيضاء بعدما أعلن مؤخرًا بمجلس النواب عن منح رخصة مزاولة مهنة التدريس للسناتر وإسناد مجموعات التقوية لشركة خاصة بهدف إدارتها.
حجازي استسلم مبكرا لمافيا الدروس الخصوصية رافعا الراية البيضاء
وهو ما وصفه البعض بأنه شهادة فشل مبكرة ازاء أهم ملف يعاني منه الطلبة وأولياء أمورهم الذين تفاءلوا واستبشروا خيرا بتولي حجازي حقيبة التعليم في التشكيل الوزاري الأخير باعتباره رجلا تربويا وسيشعر بمعاناتهم، إلا انهم فوجئوا بأنه ينطبق عليه المثل القائل "جبتك يا عبد المعين تعين لاقيتك يا عبد المعين عايز تتعان".
قرار وزير التربية والتعلبم ساهم بدوره في إحداث حالة من الجدل بين مختلف الأطراف المعنية وفي مقدمتهم أولياء الأمور، و لم ينته الأمر عند ذلك الحد بل امتد لتأكيد بعض الخبراء التربويين والاقتصاديين معا بأن ذلك القرار يمثل بداية كارثية لخصخصة ملف التعليم، ومن ثم القضاء تمامًا على مجانية التعليم.
قرار متسرع لاقتناص النصيب المفقود من "كعكة" الدروس الخصوصية
ففي الوقت الذي تهاجم فيه مختلف اطراف العملية التربوية الدروس الخصوصية وتطالب بالقضاء عليها واجبار المعلمين على الشرح بشكل فاعل داخل المدارس، نفاجأ بمثل هذا القرار الذي يمثل ضربة موجعة لأولياء الأمر وتشتيت الطلبة بين المدارس والسناتر التي باتت بهذا القرار تعليما موازيا بشكل رسمي دون ادنى مراعاة لمصلحة الطالب طالما سيتم تحصيل الرسوم المقررة "المعلوم" من تلك السناتر.
للأسف الشديد قرار وزير التربية و التعليم جاء مخالفا لتصريحاته التي اعلنها فور توليه الوزارة والتي أكد فيها التزامه الكامل بإعادة دور المدرسة والمعلم داخل الصف الدراسي والعمل على تنمية مهارات الطلبة داخل المدارس لنفاجأ بأن تنمية المهارات ستتم داخل السناتر لمن يدفع أكثر، بعدما تم اعتمادها رسميا تعليما موازيا معترفا به وهو ما سيفقد المدارس دورها وسيجبر الطلبة على هجرتها في ظل تراخي المعلمين عن أداء دورهم على النحو الأمثل.
ولن ينتهي الأمر عند هذا الحد بل سيبحث المعلمون عن فرصة عمل بتلك السناتر بجانب عملهم التقليدي بالمدارس سواء حكومية أو خاصة لتعزيز دخلهم بشكل آمن بعيدا عن عمليات المراقبة والمداهمات التي كانت تتعرض لها تلك السناتر بين الحين والآخر.
الوزير اختار التفاوض مع أباطرة الدروس الخصوصية بدلًا من ملاحقتهم
الغريب أن وزير التربية والتعليم لم يعبأ بتكليف مستشارية بإعداد خطة تسهم في عودة دور المدرسة المنوط به وتذليل العقبات التي تعترض دورها الأساسي سواء من ناحية عجز المعلمين وتفعيل دورهم أو من ناحية كثافة الفصول التي باتت أشبه بالزنازين.
تداعيات قرار وزير التربية والتعليم سيتحملها الطلبة وأولياء أمورهم في المقام الأول فور تقنين أوضاع السناتر التعليمية التي ستلزمها الدولة بشكل رسمي بدفع نصيبها في الضرائب وهو ما سيتم تحميله لولي الأمر دون أي اعتبار لما نمر به من ضغوط اقتصادية أنهكت الجميع.
ويبدو أن الهدف الأساسي من هذا القرار المدمر لمصلحة الطلبة هو تحصيل أكبر قدر ممكن من الرسوم مهما تكلف الأمر بدليل إسناد مجموعات التقوية التي وصفها الوزير بمجموعات الدعم في المدارس لشركة خاصة لإدارتها، وهو ما سيضاعف الرسوم المطلوبة من الطلبة أضعاف أضعافها ما كان يتم تحصيله سابقا حتى تتمكن تلك الشركات من تحقيق نسبتها في المكاسب بجانب نسبة المدارس.
التعليم داخل السناتر لمن يدفع أكثر بعد اعتمادها رسميا تعليما موازيا
ورغم نفي مجلس الوزراء لجميع التكهنات بأن القرار يمثل خطوة استباقية لخصخصة التعليم، إلا أن التخوفات لازالت مطروحة وبقوة في ظل المؤشرات والتلميحات التي تدفع في ذلك الاتجاه، خصوصًا بعد إعلان وزير التربية والتعليم رضا حجازي بأن فاتورة الدروس الخصوصية بمصر تبلغ 47 مليار جنيه سنويًا وأن الدولة والوزارة لا يعلمون عنها شيئا.
ويبدو أن الوزير فضل التفاوض مع أباطرة الدروس الخصوصية بدلًا من ملاحقتهم دون جدوى بهدف الحصول على نصيب الدولة والوزارة من تلك المليارات التي تمثل اقتصادا موازيا بعيدا عن أعين الدولة.
كنت أتمنى أن يشعر السيد الوزير بخطورة مشكلة الدروس الخصوصية التي تفاقمت على مدار العقود الماضية والنجاح في القضاء عليها بعدما تفاقمت بشكل كبير، وأصبحت خطورتها تتجاوز الطلبة وأولياء أمورهم وتمتد لقيم وعادات المجتمع بعدما سلمنا أبناءنا طواعية لحفنة من المنتفعين المفتقدين لأدنى مبادئ القيم التي تمكنهم من رعاية سواعد المستقبل في ظل اهتمامهم الأول وهو تحقيق أعلى معدلات الربح دون أدنى اعتبار لأي أهداف تربوية.
ضرائب السناتر سيتحملها ولي الأمر ولا عزاء للضغوط الاقتصادية
الغريب أن وزير التربية والتعليم اعترف بخطورة الدروس الخصوصية، إلا أنه في نفس الوقت أكد أنه لا يمكن القضاء عليها بسهولة لأنها تتطلب مجموعة من الإجراءات والتي لا تخص وزارة التربية والتعليم وحدها، لافتًا إلى أنه من الواجب أن تشترك العديد من الجهات الأخرى في وضع حلول لهذه الظاهرة مثل المؤسسات الثقافية والدينية ووزارة المالية والتنظيم والإدارة، ليعلن بذلك تنصله من المسؤولية المنوط بها.
وأمام تلك التداعيات التي ألقت بظلالها على قرار وزير التربية والتعليم، هل ستشهد الفترة المقبلة تراجعا عن ذلك القرار المتسرع الذي لا يستهدف سوى الحصول على النصيب المفقود من "كعكة" الدروس الخصوصية دون أدنى اعتبار لمصلحة الطلبة وما سيترتب على ذلك من أضرار بالغة على المجتمع.