تسنيم سلطان تكتب للديار ”: عامر الطيب: أحلم حتى الآن أن أصير مغنّياً ”
إن القيام بخطوة جديدة، أو التلفظ بكلمة جديدة، هو أكثر ما يخشاه الناس.. لكن الحوار الذي بين أيدينا سيجعلنا نكتشف جوهراً مكنوناً متجدد العطاء، مُبتكراً لكل شيء ....
الشاعر العظيم واللامتناهي الإبداع " عامر الطيب "
بداية كيف سيعرفنا ضيفنا عن نفسه.. ؟
غالباً ما ينسى الكتاب و الفنانون أمراً هاماً في التعريف بأنفسهم هو كونهم مواطنين يحترمون القوانين و يحلمون ببناء دولة ديمقراطية أيضاً، أنا مواطن عراقي و كوني شاعراً يدخل ضمن أهمية كوني مواطناً ذلك إن الإبداع هو فعالية ينبغي أن تساهم بتحقيق السعادة و الطمأنينة لنا كأفراد ، أعيش في قرية قصية من قرى محافظة واسط وهي تقع ضمن ما يسميه السوسيولوجي الرائد علي الوردي - قرى الريف- ففي العراق ثمة قرى بدو و قبائل و قرى أرياف تتداخل مع المدن جغرافياً و تاريخياً وبذلك تكون قريتي متاخمة لمدينة ( الصويرة) حديثة العهد مقارنة بأعمار المدن حيث أسست الصويرة في عهد الوالي الإصلاحي مدحت باشا سنة ١٨٥٢ لغرض جباية الضرائب من العشائر المنفلتة في القرى .
إنني أسوق ذلك لأقول أن الشعر هو من جهة ما حلم بالمواطنة ، بالمدينة العادلة لا الفاضلة بالطبع.
لكل إنسان منا طفولته الخاصة، كيف كانت مرحلة الطفولة عند عامر الطيب؟
- لا أمتلك صوراً فوتوغرافية تؤرخ طفولتي، عشتُ في الحصار و كانت لدي صورة عتيقة واحدة عندما أخذتني أمي لتسجلني في المدرسة، بدا من ملامحي إنني خائف و حزين و اللافت إن أمي نسيت قطعة من عباءتها حول كتفي أثناء التصوير .
بعد أن كبرت قليلاً بدأت مرحلة الدراسة و العمل بالبستان حيث يأخذني والدي مع أخوتي للأرض ، لم أحب ذلك بالطبع لكني كنت أغتنم الفرصة لأقرأ القرآن و نهج البلاغة للإمام علي بشرح محمد عبدة يمكنني أن أزعم إني حفظت أجزاء كثيرة من القرآن و نهج البلاغة يومها .
لعلي أريد أن أقول إن طفولتي حنونة و قاتمة و آمنة مثل عباءة أمي التي نسيتها على كتفي.
هل هناك ذكريات من مراحل الطفولة، مازالت تترك بصماتها في ذاكرتك وحياتك؟
نعم وفاة جدتي لأمي، شاهدت أمي تبكي في مأتم النساء و صرت أجهش بالبكاء أيضاً دون أن أفهم ماذا يعني موت أحد، كانت جدتي تروي لنا القصص دائماً لا سيما قصة حبها حيث تزعم إنها عبرت دجلة هرباً من زوجها قبل ليلة الدخلة بساعات لتلتقي حبيبها حتى تم تزويجهما لئلا يكون الأمر فضيحة عشائرية!
ألا ينبغي أن تكون لتلك القصة بصمة على حياتنا جميعاً ؟!
عامر الشاب وفترة المراهقة، هل كانت فترة عادية أم مليئة بالمغامرات.. ؟
حبذا لو تحدثنا عنها قليلا؟
- لم أعش في حياتي أية مغامرات، لقد كانت الصدفة هي البطل دوماً ، لا توجد لدي تجارب هائلة في الحب أو في الأدب، سرت بخجل و عفوية و تروٍ كبير ، لكن ثمة حدث مؤلم في مراهقتي أود أن أتحدث عنه للمرة الأولى هو اعتقالي و تعذيبي من قبل الأمريكان وأنا في الثامنة عشر من عمري لحظتئذ، تم الأمر أثناء مداهمة اعتقال عشوائية إثر تعرض أرتالهم لقذائف هاون.
