الشيخ أحمد علي تركي يكتب: صِيَام يَوْمِ عَاشُورَاءَ
عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم ؛ وقد صح في فضله أن صيامه يكفر ذنوب السنة التي قبله .
ففي صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " .
وهو يوم عظيم من أيام الله ، أظهر الله فيه موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين على فرعون وجنوده ، فصامه موسى شكرًا لله تعالى ، ولما كنَّا نحن المؤمنين أولى بالأنبياء من أتباعهم ، أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نصومه .
ففي الصحيح من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما :
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ ؟
فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ .
فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف لصيام عاشوراء أربع حالات :
الحالة الأولى :
أنه كان يصومه بمكة ، ولا يأمر الناس بالصوم ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ لَا يَصُومُهُ .
الحالة الثانية :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له ، وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به ، صامه وأمر الناس بصيامه ، وأكد الأمر بصيامه والحث عليه ، حتى كانوا يصومونه أطفالهم .
ففي الصحيحين ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ .
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ " ؛ فَقَالُوا : هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ " ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
الحالة الثالثة :
أنه لما فرض صيام شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه ، وقد سبق حديث عائشة في ذلك .
وفي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
صَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ ذَلِكَ ؛ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَصُومُهُ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ .
وفي رواية لمسلم :
إِنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ .
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجدد أمر الناس بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان ، بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه .
الحالة الرابعة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردًا بل يضم إليه يومًا آخر ، مخالفة لأهل الكتاب في صيامه .
ففي صحيح مسلم عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ :
حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى !
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ .
قَالَ : فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّىَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
وفي رواية :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ .
يعني : مع العاشر .
قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد :
فمراتب صومه ثلاثة :
أكملها أن يصام قبله يوم وبعده يوم ، ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر ، وعليه أكثر الأحاديث ؛ ويلي ذلك إفراد العاشر بالصوم .
وزاد غيره مرتبة رابعة وهي :
إن لم يصم التاسع والعاشر ، صام العاشر والحادي عشر لمخالفة اليهود .
قال ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف :
وأما اتخاذه مأتمًا كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه ؛ فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا و هو يحسب أنه يحسن صنعًا ، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتمًا ، فكيف بمن دونهم .