محادثات سرية بين واشنطن وموسكو بشأن الحرب في أوكرانيا
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، عن محادثات سرية بين الولايات المتحدة وروسيا، بشأن الحرب الروسية على أوكرانيا ، مشيرة إلى أن هذه المحادثات تهدف لتجنُّب صراع أوسع بين القطبين النوويين.
وذكرت الصحيفة، أن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، أجرى محادثات سرية مع كبار مساعدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرًا.
ونقلت عن مسؤولين أمريكيون، أن سوليفان دخل خلال الأشهر الماضية، في "محادثات سرية" مع مساعدين بارزين للرئيس الروسي، في محاولة للحد من مخاطر نشوب صراع أوسع في أوكرانيا.
وأضاف المسؤولون، أن الهدف من المحادثات كان تجنُّب مخاطر التصعيد وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وليس مناقشة الوصول إلى تسوية للحرب في أوكرانيا.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤولين لم تسمهم، أن المحادثات كانت تهدف أيضًا إلى تحذير موسكو من استخدام أسلحة نووية، أو غيرها من أسلحة الدمار الشامل، في أوكرانيا.
يذكر أنه في 23 أكتوبر الماضي، بحث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مع نظيره الأمريكي لويد أوستن هاتفيًا، الوضع في أوكرانيا.
كان شويغو وأوستن أجريا في 21 من الشهر ذاته، اتصالاً هاتفيًا شدّدا فيه على أهمية إبقاء قنوات التواصل مع روسيا مفتوحة في غمرة حرب أوكرانيا.
وكشفت وزارة الدفاع الروسية حينها، أن الرجلين ناقشا قضايا عدة تتصل بالأمن الدولي، بينها الوضع في أوكرانيا.
ونقلت "وول ستريت جورنال"، عن المسؤولين قولهم إن سوليفان كان على اتصال بمستشار السياسة الخارجية للرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، كما تحدث أيضًا مع نظيره في الحكومة الروسية نيكولاي باتروشيف.
وأكد المسؤولون أن الهدف كان الحماية من مخاطر التصعيد وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، وليس مناقشة تسوية للحرب في أوكرانيا.
وردًا على ما إذا كان سوليفان شارك في محادثات غير مُعلنة بالفعل مع أوشاكوف أو باتروشيف، اكتفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون، بالقول إن الناس يدّعون الكثير من الأشياء ولم يؤكد كلا الجانبين إجراء محادثات بين البيت الأبيض والكرملين.
وحسب الصحيفة الأمريكية، لم يقر البيت الأبيض بأي مكالمات بين سوليفان وأي مسؤول روسي رفيع منذ مارس، عندما تحدث مع باتروشيف.
تأتي هذه المناقشات غير المعلنة، في وقت تضاءلت الاتصالات الدبلوماسية التقليدية بين واشنطن وموسكو، كما ألمح بوتين ومساعدوه إلى أن موسكو قد تلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية لحماية الأراضي الروسية، فضلاً عن المكاسب التي تحققت في غزوه لأوكرانيا هذا العام.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه رغم دعم البيت الأبيض، لأوكرانيا إلى جانب الإجراءات العقابية التي تم فرضها على روسيا بسبب الغزو، حافظت واشنطن على مستوى معين من التواصل مع موسكو، لتحقيق بعض مصالح الأمن القومي المتبادلة.
وحسب المسؤولين الأمريكيين، فإن سوليفان معروف داخل إدارة الرئيس جو بايدن، بأنه يدفع باتجاه خطوط اتصال مع روسيا، حتى في الوقت الذي يشعر فيه السياسيون بأن المحادثات في البيئة الدبلوماسية والعسكرية الحالية "لن تكون مثمرة".
وأوضحت الصحيفة أن المسؤولين الذين تحدثوا إليها، لم يذكروا تواريخ المحادثات ولا عددها بشكل دقيق، كما لم يؤكدوا ما إذا كانت مثمرة أم لا
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين، قولهم: إنه من المفيد للبيت الأبيض المحافظة على الاتصال بالكرملين في الوقت الذي يمر فيه منحنى العلاقات الأمريكية الروسية بأدنى مستوياته منذ نهاية الحرب الباردة.
