الشيخ أحمد علي تركي يكتب: عَلاَمَاتِ التَّوْفِيقِ وَالْمُبَشِّرَاتِ الْعَاجِلَةِ لِلْعَبْدِ
مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ وَأَجَلِّ الْمِنَحِ أَنْ يُوَفَّقَ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ لأُمُورٍ ثَلاَثَةٍ :
الأَوَّلُ :
إِحْسَانُ الْعَمَلِ وَإِتْقَانُهُ
الثَّاِني :
الْخَوْفُ عَلَى رَدِّ الْعَمَلِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ .
الثَّالِثُ : ثَنَاءُ النَّاسِ عَلَى الْعَبْدِ خَيْرًا .
فَالْحِرْصُ عَلَى إِحْسَانِ الْعَمَلِ وَإِتْقَانِهِ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ دَأْبُ الصَّالِحِينَ وَسِمَةُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وُفِّقُوا إِلَى إِخْلاَصِ الْعَمَلِ للهِ فِي كُلِّ طَاعَةٍ وَقُرْبَةٍ للهِ وَصَدَقُوا فِي مُتَابَعَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ اللهَ أَمَرَ بِإِحْسَانِ الْعَمَلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَأَثْنَى عَلَى أَهْلِهِ وَأَحَبَّهُمْ فَقَالَ :
﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾
سورة البقرة
وَقَالَ :
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾
سورة الملك
قَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالىَ:
﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
قَالَ : هُوَ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ .
قَالُوا : يَا أَبَا عَليٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ ؟
فَقَالَ : إِنَّ العَمَلَ إِذاَ كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا .
الخَالِصُ أَنْ يَكُونَ للهِ ، وَالصَّوابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى :
﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾
سورة الكهف
مدارج السّالكين لابن القيّم
وَقَدْ جَمَعَ هَؤُلاَءِ بَيْنَ إِحْسَانِ الْعَمَلِ وَإِتْقَانِهِ، وَبَيْنَ الْخَوْفِ مِنْ رَدِّهِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ، وَهَذَا هُوَ عَمَلُ الأَتْقِيَاءِ الأَنْقِيَاءِ؛ لأَنَّ الْعَمَلَ لاَ قِيمَةَ لَهُ إِذَا لَمْ يُقْبَلْ ؛ وَهَذَ هُوَ التَّوْفِيِقُ بِعَيْنِهِ .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَديثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ :
سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ :
﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾
سورة المؤمنون
قَالَتْ عَائِشَةُ : أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟
قَالَ : لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ .
وَلَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ اجْتِهَادِهِمْ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يَخْشَوْنَ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُهُمْ وَأَلاَّ تُقْبَلَ مِنْهُمْ لِرُسُوخِ عِلْمِهِمْ وَعَمِيقِ إيمَانِهِمْ .
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ رَحِمَهُ اللهُ :
أَدْرَكْتُ ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ .
رواه البخاري
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
لَأَنْ أَسْتَيْقِنَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَقَبَّلَ مِنِّي صَلَاةً وَاحِدَةً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾
سورة المائدة
رواه ابن أبي حاتم وحسنه
وَقَالَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى :
لَحَرْفٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ أُعْطَاهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا .
فَقِيلَ لَهُ : وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا عَمْرٍو ؟
قَالَ : أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ فَإِنَّهُ قَالَ:
﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾
سورة المائدة
وَاعْلَمُوا أَنَّ ثَنَاءَ النَّاسِ عَلَى الْعَبْدِ بِخَيْرٍ مِنْ عَلاَمَاتِ التَّوْفِيقِ وَالْمُبَشِّرَاتِ الْعَاجِلَةِ لِلْعَبْدِ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى رِضَا اللهِ تَعَالَى عَنْهُ ، وَمَحَبَّتِهِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا حَمِدَهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ وَطَلَبِ ذَلِكَ مِنْهُمْ .
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟
قَالَ : تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
وَجَبَتْ .
ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ :
وَجَبَتْ .
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا وَجَبَتْ ؟
قَالَ : هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ .
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَحْسِنُوا العَمَلَ قَبْلَ حُلُولِ الأَجَلِ ، وَسَلُوا رَبَّكُمْ قَبُولَ أَعْمَالِكُمْ .