ما مكانة العائلة في قلب عامر الطيب..؟
العائلة تتلاشى بالنسبة لي ، أصدقاء المرء يكونون عائلته بعد أن يفقد والده و تهرم والدته بطريقة مؤلمة قدام عينيه، لي عائلة طيبة في الفيسبوك هؤلاء هم الذين لا أخفي عنهم فرحي أو أسفي ، إنهم عابرون خفيفون ولن أطمع بالتعرف عليهم عن كثب لئلا يسبب وجودهم في قلبي أي أذى .
كيف تم اكتشاف موهبتك الكتابية، ولماذا اخترت هذه الموهبة بالتحديد.. ؟
- هي بالنسبة لي ليست اكتشافاً إنما صدفة فضولية و شغف لم أخترها كان الأمر أشبه بلعبة ، شاهدتُ لقاءً مع شاعر شعبي وهو يلقي قصيدته بينما تبسمُ المذيعة متأثرةً ،قلتُ لنفسي:
الأمر لا يبدو معجزاً و قررتُ أن أكتب قصيدة شعبية ثم كتبت الفصيح الموزون ثم قصيدة النثر و كنتُ و ما أزال متواصلاً و حريصاً على قراءة الآداب العربية و الآداب الأجنبية و كذلك كتب التاريخ و الفن و الفلسفة و العلوم و إنني إذ أفعل ذلك فهو لكي أفهم لا لأدعم موهبتي.
هل كان المحيط من حولك داعماً لك عندما بدأت بهذه الموهبة، أم هناك من وقف عائقا أمامك.. ؟
- لم يعلم أحد من عائلتي بأني شاعر إلا بعد أن طبعتُ كتاباً ولا يبدو إنهم سيبالون إن كنت قد أخبرتهم قبل ذلك ، الأمر ليس مأسوياً بالنسبة لي فالاهتمامات كالأمزجة، بالطبع كما أن شؤون الخياط لا تهمّك فإنّ الخياط لا تهمّهُ همومك الشعرية أيضاً .
هل مازلت تذكر أول نص قمت بكتابته، وكم كان عمرك في ذلك الوقت.. ؟
- كتبت أول قصيدة و كانت شعبية في الثانية عشر من عمري ، مر على ذلك ما يقارب عقدين من البحث و عدم الرضا عما كان راهناً ، لقد أتلفتها ومن الصعب أن أتذكرها.
ماذا تعني الكتابة بالنسبة لعامر الطيب.. ؟
- الكتابة هي طريقتي بالعيش و التفكير و الحلم، هي إحساسي بوجودي لا بذاتي فقط .
ماذا لو..
استيقظت صباحاً ووجدت كل وسائل الكتابة قد اختفت من عالمنا، كيف سيكون تصرفك حيال ذلك الأمر ؟
- لن يمر وقت طويل حتى نبتكر طريقة ما للتعبير عن وجودنا، الكتابة من جهة هي حاجة بشرية لا يمكن الاستغناء عنها و من جهة أخرى هي لعبة صحية لتجديد اللغة، لانعاشها و حمايتها من العفن و الموت ، ثمة لغات كثيرة اختفت من العالم و ثمة لغات أخرى كما لو أنها لم تعد موجودة، الكتابة تخلق وسائلها بنفسها، لا تقلقي حيال ذلك الهاجس إطلاقاً !
حدثني عن شعورك عند صدور أول ديوان لك.. ؟
شعور قلق ممزوج بالرضا و الفرح و ذلك ما أشعر به عند صدور أي كتاب لي لكن بدرجة متفاوتة أعني بقلق و رضا أقل و بفرح أقل أيضاً ، لا بد أن كل خطوة في حياتنا تكلفنا ثمناً .
