جريدة الديار
الأحد 22 ديسمبر 2024 02:40 مـ 21 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ

من أخطر ما يكون على الإنسان في حياته ، ومن أضرّ ما يكون عليه في دينه ، مخالطة من لا تحمد مخالطتهم من الرّفقاء والأصحاب .

فإنّ الصاحب مؤثِّر في صاحبه و لا بد، فالرفيق الصالح يؤثر في رفيقه صلاحاً ، والرفيق الفاسد يؤثر في رفيقه فساداً .

ففي الصحيحين :

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال :

إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ ، مثل حَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ ، إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الْكِيرِ ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً .

وتأمّل قول النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث ، إمّا وإمّا تنبيها منه عليه الصلاة والسلام ، إلى أن الجليس مؤثّر في جليسه ولا بد .

ولهذا صح الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بأهمية اختيار الرفقاء ، و التفقه في الجلساء ، وإدراك هذا الأمر ووعيه وفهمه .

روى الإمام أحمد في مسنده والترمذي في جامعه وأبو داوود في سننه وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال :

الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ .

المرْءُ على دين خليله ، أي أنّ خليله مؤثّر فيه ولابد ، فالصّاحب ساحب ، فمن صحب طلاب العلم ، رغّبوه في الطّلب ، ومن صحب العبّاد جذبوه للعبادة ، ومن صحب الأخيار ساقوه إلى دروب الخير، ومن صحب صاحب صنعة ، أكسبه فائدة في صنعته ، ومن صحب فاسقاً جرَّه إلى الفسوق ، ومن صحب صاحب بدعة أوداه وأهلكه في بدعته ، فالصّاحب ساحب لصاحبه ولا بد .

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام ناصح لأمته فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ أي إذا أردت أن تصاحب رجلاً ، فتفقّه في مصاحبته ، هل فيها خير أو شرّ ؟ هل فيها نفع أو ضر ؟ ثم بعد ذلك تكون المصاحبة أو عدمها .

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :

اعتبروا النّاسَ بأخدانهم فإنّ المرء لا يصاحب إلا من يعجبه .

ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه :

من فقه الرّجل ، مدخله وممشاه وإلفه من الناس .

ويقول الأعمش رحمه الله تعالى :

لا تسأل عن الرجل بعد ثلاث ، مدخله وممشاه وألفه من الناس .

ويقول الفضيل بن عياض رحمه الله :

ليس للمرء أن يقعد مع من شاء .

ويقول سفيان رحمه الله :

ليس شيء أبلغ ، في فساد رجل أو صلاحه من صاحب .

والآثار عن السلف في هذا المعنى رحمهم الله كثيرة جداً .

فالواجب على الإنسان أن يتقي الله عزّ وجلّ في نفسه ، وأن يتفقّه في جلسائه ورفقائه ، فإذا ظفر برفيق خير ، وجليس صلاح فليستمسك به

﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

وإذا كان الرّفيق السيء مؤثّراً في رفيقه أشدّ التأثير ، خطير عليه أشدّ الخطورة ، فإنّ ما استجد في زماننا هذا ، من مرافقة كثير من الناس ، ومجالستهم لأجهزة الحديثة من المواقع في الانترنت والقنوات الفضائيّة ، أنكى ضرراً ، وأشدّ خطراً .

إنّ من الناس من أودى بنفسه وبشبابه ، في ملازمته تلك الأجهزة الحديثة ، ومجالسته تلك المواقع المشبوهة الآثمة ، ينظر ما إليها بعينه ، ويسمع ما فيها بأذنه ، و يقبل عليها بقلبه ، ومع مر الأوقات ، ومضي الأيام ، تتسرب الأفكار الهدّامة إلى العقول ، وتغزى النفوس والقلوب ، ويتسرّب إلى القلوب الأخلاق الفاسدة ، والعقائد الهدّامة ، وتنحل عرى الإيمان ، وتفسد الأخلاق ، ويجر الناس إلى حيث الرذيلة والفساد .

ولهذا فاليحذر من تلك الأجهزة الحديثة والمواقع المسمومة ، والقنوات الهدّامة ، ليفر المرء منها بدينه ، وليتق الله عزّ وجل في أولاده وبناته ومن يعول .

فإنّ الأمر خطير ولم يكن أعداء الله ، في وقت سابق يتمكّنون من الوصول إلى عقول الناشئة ، أما من خلال هذه القنوات ، ومن خلال تلك الشبكات ، تمكّنوا من الوصول إلى الناس ، في بيوتهم ومساكنهم من خلال ما يبثون عبر تلك الشبكات العنكبوتية .

فلنحصِّن أنفسنا ولنتّق الله ربَّنا ، ولنحذر من هذا الجليس المهلك ، المردي بمجالسه أو الموقع له ، في أشدّ الردى .

نسأل الله عز و جل أن يحفظنا في أنفسنا ، وفي ذريّاتنا وفي حياتنا ، وأن يعصمنا من الفتن ، وأن يعيذنا من الشّرور كلِّها ما ظهر و ما بطن .

اللّهمّ وارفع عنّا الغلا والبلا و المحن كلّها والفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام .