الشيخ أحمد علي تركي يكتب: أحسنوا الوداع
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فى كتابه من منهاج السنة :
وَالِاعْتِبَارُ فِي الْفَضَائِلِ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ .
وقال ابن الجوزي رحمه الله فى كتابه التبصرة :
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الاجْتِهَادُ فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ أَكْثَرَ من أوله لشيئين :
أحدهما :
لشرف هذا الْعَشْرِ وَطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ .
وَالثَّانِي :
لِوَدَاعِ شَهْرٍ لا يَدْرِي هَلْ يَلْقَى مِثْلَهُ أَمْ لا .
بعد أيام قليلة ينقضي هذا الشهر المبارك، سوق قام وانفض، ربح فيه من ربح، وغُبن فيه من غُبن .
ولكن هناك رسالة للعاملين والمجتهدين، وكذا للمقصرين، والمفرطين:
عَن سهل بن سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ .
متفق عليه
أيها الطائع أيها العابد الزاهد أيها المُجد المجتهد لا تغتر بعملك، واخضع وانكسر لربك، وسله الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، فالأعمال بالخواتيم .
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:
يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ .
فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا ؟
قَالَ: نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ :
سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ .
قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟
قَالَ: وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ .
متفق عليه
أيها الطائع أيها العابد الزاهد أيها المُجد المجتهد إياك والعجب والغرور، وهل أهلك إبليس إلا هذا؟!
أيها المقصر أيها المفرط إياك والقنوط واليأس، وعليك بالعمل فأحسن في ما بقي، فإن هذا زمان فاضل ليس للهو واللعب والتفريط .
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ .
قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ .
رواه البخاري
عَن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ
علينا ان ننقذا أنفسنا قبل فوات الأوان، فإن الأزمان تمضي، والأعمار تنقضي.
روى ابن أبي الدنيا في كتاب الزهد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا أَطْوَلَ النَّبِيِّينَ عُمْرًا كَيْفَ وَجَدْتَ الدُّنْيَا وَلَذَّتَهَا؟ قَالَ: كَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتًا لَهُ بَابَانِ، فَقَامَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ هُنَيَّةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ .
ونحن مهما بلغت سنون وأعوام حياتنا فإنها قصيرة .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِتِّينَ إِلَى السَبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه
فلا حيلة إلا بإحسان العمل، والتوبة والاستغفار من التقصير والذلل، لا سيما وقد خفي علينا الأجل، والعبرة بالخواتيم وحسن العمل .
وخير الناس هم أهل اغتنام الأعمار في طاعة ربهم سبحانه .
عَن أبي بكرةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خيرٌ؟
قَالَ: مَن طالَ عمُرُه وحسُنَ عَمَلُهُ .
قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ ؟
قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ
فهنيئًا لمن طالت أعمارهم في طاعة ربهم ، فهم الأخيار بنص قول النبي عليه الصلاة والسلام؛ والعكس بالعكس لمن طالت أعمارهم وساءت أعمالهم .
فعلى من أطال الله بقاءه، وبسط له في عمره أن يحسن العمل، ولا ينتهج الخمول والكسل، فإنه لا يدري بمَ يختم له، والأعمال بالخواتيم كما أخبر سيد المرسلين.
وعلى من فرط أن يبادر بالعودة، ويقدم بين يدي رجوعه التوبة، وأن يصلح من طاعته وعمله، ويحسن فيما بقي من أجله.
روى أبو نعيم في حليه الأولياء عن فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أنه قال لِرَجُلٍ: كَمْ أَتَتْ عَلَيْكَ؟
قَالَ: سِتُّونَ سَنَةً.
قَالَ: فَأَنْتَ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً تَسِيرُ إِلَى رَبِّكَ تُوشِكُ أَنْ تَبْلُغَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَلِيٍّ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ! قَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ: تَعْلَمُ مَا تَقُولُ ؟
قَالَ الرَّجُلُ: قُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
قَالَ الْفُضَيْلُ تَعْلَمُ مَا تَفْسِيرُهُ؟
قَالَ الرَّجُلُ: فَسِّرْهُ لَنَا يَا أَبَا عَلِيٍّ .
قَالَ: قَوْلُكَ إِنَّا لِلَّهُ، تَقُولُ: أَنَا لِلَّهِ عَبْدٌ، وَأَنَا إِلَى اللهِ رَاجِعٌ, فَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ رَاجِعٌ, فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَمَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَلْيَعْلَمْ بِأَنَّهُ مَسْئُولٌ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَسْئُولٌ فَلْيُعِدَّ للسُّؤَالَ جَوَابًا .
فَقَالَ الرَّجُلُ: فَمَا الْحِيلَةُ ؟
قَالَ: يَسِيرَةٌ
قَالَ: مَا هِيَ ؟
قَالَ: تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ .