جريدة الديار
الإثنين 23 ديسمبر 2024 02:17 صـ 22 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

هدى توفيق: النشر الإلكتروني متعثر والكتاب الورقي يتسيد المشهد الإبداعي

هدى توفيق
هدى توفيق

هدى توفيق: أسماء أعمالي الأدبية كائنات حية تنمو داخلي

الكتابة الإبداعية أشبه بمعركة طويلة لا يوجد فيها منتصر أو مهزوم

لا أعلم شيئا عن سياسة وزارة الثقافة ولا كيف تدار

الإنسان هو همها الإبداعي الأول، دائمة الفحص في ماهيته ووجوده ويشغل قلمها الأدبي في أغلب أعمالها سؤال يختبئ خلف النصوص ألا وهو.. ماذا فعل بك العالم وماذا فعلت به أيها الإنسان؟

وفي منتصف المسافة بين الإنسان والعالم يقع مختبر الأديبة "هدى توفيق" يحوي داخله أدوات إبداعية ذو حساسية فائقة تتجدد كلما دنى لها جزء من العالم لفحصه، في حوارها لـ"الديار" تحدثت مع قارئها عن عملها الأدبي الأخير المعنون بـ"فاكهة بشرية"، وكذا تجيب على السؤال القائل.. ماذا تعلمت من الكتابة؟ وعن موقفها من وزارة الثقافة وقضايا أخرى وإلى نص الحوار:ــ

*حدثينا عن عملك الأخير؟

عنوان المجموعة يختص بقصة محددة داخل المجموعة القصصية ( فاكهة بشرية )، تمثل اسمين لسيدتين: (منجة وموزة) يشكين من سوء أحوال المعيشة، ويعشن على هامش الحياة سواء الأولى بعد زواجها وطلاقها بدون إنجاب، ومرضها، والثانية بعد زواجها وطلاقها، وتحملها أعباء تربية أولادها بمفردها، وطموحها أن تعمل في المجلس القومي للمرأة لتنتصر لحقوقها كإمراة، وتحاول من خلاله أن تاخذ حقوق أكثر لإبنها المعاق، وليس مجرد موظفة إدارية في معهد أزهري تلهث وراء لقمة العيش، وتربية أبنائها الثلاث

لكن عنوان المجموعة (فاكهة بشرية) هو مجرد تخيل عن أن الفاكهة الطبيعية تعادل بشكل ما أصناف البشر في باقي القصص، وليس فقط بطلتي القصة: (منجة وموزة) في القصة هذه بالذات حيث يتوالى التطبيق بشكل أو بآخر مع اختلاف الحكايات والتخيلات في بقية القصص الأخرى بتصوير حيوات أبطال آخرين نموذج: قصة (الأصابع الذهبية) عن صاحب محل كوافير حريمي مشهور في مدينة ما داخل مصر تحوي قصته مأساة لحياة كاملة عاشها في أيام الشباب والطيش، والحب، والخيانة، والفراق وقصة (الجريمة الكاملة) التي تحكي عن تلك العوالم السفلية التي تقع تحت وطاة المخدرات، وحيازة الأسلحة البيضاء، وكل تلك السلوكيات كطريقة لمواجهة الحياة بأشكال انحرافية ربما يكون البشر مثل كل أنواع الفاكهة الطازجة أوالتالفة نحن مثل النبات والزروع التي تنبت الخير والوجود الحي

ولكن كما تتعرض الفواكه بعد ذلك لعمليات وتحولات تؤدي بها الى القطف، والحصاد، والجني، والبيع والشراء، وانتقالها من مكان ولادتها إلى أشخاص، ومصانع، وتتوزع بين الأماكن، والأشخاص والأحوال، وكل ثمرة تسلك لها طريق مختلف حسب الظروف فنأكلها ونتلذذ بطعمها ولذتها، أو تتلف ونلقيها

هكذا نحن البشر جميعنا نولد أبرياء لا اسم لنا، لاشئ، كالصفحات البيضاء، كالبذور الطيبة التي لا تعي شرور أو آثام لتبدأ بعد ذلك التحولات الكبرى في حياتنا، ونحن نسلك دروب الحياة الوعرة، ونجد أمامنا تبدلات وتحولات لا نهائية لجميع حيوات البشر حسب المكان والزمان، والظروف الاجتماعية، والاقتصادية كل على حسب نماذج من القصص:(حلم فرعوني) عن الرجل الذي حطمه حلمه أن يصبح ثري بعد أن أهدر كل أمواله في البحث عن الكنوز الفرعونية

