واشنطن بوست: هل زلزال 2023 نعمة أم نقمة على أردوغان؟
تسألت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن تأثير زلزال تركيا في مستقبل الرئيس رجب طيب أردوغان، مشيرة إلى أن تداعياته سيكون لها تأثير كبير في فرصه بالانتخابات الرئاسية المقررة مايو المقبل.
وقالت الصحيفة الأمريكية، في تقرير لها، إن الرئيس التركي ظهر على الساحة السياسية في تركيا، عبر جيل بأكمله، لكن بأشكال مختلفة، بدأت بمصلح ليبرالي، لكنه تحول إلى قومي استبدادي، موضحة أن أردوغان يُعد الشخصية الأكثر تحولًا وتأثيرًا في تاريخ الجمهورية التركية منذ مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك.
وأشارت إلى أن أردوغان يستعد لانتخابات رئاسية وبرلمانية محورية في مايو المقبل، يقرر خلالها الناخبون ما إذا كانوا سيمددون فترة حكمه التي استمرت 20 عامًا وحكم حزب العدالة والتنمية الحاكم، أم سيكون لهم رأي آخر.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه رغم الارتفاع الشديد في التضخم، وانهيار قيمة الليرة التركية، ما يعد سببًا قويًا لإنهاء حكم أردوغان، فإن المعارضة التركية مازالت تتخوف وترى أن مستقبل الديمقراطية في تركيا معلق بخيط رفيع.
وأشارت إلى أن كارثة غير مسبوقة حلت على تركيا وسوريا، الاثنين الماضي، إذ لا يزال رجال الإنقاذ وعمال الإغاثة يقومون بغربلة الحطام الناجم عن زلزال بقوة 7.8 درجة بمقياس ريختر، وما تبعه من هزات أرضية ضربت رقعة واسعة من جنوبي تركيا وشمالي غرب سوريا.
وفي تركيا وحدها، لقي أكثر من 6 آلاف شخص مصرعهم، وأصيب أكثر من 35 ألفًا، في ظل مخاوف من وجود آلاف محاصرين تحت الأنقاض، إما ماتوا وإما يحتضرون بسبب ظروف الشتاء القاسية التي تُعيق جهود الإنقاذ.
ويُشكل الزلزال المدمر في تركيا، الذي جاء قبل أشهر فقط من انتخابات مايو، التي يمكن أن تُعيد تشكيل البلاد سياسيًا، اختبارًا مهمًا للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يُقاتل من أجل مستقبله السياسي.
كان أردوغان الذي وصل إلى السلطة، بعد استجابة الحكومة الفاشلة لزلزال 1999 الذي خلف أكثر من 17 ألف قتيل وأزمة مالية بعد ذلك بعامين، هيمن على السياسة التركية على مدى عقدين من الزمن منذ ذلك الحين، إلا أن التضخم المرتفع أضر بسمعته كثيرًا خلال آخر استطلاعات للرأي.
وأعلن أردوغان، الثلاثاء، حالة الطوارئ ثلاثة أشهر في 10 مقاطعات متضررة، مؤكدًا في مؤتمر صحفي أن الحكومة خصصت أكثر من 5 مليارات دولار لدعم عمليات الطوارئ والإغاثة، وإرسال عشرات الآلاف من عمال الإغاثة وأفراد الأمن للمساعدة في التعافي.
ووصفت «واشنطن بوست» تلك الأزمة بمنعطف ينذر بالسوء بينما أشار أردوغان الغاضب بشكل واضح إلى انتقادات المعارضين للصعوبات أو الإخفاقات الظاهرة التي تكتنف عمليات الإغاثة كـ أخبار مزيفة وتشويهات.
وحذر الرئيس التركي من أن الحكومة ستلاحق نهاية المطاف أولئك الذين يحاولون إحداث فوضى اجتماعية، مشيرًا إلى أن المدعي العام في اسطنبول بدأ تحقيقًا جنائيًا مع اثنين من الصحفيين، انتقدا تفاعل الحكومة مع الزلزال.
ورغم هذا التهديد، فإن الرئيس التركي ربما يستعد لرد فعل عنيف مع بدء التعافي المؤلم، مشيرة إلى أنه مع قرب الانتخابات العامة، قد تحدد الكارثة مصير أردوغان السياسي.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن هناك غضبًا شديدًا بين الأتراك، بسبب بطء عمليات الإغاثة، خاصة مع عدد كبير جدًا من الأشخاص ما زالوا محاصرين تحت الأنقاض، في انتظار المساعدة.
