إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مِنْ أهمِّ الصفات التي تَعَرَّفَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهَا إلى عبادِهِ صفةُ الرَّحْمَة قالَ تعالَى :
{ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
سورة الحجر
والرحمةُ كتبَهَا اللهُ عزّ وجلّ على نَفْسِهِ واخْتَصَّ بِهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ ، هِيَ منجاةُ الخائفينَ، ورَجَاءُ المؤمنينَ، بَشَّرَ اللهُ بها المتقينَ، وطَمْأَنَ بِهَا التَّائبينَ، وتَوَدَّدَ بِهَا إلى العُصَاةِ والمذنبينَ، وجَعَلَهَا شِعَارًا للخلائقِ أجمعينَ .
قال ﷺ:
لمّا قَضى اللهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إنّ رَحْمَتي سَبَقَتْ غَضَبِي .
أخرجه البخاري ومسلم
ومظاهرِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ لا يُحْصِيهَا لِسَانُ فصيحٍ ولا يَعُدُّهَا قَلَمُ أديبٍ ولا تغيبُ عن نَظَرِِ كلِّ أريبٍ لبيبٍ .
قال تعالى :
{فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}
سورة الروم
أى يُبْصِرُها العبدُ في نفسِهِ
قالَ تعالَى:
{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}
الذاريات
وفي الكونِ مِنْ حَوْلِهِ:
قال سبحانه:
{وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
سورة القصص
ومِنْ مظاهِرِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلّ أنْ فتحَ بابًا للتوبةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشمسُ مِنْ مَغْرِبِهَا .
قالَ تعالَى :
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
سورة الزمر
ورحمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ ليستْ قَاصِرَةً على الدُّنْيَا فقط، بل يَنْشُرُهَا اللهُ عزّ وجلّ لعبادِهِ يومَ القيامةِ .
قال ﷺ :
يَدْنُو أحَدُكُمْ مِن رَبِّهِ حتّى يَضَعَ كَنَفَهُ عليه فيَقولُ: أعَمِلْتَ كَذا وكَذا؟ فيَقولُ: نَعَمْ، ويقولُ: عَمِلْتَ كَذا وكَذا؟ فيَقولُ: نَعَمْ فيُقَرِّرُهُ، ثُمَّ يقولُ: إنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ في الدُّنْيا، وأَنا أغْفِرُها لكَ اليومَ .
أخرجه البخاري
فما أَعْظَمَ رحمة اللهِ عزَّ وجلَّ
إنَّ رحمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ سببُ كلِّ النِّعم فمَا التوفيقُ والهدايةُ والنَّجَاحُ إلا أثرٌ من آثارِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بعبادِهِ.
قالَ تعالَى:
{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا}
سورة النور
وقال ﷺ :
سدِّدُوا وقارِبوا وأبشِروا واعلَموا أنه لن يُدخِلَ أحدَكم الجنةَ عملُهُ، وَلا أَنَا، إلّا أنْ يتغمَّدَني اللهُ بمغفِرَةٍ ورحمةٍ .
أخرجه البخاري ومسلم
فبرحمةِ اللهِ نَجَا الناجُّون واهتدَى المهتدونَ،
وبرحمتِهِ سبحانه يفرحُ المؤمنونَ :
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}
سورة يونس
حريٌّ بالعبدِ أنْ يَعرِفَ الأسبابَ التي يَنَالُ بِهَا رحمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ ومنهَا ما يأتي :
أولًا :
تقوى اللهِ عزَّ وجلَّ وطاعتُهُ :
قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ..}
سورة الحديد
ثانيًا :
كثرةُ الاستغفارِ :
قال تعالى :
{لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
سورة النمل
ثالثًا :
مراقبةُ الله عزَّ وجلَّ وخشيتُهُ في الغيبِ والشهادةِ :
قال تعالى :
{إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}
سورة الأعراف
رابعًا :
ومن أهمِّ مَا تُسْتَمْطَرُ بِهِ الرَّحَمَاتُ كفالةُ اليتيمِ وسدُّ حاجةِ الأرملةِ والمسكينِ وإِعَانَةُ الضَّعِيفِ :
قالَ ﷺ :
مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ .
أخرجه البخاري
أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يَرْحَمنَا رحمةً يُغْنِينَا بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاهُ
{رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}
سورة المؤمنون