من جانبه، قال إيفو دالدار، السفير الأمريكي السابق لدى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، للصحيفة: أعتقد أنه من المهم، الإبقاء على قنوات اتصال مفتوحة لفهم ما يفكر فيه كل طرف، ومن ثم تجنُّب احتمال نشوب مواجهة عارضة أو حرب، خصوصًا مع الدول التي تمتلك أسلحة نووية.
وأضاف دالدار: مستشارو الأمن القومي يمثلون أقرب رافد إلى المكتب البيضاوي من دون إقحام الرئيس مباشرة في قناة الاتصال.
وحسب الصحيفة الأمريكية، فإن بايدن سعى إلى تأسيس علاقة عمل مع بوتين خلال العام الأول من رئاسته، التي بلغت ذروتها خلال قمة جنيف في يونيو 2021، مشيرة إلى أن تلك المحادثات تناولت ملف أوكرانيا، إذ ظهرت خلافات واضحة بين الطرفين، ضمن موضوعات أخرى.
وفي أكتوبر 2021، أشارت الاستخبارات الأمريكية إلى أن القوات الروسية كانت تعد لغزو أوكرانيا، وبناءً على ذلك تم إيفاد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، وليام بيرنز، إلى موسكو، أوائل نوفمبر من العام ذاته، لتحذير بوتين من غزو أوكرانيا.
والتقى بيرنز أثناء الزيارة التي جرت في نوفمبر 2021 مستشار الرئيس الروسي للسياسة الخارجية يوري يوشاكوف، الذي سبق له العمل سفيرًا لبلاده لدى واشنطن، ويُنظر إليه من المسؤولين الأمريكيين السابقين والحاليين كحلقة اتصال أساسية بالرئيس الروسي، قبيل لقائه بوتين، وفي ديسمبر، تحدث سوليفان مرة أخرى مع يوشاكوف.
وبينت الصحيفة، أن الرئيس الأمريكي تحدث مرتين إلى نظيره الروسي في ديسمبر 2021، ومرة أخرى في فبراير الماضي، لمحاولة تجنُّب الغزو الروسي لأوكرانيا، بينما دخل الدبلوماسيون الأمريكيون في محادثات مع نظرائهم الروس بهذا الشأن.
وأشارت إلى أنه بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير، تراجعت وتيرة الاتصالات الدبلوماسية والعسكرية بين الجانبين إلى درجة كبيرة.
وفي محاولات الجانبين لتجنُّب صراع أكبر، أشار المسؤولون الذين تحدثوا إلى وول ستريت جورنال إلى أن سوليفان لعب دورًا رائدًا في تنسيق سياسات وخطط إدارة بايدن للرد على الغزو الروسي لأوكرانيا.
وكشفوا أن سوليفان شارك في جهود دبلوماسية عدة بينها زيارته لكييف، للتحدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزير دفاعه أوليكسي ريزنيكوف، وهي اجتماعات عادة ما تقتصر على وزراء الخارجية أو الدفاع.
وقال أحد المسؤولين للصحيفة، إن سوليفان تحدث أيضًا إلى القيادة الأوكرانية وحثهم على ضرورة الإشارة إلى استعدادهم لحل الصراع، موضحًا أن الولايات المتحدة لا تدفع أوكرانيا إلى التفاوض، وإنما إلى أن تظهر للحلفاء رغبتها في حل الصراع الذي أثر في أسعار النفط والغذاء بجميع أنحاء العالم.
كانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، تحدثت عن جهود سوليفان، لإقناع المسؤولين الأوكرانيين بالسعي إلى حل.
وأشارت إلى أنه عندما أشار بوتين وكبار مساعديه، في سبتمبر الماضي، إلى أن روسيا قد تستخدم أسلحتها النووية، قال سوليفان إن الإدارة الأمريكية أجرت بشكل مباشر، وعلى نحو خاص، اتصالات على أعلى مستوى بالكرملين، أكدت فيها أن أي استخدام للأسلحة النووية ستكون له عواقب وخيمة على روسيا.
