جريدة الديار
الجمعة 22 نوفمبر 2024 02:35 صـ 21 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

د. محمد سيد أحمد يكتب : الرئيس الأسد .. وحلب بين حقبتين !!


ليست المرة الأولى التي يفاجئ فيها الرئيس بشار الأسد الرأي العام السوري والعربي والعالمي بزيارته الميدانية لأحد المناطق المشتعلة أو القريبة من الإشتعال خلال سنوات الأزمة، كأن ينزل ليتجول بالشوارع بدون حراسات، وفي بعض الأحيان تجده وعائلته يطرقون أبواب المواطنين دون سابق إنذار ويدخلون ليقضوا معهم بعض الوقت ويجبرون خاطرهم؛ وكم هى تلك الزيارات التي رسخت في العقل الجمعي صورة ذهنية عن تواضع الرئيس الأسد والسيدة أسماء قرينته، وهؤلاء الأبناء الثلاثة حافظ وزين وكريم الذين يعيشون كأي عائلة سورية بسيطة، فقد كنا نسمع من الأصدقاء عن الرئيس الأسد وعائلته وأنه دائماً ما كان يفاجئ رواد بعض المطاعم السورية بأنه قد حضر كأي عائلة لتناول وجبة الغداء أو العشاء بين الناس دون أي إجراءات أو إستعدادات مسبقة.

ولا يمكن أن ننسى بعد تحرير ريف دمشق مباشرة وفي عز المعركة الشرسة مع الإرهاب في تلك البقعة الجغرافية الوعرة، حين استقل الرئيس الأسد سيارته الخاصة وقام بقيادتها بنفسه دون سائق أو حرس، وانطلق يجوب شوارع دمشق، حتى وصل إلى قلب الريف في دوما عاصمة الإرهاب في ذلك الوقت، ونزل ليتجول بين أبناء شعبه في هذه المنطقة المحررة، ويتحدث إليهم ويطمئن عليهم ويطمئنهم بأن القادم أفضل بإذن الله.

وبالطبع لا يمكن نسيان جولاته الميدانية بين جنوده أبطال الجيش العربي السوري حماة الديار، فكثيراً ما كان يفاجئ الرأي العام بزيارته لجبهات القتال ليطمئن على سير المعارك، وليشحذ همم الأبطال، وكم من مرة وجدناه يجلس على الأرض ليتناول وجبة بسيطة مع الجنود مكونة من الخبز والجبن والبطاطا، لقد أبهر الرئيس الأسد العالم بثقته في نفسه وشعبه وجيشه، وقبل كل ذلك ثقته في ربه الذي وعد المؤمنين بالنصر، ومن غير الرئيس الأسد الذي يمتلك ذلك الإيمان بقضية وطنه، وبالتالي إمتلاك الصبر في مواجهة أعداء بلاده فحق عليه القول (وبشر الصابرين).

وخلال عطلة عيد الأضحى المبارك يفاجئ الرئيس الأسد كعادته الرأي العام حول العالم بزيارته لمدينة حلب السورية، وما أدراك ما مدينة حلب، فهى واحدة من أهم وأقدم المدن السورية، وتعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، وقد تعرضت للتدمير الممنهج أثناء الحرب الكونية التي تعرضت لها الجمهورية العربية السورية منذ مطلع العام 2011 وحتى الآن، حيث شهدت حلب هجوماً من قبل الجماعات التكفيرية الإرهابية المسلحة في منتصف العام 2012 إستولت من خلالها على مساحات واسعة من الريف وأجزاء هامة من المدينة، بحيث خرجت هذه المناطق من تحت سيطرة الدولة، واستمر ذلك الوضع ما يزيد عن أربع سنوات عجاف، حين قررت الدولة الدخول في معركة تحرير حلب في نهاية العام 2016، حيث تمكن بواسل الجيش العربي السوري من إستعادة كثير من المناطق بالمدينة والريف إلى حضن الدولة من جديد.

ومنذ ذلك التاريخ وأبناء حلب الشهباء ينتظرون زيارة الرئيس الأسد، وطال الإنتظار حتى جاءت المفاجئة السعيدة بزيارة لها ألف وألف مغزى، فها هو الرئيس الأسد وعائلته الصغيرة يحضرون اليوم لزيارة حلب والتجوال بشوارعها وزيارة معالمها والصلاة بمساجدها، والإلتقاء بشعبها البطل الصامد للشد على يديه في مرحلة من أصعب مراحل الحرب على الشعب العربي السوري مرحلة الحصار الاقتصادي الظالم، مرحلة لم تمر بأهالينا في الإقليم الشمالي على مدار تاريخهم الضارب في أعماق التاريخ.

وبما أن حلب لها رمزية كبرى على المستوى الاقتصادي، فقد جاء الرئيس الأسد إليها اليوم ليفتتح عدد من المشروعات التنموية، وفي مقدمتها مشروع عملاق لإعادة إطلاق محطة تل حاصل لضخ المياه، ومحطة حلب الحرارية ، ومحطة توليد الكهرباء، وبذلك يعلن الرئيس الأسد أن مرحلة إعادة البناء والإعمار قد بدأت بالفعل رغم أنف قوى العدوان.

وتعيد زيارة الرئيس الأسد لذهني ذكريات كتابي المعنون "حلب بين حقبتين" والذي صدرت الطبعة الأولى منه في مطلع العام 2020 عن دار
أطلس للنشر والإنتاج الإعلامي، وهو عبارة عن دراسة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مدينة حلب قبل الحرب وبعدها، فأثناء تكليفي من قبل وزارة الإعلام السورية بإجراء دراسة عن " أوضاع السوريين في مصر وإحتمالات عودتهم " أوضحت نتائج الدراسة أن 57.5% من عينة الدراسة قد أتوا إلى مصر من مدينة حلب السورية، وقد عبر كثيرين من أفراد العينة عن رغبتهم في العودة إلى سورية متى توافرت شروط محددة من بينها العودة إلى مدنهم وقراهم التي هاجروا منها، وأن تعود الأوضاع إلى سالف عهدها قبل إندلاع الحرب في البلاد.

ولما كان صانع القرار السوري يستهدف هو الآخر عودة مواطنيه إلى بلادهم، كان من الضروري التعرف على ما آلت إليه الأوضاع في المدن السورية، وفي قلبها حلب الشهباء معرفة تتجاوز المعرفة الإنطباعية بما يمكن الدولة السورية من القيام بدورها ومسؤولياتها الاجتماعية والاقتصادية تجاه مواطنيها.

وبالفعل تم إنجاز الدراسة التي إستغرقت ما يقرب من عام، وشارك فيها فريق عمل مصري- سوري ، وتكبد صديقي الأستاذ الدكتور أحمد بحري رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلب مشقة العمل الميداني منفرداً ومتحملاً كافة التكاليف المادية المطلوبة لجمع المادة الميدانية، وقد قمنا بتقديم الدراسة لوزارتي الإعلام والخارجية لتقديمها لصانع القرار، لكي يستفاد منها في مرحلة إعادة الإعمار.

وبمناسبة زيارة الرئيس الأسد اليوم لمدينة حلب أطالب الأصدقاء بوزارتي الإعلام والخارجية بتقديم نسخة من كتاب "حلب بين حقبتين" للسيد الرئيس بشار الأسد ليعلم أن هناك من عمل بجد وإخلاص لخدمة مشروع إعادة إعمار سورية وعودة أبناءها المهاجرين ليشاركوا في عودة الحياة لمدنها المختلفة وفي القلب منها حلب الشهداء،
اللهم بلغت اللهم فاشهد.