فضّل العشرَ الأُوَلَ من ذي الحجة.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
إن من رحمة الله بعباده أن شرع لهم مواسم للطاعات، وحثهم على بذل مزيد من صنوف العبادة فيها، ليعوّض العبد مِن خلالها خسارته، ويجبر كسره، فشرع مواسم في أول العام الهجري وآخره، ليدخل العبد عامًا جديدًا مغفورًا له، ويخرج من العام مغفورًا له، ففي أول العام شرع صيام عاشوراء يغفر الله بصومه للعبد ذنوب سنة، ما اجتنب الكبائر، وخلال العام عظّم الشرع شهر رمضان، وجعل فيه من الغنائم والجوائز الشيء الكثير.
وفي آخر العام نوّه ربنا سبحانه بأيام عشر ذي الحجة، ورفع من شأنها، وحثّ فيها على طاعته، ووعد المطيعين فيها ثوابًا عظيمًا.
فقد فضّل الله تعالى العشرَ الأُوَلَ من ذي الحجة على سائر أيام العام فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر . قالوا ولا الجهاد في سبيل الله !! قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء
أخرجه البخاري.
وعنه أيضاً رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجراً من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى " قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء .
رواه الدارمي وإسناده حسن.
فهذه النصوص وغيرها تدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة .
قال ابن رجب -رحمه الله-: "وقد دل حديث ابن عباس على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيء منها .
وقال:
وكل عمل صالح يقع في هذه العشر فهو أفضل في عشرة أيام سواها من أيّ شهر كان .
إن أيام العشر هي أيام البر، خير أيام الدنيا، فهي عشر مباركات كثيرة الحسنات، قليلة السيئات، عالية الدرجات، متنوعة الطاعات فيها يتنافس المتنافسون، ويتسابق إليها المتسابقون، حتى عدت هذه الأيام من أفضل أيام الدنيا، لما تضمنته من فضائل، واحتوت عليه من ميزات ومسائل يجتمع فيها من الطاعات ما لا يجتمع في غيرها، ففي أثنائها يؤدي المسلمون عبادات عظيمة، كحج البيت الحرام، والوقوف بعرفة، وغيرها من مناسك الحج، ينفقون أموالهم ويُتعبون أجسادهم، يرجون مغفرة ذنوبهم، ورضا ربهم.
وفي هذه الأيام أيضًا يرابط غير الحجيج على أيام العشر يؤدون فرائض الله تعالى إذ الفرائض أحب إلى الله من النوافل، ويُتبعون الفرائض بالإكثار من النوافل، يدفعهم لذلك الشوق لرضا الله ومغفرته، وهم في هذه الأيام عندما يرون الحجيج في مناسكهم يغبطونهم على ما أنعم الله به عليهم، ويشتاقون لأداء الفريضة، ويتمنون الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، ويتحسرون على ما حال بينهم وبين البيت من عذر أو مرض أو عدم استطاعة مالية، أو تنظيمات فرضتها جهات إدارية.
وفي أيام العشر، يجدر بالعبد الانتباه من الغفلة، والانضمام إلى الصالحين، ويسابق إلى جنة عرضها السموات والأرض، وأبواب الخير كثيرة واسعة غير محصورة ولا معدودة، فكل عمل صالح يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الخالصة لله تعالى المهتدية بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسُنته، هي عمل صالح مقبول في هذه العشر.
في عشْرِ ذي الحجةِ أعمالٌ فاضلة، وطاعاتٌ متعددة، وهي غيرُ منحصرة، فما يُشرَع في سائرِ الأوقات يزدادُ تأكيدًا في تلْكُم الأيام، فإنَّ العملَ يَشرُفُ بشَرفَ الزمانِ والمكان، مع تقوى اللهِ والإحسان، ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
فمن الأعمال الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في عشر ذي الحجة
#الصيام
فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر ، والصيام من أفضل الأعمال . وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي : قال الله : كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به .
أخرجه البخاري
وقد ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم تسعَ ذي الحجة .
فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر .
أخرجه النسائي وأبو داود
#التكبير
فيسن التكبيرُ والتحميدُ والتهليلُ والتسبيحُ أيام العشر . والجهرُ بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكلِّ موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى.
عن ابنِ عمر رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ .
رواه أحمد
قال الإمامُ البخاري رحمه الله:
وكان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ يخرجانِ إلى السوقِ في أيَّامِ العشرِ، يُكبِّرانِ ويُكبِّرُ النَّاسُ بتكبِيرِهما .
رواه البخاري
وكان عمرُ رضي الله عنه يُكبِّرُ في قُبَّتِه بمِنًى، فيسمَعُه أهلُ المسجدِ فيُكبِّرُونَ، ويُكبِّرُ أهلُ الأسواقِ، حتى ترْتجَّ مِنًى تكبيرًا .
رواه البخاري
#الإكثار من الأعمال الصالحة عموما :
لأن العمل الصالح محبوب إلى الله تعالى وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله تعالى وإن صوم التسع، وخاصة يوم عرفة، والإكثار من ذكر الله، والتهليل والتسبيح والتكبير، وقراءة القرآن وتدبره، وقيام الليل، والدعاء، والتوبة على ما فات، والتزام الصدق والأمانة، والإخلاص في الأقوال والأعمال، وحب المسلمين وتوليهم، وكثرة العطاء، والتماس الأعذار للناس وحسن الظن بهم، وصلة ذي الرحم الكاشح، ومواساة الفقير والمسكين، وحسن الجوار، وإطعام الطعام، وذبح الأضحية، وأداء صلاة العيد مع المسلمين، والتزاور مع الأهل والأصدقاء، وتناسي الأحقاد، وحب الخير للناس، ومعاونتهم بما يستطيع، ... لهي من صنوف العمل الصالح الذي ينافس فيه المسلمون في هذه الأيام الفاضلة وغيرها.
إن هذه الأيام الفاضلة تستوجب الجدِّ والاجتهاد، فلنحرص على استغلالها وعمارتها بالأعمال الصالحة .
#ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي واستسمانها واستحسانها وبذل المال في سبيل الله تعالى .
ان من الحرمان والخسران أن تمر هذه العشر مرور الكرام، وتخرج بسلام فلا عمل ولا اهتمام.
بادروا إلى استغلال الفرص، وتحين الأوقات الفاضلة، إن ما يقوم به المسلم من أعمال البر والإحسان والصدقة، والمعروف ونوافل العبادة، وخاصة في أيام العشر أثمن عند الله من الذهب الخالص .
وقد دعانا الله إلى المسابقة في أمور الآخرة، وتحصيل الثواب في العاجلة فقال :
﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
سورة آل عمران