وأشارت إلى أنه قبل أسبوعين فقط، ظهر سياسي معارض بارز في مقاطعة هاتاي، التي تضررت بشدة على شاشة التلفزيون، متحسرًا على عدم وجود مبادرة من حكومة أردوغان، لمساعدة منطقته في تحسين استعدادها للزلازل.
وقال محللون سياسيون إن أردوغان، الذي يُشرف على عمليات الإغاثة، يحاول استباق أي انتكاسة سياسية محتملة بسبب مزاعم عدم الاستعداد الجيد لهذه الكوارث الطبيعية، وممارسات البناء الفاسدة ذات الجودة الرديئة، وعدم وجود صندوق لمواجهة الزلازل.
لكن أوغور بويراز الأمين العام للحزب الصالح، وهو حزب قومي ينتمي ليمين الوسط، قال إنه قام بجولة في المناطق المتضررة بشدة، مشيرًا إلى أنه حتى صباح الأربعاء، لم ير أي علامة على وجود عمال للإنقاذ في حالات الطوارئ.
وقال الأمين العام للحزب الصالح، في تصريحات لوكالة رويترز: بالتأكيد لا يوجد تنسيق احترافي لتقديم المساعدات، المواطنون والفرق المحلية ينضمون إلى عمليات الإنقاذ، لإخراج الناس من تحت الأنقاض.
و قال سونر كاغابتاي، الذي يرأس أبحاث تركيا في معهد واشنطن، إن الزلزال يمكن أن يدمر صورة أردوغان كقائد قوي ومستبد وكفؤ، لكن علينا أن ننتظر لنرى مضيفًا: يمكن أن يكون ذلك اعتمادًا على الاستجابة للكارثة.
ورأى كاغابتاي وهو مؤلف كتب عن الرئيس التركي أن أردوغان قد يواجه مشكلة، إذا لم تستطع حكومته تسريع جهود الإغاثة وإنقاذ أعداد كبيرة من الناس قريبًا، متابعًا: ستكون الـ 48 ساعة المقبلة حاسمة لمسيرة أردوغان.
ويشير المحللون إلى أن زلزال عام 1999، قد يتسبب في إبعاد أردوغان عن الحكم، مثلما كان سببًا في وصوله للسلطة، مؤكدين في تصريحات لـ«واشنطن بوست»، أن كارثة 1999، كشفت معايير البناء الرديئة والمتراخية لعديد من المباني التركية، بخلاف عدم كفاءة الدولة التركية، التي شكلتها العقيدة الكمالية العلمانية على مدى عقود، ما مهد الطريق أمام حركة أردوغان الأكثر تدينًا للوصول إلى السلطة، مدفوعة بالرغبة الشعبية في التغيير.
في المقابل، يواجه أردوغان "68 عامًا" مهمة صعبة في أعقاب زلزال الاثنين، الذي كان أحد أكثر الكوارث الطبيعية فتكًا وتدميرًا في هذا القرن.
ووفقًا لتقدير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، يمكن أن تتجاوز الأضرار مليار دولار، بخلاف آلاف القتلى والمصابين، والحصيلة آخذة في الارتفاع.
ويواجه أردوغان تحديًا سياسيًا كبيرًا، إذ تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه لن يفوز أي شخص بشكل مباشر في الجولة الأولى من التصويت الرئاسي، وأن أيًا من مرشحي المعارضة المحتملين يمكن أن يهزم أردوغان في جولة الإعادة.
وبينما اتهمت المعارضة التركية والمسؤولون الغربيون، أردوغان بدفع البلاد نحو الاستبداد، قالت الصحيفة الأمريكية إن هذا الاتهام يرجع إلى السلطات الشاملة، التي منحها لنفسه منذ أن أقرت أغلبية ضئيلة من الناخبين استفتاءً عام 2017 وسَّع دوره كرئيس.
ويقول هوارد إيسنستات، خبير تركيا في جامعة سانت لورانس وزميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، إن حزب العدالة والتنمية، بعد كل شيء، لم يفز بأول انتصاراته الواعدة بالإسلاموية والجهاد الدولي، بل بالحكم الرشيد والشفافية، لقد وعدوا بالكفاءة وليس الثورةفي إشارة إلى أن تراجع الكفاءة قد يكون سببًا مباشرًا في إطاحتها مثلما أتى بها إلى السلطة.
وأوضح أن هذه الكفاءة موضع تساؤل، خاصة بعد سنوات من الترويج لأردوغان على أنه نجح في إقامة مشاريع بناء ضخمة في جميع أنحاء البلاد.
