الْمُحَافَظَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
فَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ: الْمُحَافَظَةَ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ؛ فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَرِيضَةُ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ، أَمَرَ بِهَا بَعْدَ أَمْرِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، فَالصَّلَاةُ مِنْ مَبَانِي الْإِسْلَامِ وَأَعْمِدَتِهِ الْعِظَامِ، وَهِيَ نُورٌ وَبُرْهَانٌ وَنَجَاةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الدِّينِ، تَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا فِي أَوْقَاتِهَا؛ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا مَنْ فَرَّطَ فِيهَا وَتَكَاسَلَ عَنْهَا، فَضَيَّعَهَا أَوْ ضَيَّعَ بَعْضَ حُقُوقِهَا الْوَاجِبَةِ:
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ
الماعون:4-5
وَقَالَ تَعَالَى ذَامًّا مَنْ ضَيَّعَ صَلَاتَهُ:
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا
مريم:59
وَهِيَ الْفَاصِلُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ :تَرْكُ الصَّلَاةِ»
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا
وَعَنْ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ: الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
يَجِبُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي حَقِّ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
البقرة:43
وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
فَالتَّخَلُّفُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ وَعَدَمُ شُهُودِهَا بِدُونِ عُذْرٍ: مِنْ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَعْمَالِ الضَّالِّينَ
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةَ .
وَقَالَ:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنَا سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
إِنَّ مِنَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَتَكَاسَلُ عَنْهَا بَعْضُ النَّاسِ وَيُفَرِّطُونَ فِيهَا صَلَاةَ الْفَجْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا صَلَاةُ الْفَجْرِ .
تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي يُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ!، تِلْكَ الصَّلَاةُ الَّتِي يَنَامُ عَنْهَا الْغَافِلُونَ! وَيُفَرِّطُ فِيهَا الْجَاهِلُونَ .
وَهِيَ ثَقِيلَةٌ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُمْ وَاللهِ مَحْرُومُونَ مِنْ خَيْرٍ عَظِيمٍ وَثَوَابٍ كَرِيمٍ، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .
فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَالْبَرْدَانِ: هُمَا الْفَجْرُ وَالْعَصْرُ. وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا حِجَابٌ لِلْعَبْدِ عَنِ النَّارِ
فَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَمَنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ تَعَالَى، وَمَنْ كَانَ فِي ذِمَّةِ اللهِ وَأَمَانِهِ: حَفِظَهُ اللهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَفَتْحَ لَهُ أَبْوَابَ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ .
فَعَنْ جُنْدَبٍ الْقَسْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
وَمِنْ فَضَائِلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ: أَنَّ سُنَّـتَهَا الْقَبْلِيَّةَ خَيْـرٌ مِنَ الدُّنْيَا، فَكَيْفَ بِالْفَرِيضَةِ .
فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَفِي لَفْظٍ:
لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً .
رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ
وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ اللَّيْلَ كُلَّهُ
فَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَمَنْ مَشَى إِلَيْهَا أَعْطَاهُ اللهُ النُّورَ التَّامَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ مَشَى فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِدِ آتَاهُ اللهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِيَبْشَرِ الْمَشَّاؤُونَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِنُورٍ تَامٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ
الْمُحَافَظَةُ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ انْشِرَاحِ الصَّدْرِ، وَطُمَأْنِينَةِ النَّفْسِ، وَرَاحَةِ الْبَالِ، كَثِيرُونَ يُعَانُونَ مِنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَضِيقِ النَّفْسِ، وَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ذَلِكَ: تَرْكَ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً، وَعَدَمَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ الَّتِي تَجْعَلُكَ فِي ذِمَّةِ اللهِ، وَيَكْفِي أَهْلَ الْفَجْرِ فَخْرًا وَشَرَفًا: أَنْ يَسْأَلَ اللهُ عَنْهُمْ، وَتَشْهَدَ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ: أَنَّهُمْ مِنَ الْمُحَافِظِينَ عَلَيْهَا .
قَالَ تَعَالَى:
وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا
الإسراء:78
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلّ…