تهنئة غير المسلمين بعيد الميلاد.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
بمجرد ما كتبت وشاركت منشور على صفحتى الشخصية والتى تحمل اسمى وصفتى ومهنتى
عن تهنئة الإخوة المسيحيين في أعيادهم ومناسباتهم الاجتماعية من خطبة وزواج ونجاح وغيره إلا وجدت البعض انتفخ جبينه واحمر وجهه وقال انت تجامل فى دين الله وأنا هذا الكلام لا يجوز ولا يصح تهنئتهم فى أعيادهم ومناسباتهم مع أنى ناقل لأقوال العلماء وليس هذا الكلام من عندى فما أنا إلا ناقل لاقوال السادة العلماء ..
ولهذا أعيد وأكرر واحقق بمنشور آخر غير الذى تكلمت فيه وأقول :
#لا تزال هذه المسألة في كل عام مثار جدل بين كثير من المعاصرين ، ولا أرى صحة ما ذهب إليه بعض القدامى والمعاصرين من منع ذلك بحجة أنه إقرار لعقائدهم ، أو لأنه من التشبه المذموم وكل هذا غير صحيح ولا رصيد له في فهم الإسلام .
وقد ثبت في «الصحيحين» من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
أن النبي ﷺ قال:
فَإنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا .
متفق عليه
«صحيح البخاري» (952)
«صحيح مسلم» (892) من حديث عائشة رضي الله عنها
#فقرر النبي ﷺ ابتداءً أن لكل طائفة أو دينٍ عيدًا يسمونه باسم عندهم مثل :
النيروز ، والمِهْرجان ، والفصح ، والقيامة ... ونحو ذلك .
وأنهم يفرحون فيه ، ونحن كذلك مطالبون بالفرح في أعيادنا .
#لكن هل يجوز تهنئتهم أم لا ؟
#وفي بيان هذه المسألة لا بد من التفرقة بين عدة أمور مهمة ، وهي تكشف لك عن كيفية فهم كلام أئمتنا ووضع نصوصهم في محلِّها :
#لا خلاف بين العلماء أنه لا تجوز تهنئة غير المسلمين من المحاربين أي : من قام بينك وبينهم قتال ، أو من يعتدون على المقدسات والأوطان ، فهذا مما لا أعلم فيه خلافًا ، ومودة هؤلاء ليست من الدين في شيء .
فنحن لا نتكلم هنا عن تهنئة محارب أو عدوّ ظالم ، ولكن نتكلم عن تهنئة مسالم يعيش بجوارك في بلدك ، ولا ترى منه سوءًا .
#لا خلاف بين العلماء أن التهنئة إذا وقعت من المسلم لغير المسلمين على جهة الإقرار بصحة معتقدهم ورفع أقدارهم أنها كفر ، يجب على المسلم أن يُنزِّهَ نفسه عنه ، لأن عقيدتنا صافية في الله تعالى ، وفي رسله الكرام ، وفي قضايا الغيب ، بخلاف عقائد غيرنا .
وليس معنى التهنئة الإقرار قط بعقائد المسيحيين أو البوذيين أو المشركين ، فقد سمح الإسلام لغير المسلمين بتطبيق شعائرهم بحرية مطلقة ، بل يتكفل الحاكم المسلم ببناء دور العبادة لهم إذا احتاجوا إلى ذلك وليس معنى ذلك الإقرار لهم بعقائدهم !
وكذا إذا سمحت دول الغرب ببناء المساجد للمسلمين في بلادهم فليس معنى ذلك الإقرار بصحة عقائدهم ، وليس معنى سماح الرسول لوفد نصارى نجران أن يصلوا صلاتهم في مسجده الشريف ، أنه يقرهم على صحة عقائدهم .
فإطلاق حرمة التهنئة لتوهم أنها إقرار منا مغالطة كبيرة غير مقبولة ، فكل إنسان له عقيدته التي يدين الله تعالى بها ، فتنبَّه .
#يخلط كثير ممن يتكلمون في المسألة بين التشبه بغير المسلمين في أعيادهم ، وبين حكم التهنئة .
فالتشبه بطقوسهم وعاداتهم (مع قصد التشبه) شيء متفقٌ على حرمته أو كراهته على حسب كلام الفقهاء في التشبه ، وذلك للنصوص الواردة في ذم التشبه ، وهو عام في العيد وغيره .
أما تهنئتهم بمجرد قول : كل عام أنتم بخير ، فشيءٌ آخر غير التشبه بطقوسهم الدينية ، فلا بد من التفرقة وعدم الخلط بين المسألتين .
#ليس يوم الميلاد ولا غيره من الأعياد عند غيرنا معظَّمٌ في شريعتنا أي : ليس له قدسية كعيد الفطر والأضحى ، بل هو يوم اجتماعي كغيره من أيام الله تعالى ، وليس له ميزةٌ في شريعتنا على غيره من الأيام ، والفرح به أو الاحتفاء به ليس شرعيًّا ؛ بل لقيام العرف والواقع بذلك .
ومثله :
عيد تحرير سيناء ، وعيد الأم ، وعيد العمال ، فهذا ونحوه لا يحظره الشرع ، طالما أنه لا يترتب عليه مخالفة شرعية .
#تكاد تجتمع نصوص العلماء حول مسألة حضور احتفالاتهم بالحرمة ، ويعللون حرمة الحضور ؛ لما يشتمل عليه احتفالهم من الخمر والمحرمات والذبح لغير الله تعالى ونحوه ، وشهود مثل هذه المجالس منهي عنه في شريعتنا .
أما إذا كان الحضور لا يشتمل على شيء من ذلك ؛ فلا شك في زوال الحرمة ، وتبقى الكراهة أو الإباحة .
#فهذه خمسة أشياء لا بد من إدراكها جيِّدًا قبل إصدار حكم في المسألة .
وأرجو ممن ينقل كلام العلماء في حكم التهنئة أن يدرك هذه الأمور الخمسة حتى يستطيع أن يفهم كلام الفقهاء ويضع كل نصٍّ في موضعه .
#وهنا بقي لنا بيان شيءٍ أخير هو محل البحث ، وهو حكم التهنئة مجردة عن كل ما ذكرنا بمعنى :
أن تكون التهنئة من قبيل حسن الجوار ، وإبراز فضل الإسلام وإحسانه إلى غير المسلمين عمومًا ، ومن قبيل البر بغيرنا من إخواننا في البشرية والوطن ، ومن قبيل المشاركة في الفرح لأمر اجتماعيٍّ ونحوه ، دون تعرض لمسألة إقرارهم أو لمشاركة طقوسهم أو التشبه بعاداتهم أو نحو ذلك .
وحول هذا المعنى نقرر أنه علماء الإسلام تكلموا فيمن هَنَّأ غير المسلمين بأعيادهم مع عدم قصد التعظيم لدينهم ولا الإقرار بعقائدهم ، وليس متشبهًا بشيء من طقوسهم الدينية ونحوها وإنما من قبيل مجاملة الجوار وحسن الصحبة وإقرار الأمان كأن نقول له :
كل عام أنت بخير ، أو عيد مبارك ، أو نحو ذلك .
فمنهم من حرَّم التهنئة بإطلاق .
ومنهم من قال بكراهتها .
ومنهم من تسامح فيها .
#فصار الحاصل في المسألة ثلاثة أقوال معتبرة في ميزان فقهاء الإسلام .
وقد بينت تلك الأقوال معزوّة إلى أصحابها في تحقيق كتاب العلامة الزرقاني المذكور عند مسألة تهنئة غير المسلمين بأعيادهم .
والله أعلم