ورفض البيت الأبيض الإفصاح عن كيفية إرسال هذا التحذير، بينما تحدث وزير الدفاع لويد أوستن والعديد من نظرائه الأوروبيين، الشهر الماضي، مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، حيث زعمت موسكو أن كييف كانت تستعد لاستخدام ما تسمى القنبلة القذرة ضدها، وهو أمر نفاه المسؤولون الأوكرانيون والغربيون.
وقال البنتاجون: إن أوستن بدأ المكالمة الأولية، التي كانت أول مناقشة بينهما منذ مايو، لتأكيد أهمية الحفاظ على خطوط الاتصال، بينما بدأ شويغو المكالمة الثانية.
وبمحادثته في مارس الماضي مع باتروشيف حسب تسريبات للبيت الأبيض أخبر سوليفان، المسؤول الروسي بأن على قوات موسكو التوقف عن مهاجمة المدن والبلدات الأوكرانية، وحذر الكرملين من استخدام الأسلحة الكيماوية أو البيولوجية.
وحسب الصحيفة، يعد المسؤولون الأمريكيون "باتروشيف" ، الذي انضم للمخابرات الروسية في سبعينيات القرن الماضي، وترقى ليصبح مديرًا لجهاز الأمن الفيدرالي من 1999 إلى 2008، متشددًا، ويشارك بوتين العديد من شكوكه في الولايات المتحدة.
وذكر بيان روسي عن محادثة مارس بين سوليفان وباتروشيف: إنها حدثت بمبادرة من الولايات المتحدة، وإن باتروشيف شدد على الحاجة إلى وقف دعم واشنطن للنازيين الجدد والإرهابيين في أوكرانيا و تسهيل نقل المرتزقة الأجانب إلى منطقة الصراع، وكذلك رفض الاستمرار في تزويد نظام كييف بالأسلحة".
وبينت "وول ستريت جورنال"، أنه حتى في الوقت الذي شهدت العلاقات بين واشنطن وموسكو، تدهورًا إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، سعت الولايات المتحدة إلى المحافظة على بعض مناطق التعاون، لاسيما في ما يتعلق بملفي الحد من الأسلحة الاستراتيجية ومحطة الفضاء الدولية.
وتمسكت واشنطن وموسكو بمعاهدة نيو ستارت، التي تحد من الأسلحة النووية الأمريكية والروسية طويلة المدى، والتي من المقرر أن تنتهي عام 2026.
بينما أفاد مسؤولون أمريكيون وتقارير إعلامية روسية، بأن المسؤولين الأمريكيين والروس يخططون لعقد اجتماعات اللجنة الاستشارية الثنائية، التي تشكلت بموجب معاهدة نيو ستارت، لمناقشة تطبيقها.
ووفقًا للمسؤولين الأمريكيين، تهدف هذه الاجتماعات إلى استئناف عمليات التفتيش، بموجب ما تنص عليه بنود المعاهدة، التي توقفت مع بدء تفشي جائحة كورونا.
وبينما كانت سويسرا الدولة المضيفة لهذه المحادثات، قالت موسكو إنها لم تعد تعدها "دولة محايدة" لأنها، على غرار الدول الأوروبية الأخرى، فرضت عقوبات اقتصادية على موسكو إثر غزو الأخيرة لأوكرانيا.
وقال المسؤولون إن العقوبات الغربية أدت إلى تعقيد ترتيبات سفر الوفد الروسي المشارك في الاجتماع، ما أدى إلى وضع خطط لعقده في القاهرة، أواخر نوفمبر الجاري.
ورفضت الخارجية الأمريكية والحكومة الروسية التعليق على هذه الاجتماعات، التي لم يتم الإعلان عنها.
من جانبه، أحجم الكرملين، الاثنين، عن التعليق على تقرير "وول ستريت جورنال"، الذي يفيد بأن واشنطن أجرت محادثات غير معلنة مع كبار المسؤولين الروس لتجنُّب المزيد من التصعيد في حرب أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحفيين، إنه بينما تظل روسيا منفتحة على المحادثات، فإنها غير قادرة على التفاوض مع كييف بسبب رفضها إجراء محادثات مع بلده.
و قال: لا نعلم إن كانت التقارير عن تواصل سري حقيقية أم لا، بعضها حقيقي لكن التكهنات أكثر إلا أنه اتهم كييف بالتعنت، قائلاً إنها ترفض التفاوض.