قصة (مسرح مصر) عن الطفل المريض بالسرطان الذي يطمح في رؤية الفنان الشهير مع فرقته على المسرح

قصة (اكتب أتوبيس) عن الجدة التي تريد أن تنجو بحفيدتها من نفس مصير الأب والأم في السجن

قصة (الثلاثاء الحزين) عن أمنية الأم التي تعاني من العجز والكساح، وتتمنى الموت حتى ترتاح، وتشتهي ساندوتش الحلاوة الطحينية مع كوب شاي ساخن باللبن الذي كانت تعشقه قبل مرضها بالسكري، وأثناء وجود حماتها قبل وفاتها،

وقصة (عاصفة التنين) عن جائحة كوفيد ـ 19(كورونا) وتداعيات التباعد الاجتماعي والاجراءات الاحترازية ... إلخ.

إنها في النهاية حالات ونماذج بشرية لا تختلف كثيرًا عن كل أنواع الفاكهة الحقيقية، التي تبدأ مشوار الحياة الصعب من بداية زراعتها حتى تذبل وتتلف، وينتهي أمرها هكذا حال البشر من يوم ولادته حتى يذبل ويموت وخلال تلك الرحلة الشاقة من صرخة الحياة حتى الموت نحيا ونعافر بنواح عدة ومختلفة ومتنوعة، مثل الفواكه كل على شكل ما مثال: منجة وموزة في قصة فاكهة بشرية

*كيف تختارين أسماء أعمالك الأدبية؟

لا شك أن عنوان العمل الأدبي يحظى بالكثير من الاهتمام لأنه يمثل عتبة النص، ولا بد أن يعبر ويجسد ولو تصور جزئي عن المنتج الأدبي هذا إن لم يكن بشكل كلي، ولو إلى حد ما، واختياره ليس بالشئ الهين لأنه يشير إلى المسار الذهني للكاتب من وجهة نظر محددة يريد أن يطرحها من مفهوم اللا وعي البعيد في دائرة مغلقة على نفسها، وتفتح تنظيرات لتلك الرؤية في اختيار عنوان ما فيحدث صدمة، وبالطبع هي صدمة فنية أمام المتلقي والناقد، لكي يستحضر الأسئلة وراء هذه التسمية بالذات دون غيرها، وإلى ماذا تشير؟ وما مدى قناعتها، وما الدور الإيجابي والمعرفي لهذا الاختيار بالذات؟!

ولحظات الكشف الفني والسردي على السواء هي عملية متكاملة وهامة من بداية العنوان إلى أخر صفحة في العمل الإبداعي لذلك تتعدد الإختيارات أمامي حتى أصل للعنوان الذي يناسب رؤيتي للموضوع ككل وهذه عملية صعبة للغاية ولكنها هامة أيضًا للغاية

*ماذا تعلمت من الكتابة الإبداعية؟

الكتابة الإبداعية بالنسبة لي تجسد معنى الحياة كاملاً كما يعيش كل إنسان تجربته مع الحياة بكل المتناقضات والأحداث سواء داخل نفسه أو خارجها حتى يحاول في النهاية النجاة من أفخاخ الحياة بأية طريقة، وهذا كله يتم من خلال معان هائلة في طريقنا مع الحياة بشكل شامل،

ومع كل الوجود على هذا الكوكب الفرق الوحيد بين هؤلاء البشر الذين سلكوا طرق عدة ليعيشوا ويموتوا في الحياة، وبين الكاتب أو الفنان بمعنى أشمل أن نقرأ هذا ونتأمله جيدًا ثم نكتب عنه مع ركيزة التخييل والتكتلات الفنية التي تعززها الثقافة، والتجارب، وتراكم الخبرات،

وأنا أقصد بالقراءة هنا: قراءة البشر ومعرفتهم جيدًا من الداخل، وتحليل تلك السلوكيات المختلفة بقدر عال من الشفافية، والصدق الفني، والموضوعية ومن خلال تلك التجارب الطويلة التي نظل نقوم بها داخل عقولنا بين قراءة البشر، وتبادل الخبرات، وتأمل الأحداث واختبار وجهات نظر متعددة لأن ليس من الضرورة أن نصدر حكم نهائي سواء بالصواب أو الخطأ

