بمناسبة ليلة القدر.. ( فَتوىً عَلى عَجَل، تَضدُّ عَمائِمَ الدَّجَل)
لقد أبانَ لنا سيِّدُنا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما نسيَ تبليغاً وما غَفَل؛
" خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ وعَسَى أنْ يَكونَ خَيْرًا لَكُمْ.."، وذلكَ – لعمري - حديثٌ شريفٌ ونديٌّ وفصيحُ، ورهيفٍ وبهيٌّ وصحيحٌ بلا عِلل.
إنَّ تلاحِينا -أي تباغَضَنا- قد رَفَعَ عنّا مِيقاتُها والأَجَل، فحُرِمنا بهِ بَركتُها، وذلكَ لَعَمري هو أمرٌ معيبٌ بخَجَل. ألَا وإنَّ يومَها مُسْتَأْنَفٌ في رمضانَ إلى يومِ القِيامةِ، وفي ميقاتٍ وأَجَل. ألَا فعَسَى أنْ يكونَ في رفْعِها خَيرٌ لنا، لنجِدَّ سيرَ مناسِكِنا في حلِّنا، وفي مُرتحَل.
إنَّ التلاحي - يا سادة - ماحقٌ لكلِّ خيرٍ مُستَهَل، وغالقٌ لكلِّ بابِ فضلٍ ومُدَّخَل، وهكذا بيَّنَ الرسولُ، وهكذا حَكَمَ اللهُ العدلُ منذُ الأزل.
وها هوَ ذا التلاحي كرةً أخرى، وما إنفَكَّ يحقنُ أدبارَنا غُدّواً وعشيّاً بجرعاتٍ في العَضَل، فَتَرانا ننامُ على جرعاتِهِ كأنَّها الشِّفاءُ والطُهرُ والمُغتَسَل، فَتَهاوت أحلامُ النقاءُ فينا والوفاء، وتَساوت عندنا أيامُ الهناءِ مع أيلامِ المُعتَقَل، وكلٌّ مِنّا هائمُ بجَشَعهِ، وبهواهُ عائمٌ ومُختَزَل، ومردُّ ذاكَ كلُّهُ الى فتاوىً من عَمائِمِ التفريقِ والدَّجَلَ، لَمّا فَسَدوا كَسَدَ الدّينُ كلُّهُ، وفَسَدَ فيهِ فَيُّهُ المُستَظَل. فنحنُ عوامُ الناسِ لا تَخدعُنا فتوىً من خَمَّارٍ، رأسُهُ لكأسِ الخمرِ مُنتَعَل، بل تخدعُنا فتوى من عِمامةٍ، بأسُها واهنٌ كاذبٌ ومُفتَعَل، فتراها إن حميَ الوطيسُ تَتَزَلْزَلُ كالنِّعامةِ، وإن حميَ التدليسُ تَتَهَلْهَلُ بالإمامة بلِسانٍ مُشتَمل.
أوَلم نَرَ وكالاتِ الفضاءِ وعلماءَها، وهم غاطسونَ بعلمِ فضاءٍ رصينٍ جَلَل، ورَاصِدونَ منازلَ القمرِ في السماءِ، حينَ صحوِها، وحينَ الظُلَل، بل وحَاصدونَ بإِتْقَانٍ لمنازلِهِ بعدَ ألف عامٍ وبدقّةٍ فلا خطأَ، ولا خَلَل، ثمَّ ها نحنُ نَرى أمّةَ الإسلامِ فاطسةً في قيعةِ بئرٍ حالكٍ بالجَهَل، فَتُحَرِّمُ الإتكالَ على حسابِ علماءِ الفضاءِ بفتاوىً من خزعبلاتٍ ومن خَبَل! فتاوىً مُغَلَّفَةٍ برداءِ "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ" وبعينيّ فتىً يافعٍ مُكتَحَل، وحاشا لسيدِ الأنامِ من ذوي عمائِمٍ بئيسةٍ ذي فكرٍ مُبتَذل، وقد تغَافلَتِ العمائمُ وعن عَمدٍ أنَّ خيرَ الرؤى رؤى العِلمِ اليقينِ الماثلِ المُمتَثَل، وقد تجَاهلَتِ العمائِمُ وعن رَمدٍ أنَّ العلمَ نُورٌ، وانَّ الفهمَ عينٌ كشّافةٌ لكلِّ زيغٍ وباطلٍ ذي عَطَل.
ولكَأنّي بالعمائِمِ هاهنا تُحَرِّمُ عليَّ تسطيرَ مقالي هذا إن لَبِسَتا عينايَ نظّارةَ طبٍّ مُستَغَلّ، ولزاماً عليَّ تسطيرهُ بلا نظّارةٍ أعجميةٍ دخيلةٍ على الجُفونِ ومُقتَحِمةٍ للمُقَل! أجَل، (فالمِنظارُ -بزعمِهُمُ- حرامُ ولا يُطاقُ، والمرصَدُ مُحَرَّمٌ ولا يُحتَمَل، وعدوٌّ لسُنَّةِ النبيِّ بفكرٍ مُرتَجَل)، والأمرُ سِيَّان هاهنا، فلا فرقَ بينَ نظرةِ عينيَّ على قِرطاسي، ونظرةٍ على الهلالِ إن أَهَلّ، فكلتاهما بحاجةٍ لنظّارةٍ أستعينُ بها لتسطيرِ الجُمَلِ لمقاليَ بِيَراعٍ مُشتَمل، وأستبينُ بها لتكبيرِ ما في الآفاقَ من قَمَرٍ أهَلَّ، أو نجمٍ أَفَل.
وكلُّ ذلكَ أمرُهُ هيّنُ وخطبٌ مستورٌ ومُحتَمَل، لكنِ الطامّةَ الكُبرى تكمنُ في فكرِ وشقاقِ الأمَّةِ، شقاقٌ بلهيبٍ مُشتَعَل، وإنشقاقِها لشطرينِ وكلُّ شطرٍ بليدٍ أَخْرَقٍ ويُجادِلُ بلا كَلَل، ونسيَا الشطران أنَّ حسابَ ليلةِ القدرِ قد ضاعَ من كليهما وإضمَحَل، جرّاءَ فتاوى لعَمائِمٍ ماكرةٍ إتّخَذَت دينَها لَعِباً ولَهوً وبأنغامٍ من هَزَل، والمليكُ سبحانَهُ يقولُ؛ " (وَذَر ِالَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) بِدراهِمِها وبالقُبَلِ وبالغَزَل. ذاكَ أنَّ حسابَ الشَفعِ للعشرِ الأواخرِ لهذا الشطرِ من الأمَّةِ، هو ذاتُهُ وِتْرُ ذاكَ الشَطرِ الآخر في حسابٍ ضالٍّ مُنهَبَل، لأنَّ شطراً سَبَقَ شطراً، فصَامَ قبلَهُ، وعنهُ تَوَلَّى فإنفَصَل. فلا ندري أيُّ شطرٍ أضحت أيامُهُ وتراً وهل في أصلِ الصوابِ نَزَل، وأيُّ شطرٍ أمست أيامُهُ شفعاً وفي مَصلِ الضبابِ إنعَزَل.
أبداً لن أَسمحَ لفؤاديَ أن يخوضَ في جحفلِ خوضٍ ضالٍّ مُضِلٍّ مُنتَحَل..
أبداً لن أعيرَ فكري لعمائِمٍ تعتاشُ على فتاوى خَبَثٍ بِصَهل، ورَفَثٍ بجَهَل.