بدورها، قالت أسلي أيدينتاسباس، الزميلة الزائرة في معهد بروكينغز: عام 2018، أي بعد ما يقرب من عقدين من الزلزال الهائل عام 1999، أقرت تركيا تشريعات بشأن الزلازل، إلا أنه لا وجود لهذه القواعد على الأرض.
وأشارت إلى أن أردوغان وصف صناعة البناء بأنها جوهرة تاج الاقتصاد، ما شجع على الافتقار الضمني للرقابة عالية الجودة على هذه المباني، مؤكدة أن أغلبية هذه المباني تقام عبر مؤسسات حكومية.
وترى «واشنطن بوست» الأمريكية، أن هناك طرقًا أخرى لقراءة اللحظة السياسية الراهنة في تركيا، مشيرة إلى أن إلحاح الأزمة والحاجة إلى التضافر قد يعرقلان المعارضة، التي قد تضطر إلى إظهار الوحدة مع الحكومة وقت الكارثة.
وقالت الصحيفة إن أردوغان وحزبه الحاكم يمكن أن يستفيدا من تنفيذ استجابة قوية، طالما ظل الرئيس مرئيًا على الأرض ويحافظ على الزخم حتى موعد الانتخابات، ليس فقط من خلال المساعدات الفورية، لكن أيضًا مع تعهدات إعادة الإعمار طويلة الأجل بحسب إمري بيكر المحلل في مجموعة أوراسيا.
وترى الصحيفة الأمريكية، أن إعلان حالة الطوارئ ثلاثة أشهر في 10 مقاطعات تضررت من الزلزال، قد يسمح بفرض قيود على الحريات التي يمكن أن تشمل حظر التجول وحظر السفر والتكليف الإجباري لموظفي الخدمة المدنية.
وأشارت إلى أن هذه الخطوة أثارت مخاوف، بالنظر إلى الخطوات التي اتخذها أردوغان عام 2016 بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده، إذ كان من المفترض أن تستمر حالة الطوارئ ثلاثة أشهر لكن جرى تمديدها عامين، إضافة إلى اعتقال أكثر من مئة ألف شخص وطرد 150 ألف موظف من وظائفهم.
لكن محللين وصفوا إعلان الطوارئ بأنه خطوة مفهومة قياسًا بالدمار الذي خلفه الزلزال، مشيرين إلى أن الأشهر الثلاثة ستنتهي قبل وقت قصير من اقتراع 14 مايو المقبل.
وامتنعت المعارضة حتى الآن عن انتقاد الرد على الزلزال، فأصدرت الأحزاب السياسية الثلاثاء بيانًا مشتركًا نادرًا للوحدة في مواجهة الزلزال.وبالنظر إلى تدفق الدعم الدولي لتركيا وسوريا، فقد تتيح الأزمة لأردوغان فرصة لإعادة الوضع إلى الساحة العالمية، ما يؤدي إلى تخفيف التوترات مع الدول الغربية.
ويقول إيرول يايبوك أحد كبار الباحثين ببرنامج الأمن الدولي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي: يمكن أن توفر الكارثة أيضًا فرصة لتركيا لحل مشكلاتها الجيواستراتيجية، كما كان الحال في أعقاب زلزال عام 1999 بين القادة الأتراك واليونانيين، الذين كانوا في ذلك الوقت، يتبادلون مستويات مماثلة من الخطاب الساخن.
وقد ينتهي الأمر بأردوغان إلى خوض معركة شاقة بحسب سونر كاغابتاي، الذي أضاف: لقد بنى أردوغان خلال العقدين الماضيين- صورة للحاكم المستبد المخيف، الفعال في الحكم، إلا أن هذه الصورة قد تنهار وهو يواجه لحظة حاسمة كتلك التي شهدتها تركيا إبان زلزال 1999.
كاغابتاي أضاف أن تداعيات زلزال 1999 تحدت الموقف الأيديولوجي للدولة الكمالية، التي يبلغ عمرها 80 عامًا والتي أسسها أتاتورك، مشيرًا إلى أنها زعزعت الإيمان التركي بقدرة الدولة على معالجة المشكلات ورعاية مواطنيها.
واستطرد: مثلما سقطت الدولة الكمالية كبيت من ورق، فقد يتساءل الأتراك -جراء ضغوط التضخم والزلزال وغيرها عما إذا كان أردوغان أيضًا مجرد نمر من ورق.