إنما طرح من الكتابة يتطور، ويتبدل كلما مرت الحياة بنا إلى سنوات عديدة من الخبرة والمعرفة والثقافة إنها رحلة شاقة وطويلة وهذا هو معنى الحياة عند الجميع من أجل الصعود، والتعايش، وتمرير الأمور الصعبة أو السهلة هكذا تكون الكتابة الإبداعية بالنسبة لي هي معنى الحياة كاملًا أركز فيها على اكتناز وتجميع كل الخيوط لأجل أن أعيش وأحفر طريقي في الوجود الإنساني، لأنها الوجه الحقيقي الذي طالما أبحث عنه ليل نهار من أجل أعيش أن أتجاوز أن أشبع رغبتي دائما في ملأ الفراغات ، والشعور بنفسي ، وبالآخرين من خلال فعل وحيد لا أرى له بديل غير الكتابة ، ومن أجل الكتابة، من أجل الحياة، من أجل الصبر والمثابرة فالكتابة الإبداعية تحتاج إلى الكثير من الصبر والعمل والمناورة حتى تقبض على لحظات تستكشف أسرار أحاجي الفن والإبداع وهذا يحتاج الى القراءة، والكتابة كثيرًا حتى تمتلك زمام الامور في التحكم في كل تفاصيل حياتك من أجل الانجاز والتحقق ما دامت هناك رغبة قوية في الطموح أظن أن الكتابة الإبداعية أشبه بمعركة طويلة لا يوجد فيها منتصر أو مهزوم لأنك على الدوام تجد المحفزات التي تنطلق منها من فترة لأخرى، ولا شئ ينتهي، ولا شئ نصل به إلى المرجو ما دمنا على قيد الحياة سويًا: أنا والكتابة، والكتابة وأنا

*كيف تقيمين المشهد الإبداعي المصري؟

في الحقيقة العمل يأخذ أغلب وقتي، ولا أستطيع متابعة الكثير من إبداعات الآخرين من المبدعين، ولكن أتابع على قدر ما أستطيع خاصة أن الأمور الآن لم تعد سهلة بعد انتشار وسائل السوشيال ميديا، والتطبيقات والتصريحات، وكل القنوات الثقافية واللقاءات عبرالشاشة العنكبوتية، فمثلا لفت نظري أدب التفاعل الرقمي، وكم كبير من وسائل التواصل الاجتماعي والأدبي والإبداعي غير المجالات الأخرى

وقد أصبح المشهد الإبداعي بوجه عام مزدحم وكبير، وأنا هنا لا أحدد الإجابة على المشهد الإبداعي المصري بل الإبداعي العربي لأننا جميعا أصبحنا داخل بوتقة واحدة نتواصل يوميًا على صفحات الفيس بوك، والواتس، وغيرها من التطبيقات بكل سهولة ومرونة من خلال الأجهزة الهاتفية أو عبر شاشة الاب، وغيره من المنتشر في كل النواحي.

لذلك أظن أنه لم يعد يصلح أن نقول أن هناك مشهد محدد بمصر أو المغرب أو كذا فالكل أصبح في واحد، وبذلك تصبح عملية التقييم مسألة صعبة للغاية خاصة ولوقلنا نظريا هذا يرتبط بمدى قدرة النقاد على الرؤية والتفحص والتحليل، وإبراز الجيد وما يستحق القول الاجتهاد والاهتمام لأن المبدع ليس معني بهذا الدورإلى حد ما

*كيف تقيمي سياسة وزارة الثقافة ؟

بصراحة لا توجد إجابة لهذا السؤال لأني لا أعلم عن سياسة وزارة الثقافة شئ، ولا أعرف كيف تدار أو تدور الأمور؟

*كيف أثرت الثورات عليك إنسانيًا وإبداعيًا؟ وكذا على المتلقي؟

تأثير الثورات يأتي على جميع البشر في أي وطن، والثورة تحدث نتيجة تفاقم الأمور، واضمحلال في جميع مجالات الحياة التي يعيشها المواطن بشكل عام ، والتخلف في اللحظة الراهنة عن مواكبة سير وتطور العلم والثقافة، وتفشي السوء والفساد والظلم على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، واعلاء شأن المحسوبية والاقطاعيات والشللية فوق الكفاءة والقانون والحدود الواجبة للردع وتنفلت زمام الامور،