لطالما شممت رائحة العطر الأنثوي تفوح من أطراف قصائدك، هل هناك أميرة حقيقية تسكن قلب عامر الطيب، ويترجمها في قصائده.. ؟
- بالطبع إن الكتابة ليست تعبيراً عن الذات فحسب إنما عن الوجود فالمرأة في قصائدي لها ذات و وجود، ذات باعتباري أكتب عن امرأة صادفتني أو عاشت معي و لها وجود أيضاً كوني سأحولها إلى بطلة عارفة تقودني أو تحميني، تسعدني أو تستقبل شكواي، لقد كتبتُ كثيراً عن إحدى أخواتي ، وهذه هي التي كان لها حلم عظيم و مصير مرير للغاية .
هل من الممكن أن يكتب الشاعر عن الحب، دون أن يعيش حالة حب، واذا كانت اجابتك نعم.. هل جربت هذا الشعور وكتبت.. ؟
- الكتابة عن الحب أقرب للحلم منها للذكرى أعني إنها استشراف لا استذكار، هل ثمة إنسان لا يحلم؟ لقد عشتُ الحب كتجربة مرتين و أعيشه عشرات المرات الآن مع أي عاشقين تسمح لي الصدفة بأن أكون قريباً من شؤونهما.
ماهو ردك على من يقول: الشعر هو الشعر الموزون فقط ولا أساس لقصيدة النثر في عالم الكتابة.. ؟
- بالعادة لا أرد على هؤلاء لأن الشعر بالنسبة لهم قالبٌ و شكلٌ و بناء هندسي فقط ، قصيدة النثر هي إشكال لغوي و شعري و لعلها دفعت ضريبة مواجهتها للقالب الشعري الغابر و من ناحية الأساس فإن قصيدة النثر ليست تفاحة نيوتن بالمعنى التقليدي، أعني إنها نتيجة حتمية للتراكم الثقافي و التغيرات الإجتماعية و السياسية أيضاً.
رغبة التجديد كانت جدية و مترددة بعض الشيء منذ محاولات أبي نؤاس بكسر المزاج الشعري السائد -مزاج البكاء على الأطلال- و أنتِ تعرفين أن العرب ترجموا الفلسفة اليونانية مثلاً ولم يترجموا الشعر على اعتبار أن ما لديهم مم شعر أفضل مما لدى الأمم الأخرى.
أما في عصرنا هذا لعبت الترجمة دوراً هاماً بولادة قصيدة النثر العربية كما لعبت دوراً بولادة قصيدة النثر الفرنسية أيضاً و بذلك تبدو قصيدة النثر سؤالاً معرفياً و شعرياً حداثياً لا شكلاً شعرياً فقط و لقد كتبت قبل أيام إن قصيدة النثر لا تخوض صراعاً مع النص العمودي لأنه شكل مستهلك أشبه بالرجل المريض إنها في صراع مع نفسها لإنتاج فعاليات إبداعية جديدة.
كيف يستطيع الشاعر او الكاتب أن يصل لمرحلة التميز في عصر السرعة الذي وصلنا إليه، وهل تعتقد أنك وصلت لهذا التميز.. ؟
- لا يهمني ذلك حقا ما يهمني هو أن تكون لي رؤية خاصة إزاء ما أعيشه وما اشعر به بل يبدو لي الوصول كارثة كبيرة ذلك أنننا موجودون لنفهم و نحلم و نسعى ، وما يدفعنا لاكتشافاتنا الفردية في حياتنا أو في نصوصنا هو الفضول الدائم لا الرغبة بالوصول للمحطة الأخيرة .
في إحدى المرات كتبتَ : " لا أعرف الحب لكنني أحب
كأخ صغير يكلفونه بالمهام الشاقة "
هل الحب في نظرك شقاء.. ؟
- هناك مشقة بالغة بالطبع بسبب الإحساس العالي الذي تنمو وسطه شؤون الحب، الشقاء موجود و السعادة أيضا لكن كلاهما عابران، الأبدي في الحب بالنسبة لي هو الأثر .
يقال: أن لكل امرء من اسمه نصيب..
ما نصيب عامر الطيب من اسمه ؟
- أحاول ببسالة أن أكون مصدر طمأنينة و متعة لمن أعرفهم، أن أحب الناس على علاتهم، أن أكره من يجبرني على ذلك دون أن تكون لي رغبة بعقابه، لم أقم مرة واحدة بحياتي بما يؤذي أحداً .
