مولانا الخضر حسين .. قصة الوافد الذي أصبح شيخاً للأزهر
تبقي مصر واحة العلماء تستقبلهم، يعشقونها فتمصرهم بحبها مئات الوافدين حضروا للمحروسة، منذ أحدجي عشرة قرناً من الزمان بدأت مسيرة الوافديين لمصر حيث الأزهر الشريف ساحة العلم، عشرات الكواكب والنجوم برعوا في مصر، منهم الشيخ الجليل فضيلة الإمام الأكبر الخضر حسين شيخ الجامع الأزهرالفقيه التونسي الكبير، والعالِم اللُغوي، والمُصلِح ديني، أحد رُوَّاد الوَسَطية والتجديد في حركة الفكرالعربي، يتحدث ثلاث لغات هي الفرنسية والإنجليزية والألمانية.
وفي واحة النخيل «نفطة» في الجنوب التونسي، وفي هذه المدينة الوادعة، الهادئة، ولد الإمام محمد الخضر حسين (٢١ يوليو ١٨٧٣ م) في عائلة علم وأدب، تلقَّى تعليمَه الابتدائي، وحفظ القرآن الكريم، ثم التحَقَ بجامع الزيتونة، ودرَسَ علومَ التفسيروالحديث والفقه والبيان على يد علماء أفذاذ، مثل: الشيخ عمر الشيخ، والشيخ محمدعلي النجارالذي يعد معلم الإمام في القاهرة من عام ١٩٢٠، وهذه المرحلة أطلق عليها العلامة محمد الفاضل بن عاشور "مرحلة المجد الثقافي والشهرة العلمية"، ارتقى فيها الإمام إلى أعلى مراتب العلمية، بدأها في عمله في التصحيح بدار الكتب المصرية، تحت رعاية شاعر النيل حافظ إبراهيم، ثم ساهم في تأسيس مجلة نور الإسلام ثم الهداية الإسلامية ثم لواء الإسلام، وبالرغم من صداقة الشيخ الخضر لطه حسين لكنه تحداه وكتب ردوده المتعددةضد طه حسين، وعلي عبد الرازق، وقد أكسبته الشهرة الواسعة.ومع ذلك دخل المجمع اللغوي تحت رئاسة طه حسين ليكون نشاطه اللغوي في (مجمع اللغة العربية).ثم كانت رحلة تدريسه في كليات (الجامع الأزهر).
يتذكر الإمام في كتابة الحرية في الإسلام فقدصدر الأمر الملكي برقم ٢٢ بتاريخ ٢٩ أبريل ١٩٥١ م بتعيينه عضواً في جماعة كبار العلماء، وهذه العضوية هي السبيل إلى اختياره شيخاً للأزهر.
يذكر الإمام محمد الخضر حسين في (موسوعتة الكاملة) ما أخبرته أمه السيدة حليمة السعدية بنت الشيخ مصطفى بن عزوز: أنه في صغره كانت ترفع وليدَها بين يديها، وتربِّتُ عليه، وتداعبه وهي تنشد:إنْ شاءَ الله يا أَخْضَرْ.. .تِكْبَرْ وتْرُوحْ الأَزْهَرْ
واستجاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- دعاء الأم التقية الصالحة، وإذا بوليدها ينتقل من تونس إلى دمشق، ويجوب البلدان والأمصار إلى إسطنبول وبرلين، وإلى القاهرة، ليصبح إماماً وشيخاً للأزهر.
وهذا دليل على صلاحه وتقواه، فأثابه الله في الدنيا، وعنده ثواب الآخرة، ارتقى مشيخة الأزهر في ٢٢ سبتمبر سنة ١٩٥٢ م، وفي مشيخة الأزهر كان يقول: "إن كانت جنّة، فقد دخلتُها، وإن كانت ناراً، فقد خرجتُ منها، و بعد اختياره شيخاً للأزهر، زاره اللواء محمد نجيب للتهنئة، فقال: "إن الأزهر أمانة في عنقي، أُسَلِّمها حين أُسَلِّمها، موفورةً كاملة، وإذا لم يتأتَّ أن يحصل للأزهر مزيد من الازدهار على يدي، فلا أقلَّ من أن لا يحصل له نقص، وقوله: "يكفيني كوب لبن، وكسرة خبز، وعلى الدنيا بعدها العَفاء، وفي مصر صاحب الإمام الشاعر كواكب الشعر فكتب روائع بليغة جدا، فإذا تصفحنا ديوان الإمام محمد الخضر حسين "خواطر الحياة"، نجد أنفسنا أمام شاعر انصرف في شعره إلى: الإسلاميات، والوطنيات، والوجدانيات، والاجتماعيات، والوصف، ويمكن أن نطلق عليه: الإمام الشاعر، أو الشاعر الإمام، صحيح أن شعره هو أقرب إلى الشعر التقليدي من الشعر المعاصر اليوم، فهذا مرده إلى حكمته وزهده وورعه. ومما قاله عندما دخل به القطار في بساتين دمشق لأول:
لَجَّ القِطارُ بِنا والنّارُ تَسْحَبُهُ.. .ما بَيْنَ رائِقِ أَشْجارٍ وأَنْهارِ
ومِنْ عَجائبِ ما تَدْريه في سَفَرٍ.. .قَوْمٌ يُقادُونَ لِلْجَنّاتِ بالنَّارِ
وتحت عنوان: (أرى سفري) يقول:
أَرَى سَفَري شِعْراً ولكنْ بيوتَهُ.. .مُفَصَّلَةٌ في غَيْرِ بَحْرٍ وفي بَحْرِ
ومَقْطَعُ عُودِي مِنْ بَدائعِهِ أَلا.. .تَرى عَجُزاً قَدْ رَدَّ فيه على صَدْرِي
وللإمام قصائد أخرى يبث فيها الشوق إلى الأهل، ويشكو البعد عن الوطن.