ويغوص المجتمع بجميع أطيافه في براثن القهر والإنسحاق والتردي إلى الأسوأ لتراكم عقود من الزمن تحت وطاة لافتة: حرية ـ عدالة ـ كرامة اجتماعية كلها شعارات لاهبة وساخنة وموجعة لأنها تحكي عن تاريخ طويل من فساد وخلل أصاب أجيال، وأنتج ميراث ضخم من الانتهاكات والسوء العام في جميع مظاهر الحياة الثورة نقطة فاصلة من أجل رؤية الأمور من جديد، وإعادة الحسابات وتفنيد الخطط المحكمة لمحاولة السيطرة على تفشي البطالة والجريمة والسوء بوجه عام الثورة صرخات تتعدد وتتنوع لأنها تحتاج إلى حلول، ولكن أيضا الثورة ليست العصا السحرية كن فيكون، لأنها تحتاج إلى حلول طويلة الأمد، وتحتاج إلى رؤية ثاقبة، وإدارة رشيدة وحكيمة لمواجهة تحديات تحتاج إلى أثمان باهظة لحل تلك الأمور المعقدة والمتشابكة في وطن كبير يحوي ملايين البشر، والمؤشرات والأبواب المفتوحة منذ عقود أمام الإرهاب والفساد والجهل، وعوامل كثيرة وكبيرة لا تحصى هذا على المستوى الإنساني

أما على المستوى الإبداعي: الثورات تمثل لحظة تاريخية موثقة لكل الشعوب، ولها سلبيات وإيجابيات ونتائج نعيشها ونشعر بتداعياتها لحظة بلحظة، ولا بد أن نسجلها في لحظتها، وما يتبعها مع توالي السنوات، وأتذكر أن عند انطلاق ثورة 25 يناير كتبت قصة بعنوان (أنا اسمي التحرير) عن حكاية حقيقية حدثت لي في ميدان التحرير مع بعض التخيلات التي أبدعتها الضرورة الفنية وفي روايتي (رقصة الحرية) كان المشهد الأخير في ميدان التحرير أيضًا لا شك أن الإبداع تعبير عن الواقع في تشكيلات إبداعية متنوعة

*مع النشر الإلكتروني والكتاب المسموع أم ضد ولماذا ؟

النشر الإلكتروني فرصة ذهبية من الأفضل تعميمها وانتشارها في الواقع العربي، لأنها خطوة ترفع الكثير من عبء الكاتب في النشر الورقي، ولكن المشكلة أن الأمور في النشر الإلكتروني لا زالت متعثرة بعض الشئ بسبب أن لا زال الكتاب الورقي يتسيد المشهد الإبداعي، وما يتبعه من استغلال بعض الناشرين، وارتفاع ثمن المواد الخام لصنع الكتاب الورقي مثل كل شئ فالكتاب في النهاية سلعة وتتعرض لموجات من الغلاء طبقا للحالة الاقتصادية التي تفرض حضورها على أي شئ

بالإضافة لشئ هام أن المؤسسات الثقافية لا زالت تعترف بأهمية الكتاب الورقي، وديارالنشر الكبرى، وحفلات التدشين، والترويج للكتاب والتوزيع، والجوائز الرسمية، وكل المحافل لا زالت تحتفي بالكتاب الورقي حتى أن بعض الديار ترفض التعامل بالنشر الإلكتروني لعدم سداد المستحقات أو حدوث ملابسات مادية بين الناشر، ومسؤول النشر الإلكتروني، وخلافه من المشاكل الفنية بالمصطلح نفسه عن كيفية إدارة الموضوع بشكل صحيح وسليم من كل جوانبه، ومع كل الأطراف وقد جربت السؤال عن هذا، ونصحني الناشر بالنشر ورقيا كالمعتاد لأنه أفضل له ولي لكن طبعا أنا مع النشر الإلكتروني .

وأرى أنه المستقبل القادم بدليل أنني منذ سنوات أقرأ إلكترونيا، وأقوم بتحميل العديد من الكتب في ملفات لعمل مكتبة إلكترونية تناسب ما أحتاج إلى قراءته في أي وقت، وبسهولة وأحاول في الفترة القادمة أن أتجه نحو النشر الإلكتروني على الأقل للأعمال السابقة التي لم تعد موجودة لدي منها نسخ ورقية للديار التي نشرت بها سابقا

*ما هي مشاريعك الأدبية القادمة؟

أتمنى قريبًا نشر روايتي الجديدة ، لكن لا زلت أبحث عن دار نشر تتحمل أعباء النشر بعد تقييم العمل جيدًا