لو لم تكن عامر الطيب، ماذا تحلم أن تكون.. ؟
- افتراض مشاكس إذ لا يمكنني بأية حال أن أحزر أحلام من سأكونه لكني أحيانا أحلم أن أكون نباتاً عشبياً مثل اللبلاب متوهماً أن شعوره بالموت أقل من شعورنا نحن!
هل من الممكن أن نرى عامر خارج قصيدة النثر ؟ وما هو الجنس الإبداعي الذي ستختاره؟
- أريد أن أكتب رواية و أحلم حتى الآن أن أصير مغنياً .
اذا جاءك أحد ما و طلب أن تكتب له قصيدة مأجورة، لينسبها لنفسه، هل تفعل ؟ ولماذا. ؟
- لن أفعل ذلك ،إن قصائدي هي ما أعيشه إنها يومياتي و أيام ما كنتُ أدون نصوصي على الورقِ كتبتُ " لن أغفر للص الذي يسرق يومياتي" و تلك اللقطة موجودة في كتابي الأول( أكثر من موت باصبع واحدة".
لماذا لا أفعل ذلك ؟ لأن المرء لن يربح شيئاً عندما يخسر نفسه .
كيف تنظر للكتّاب الشباب المنتشرين بشدة في هذا الزمن، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعي ؟
- أحبهم جميعاً و أبارك لهم خطواتهم و أتمنى أن أكون قادراً على مد العون لهم بمحبة واحداً واحداً .
هل تعتبر نفسك ناجحا..؟ ولماذا؟
- نعم إنني شخص ناجح كوني ما زلتُ أملك الشغف و المثابرة في القراءة و الكتابة و في الحياة و لأنني أحس أن غالب الناس الذين تعرفوا علي يحبونني أيضاً .
لو طلبوا منك أن تعطي لقباً واحد للأنثى بين.. العطر والوردة واللبوة
ماذا ستختار.. ولماذا ؟
- هذه ألقاب تعبر عن غريزة عتيقة داخل ذهن الرجل بأن المرأة للمتعة الشخصية كالوردة أو العطر أو إنها كائن شرس و همجي كاللبوة أو الغزال إن المرأة بوجودها الإنساني و الإبداعي أهم من أن تكون بحاجة إلى لقب أو إلى غزل أو إلى طبطبة على الكتف من قبل رجل عابر .إن المرأة هي المدينة التي نحلم بها بل إنني أعتبرها قلب العالم ، فعالم دونها لا حياة له و لا حياة فيه .
هل لديك اهتمامات أخرى غير الشعر ..؟
- نعم الغناء.
هل أخبرك أحدهم أن وجهك يحمل الكثير من الإيحاءات الخاصة بالمسرح ..؟
وان اقتنعت بهذا الكلام فهل يمكن أن نراك على الخشبة ممثلاً ..؟
- نعم وردتني ذات مرة رسالة من سيدة وهي فنانة تشكيلية كتبت لي فيها " ننتظر أن يخطفك مخرج " لا أعرف ما الإيحاءات التي يحملها وجهي لكني بالطبع لا أستطيع أن أكون فناناً مسرحياً لأنني لا أحب ذلك.
هل وصلت إلى حلمك. ؟
- إنني أسعى لمجموعة شائكة من الأحلام أشعر إنني سأحقق الكثير منها تدريجياً .
عامر الطيب هذه المساحة لك..ماذا تحب أن أسألك.. ؟
آمل مفترضاً أنك ستسألينني عن تسنيم سلطان و أجيب إنها شاعرة سلسة و شفافة و مجتهدة و إضافة إلى ذلك لها حضور جمالي هائل و ملفت -لن أستخدم عبارة (شعور طاغ) لأنني أكره الطغيان- و أظن أن جمالك كمبدعة موهوبة و إنسانة هو شكل من أشكال الحرية بما يوحيه هذا الجمال من عفوية و آمان و مرح، أن الجمال الفطري هو الذي يحرر أذهاننا من العذاب غالباً .