الشيخ أحمد علي تركي يكتب: السَّعِيدُ الطَّيِّبُ والشَّقِيُّ الخَبِيثُ
قال تعالى في كتابه الكريم:
قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
سورة المائدة 100
قال الإمام ابن القيم رحمه الله فى كتابه زاد المعاد :
• والمَقْصُودُ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى جَعَلَ لِلسَّعادَةِ والشَّقاوَةِ عُنْوانًا يُعْرَفانِ بِهِ .
• فالسَّعِيدُ الطَّيِّبُ لا يَلِيقُ بِهِ إلّا طَيِّبٌ ، ولا يَأْتِي إلّا طَيِّبًا ولا يَصْدُرُ مِنهُ إلّا طَيِّبٌ ولا يُلابِسُ إلّا طَيِّبًا .
• والشَّقِيُّ الخَبِيثُ لا يَلِيقُ بِهِ إلّا الخَبِيثُ ، ولا يَأْتِي إلّا خَبِيثًا ، ولا يَصْدُرُ مِنهُ إلّا الخَبِيثُ .
• فالخَبِيثُ يَتَفَجَّرُ مِن قَلْبِهِ الخُبْثُ عَلى لِسانِهِ وجَوارِحِهِ ، والطَّيِّبُ يَتَفَجَّرُ مِن قَلْبِهِ الطِّيبُ عَلى لِسانِهِ وجَوارِحِهِ .
• وقَدْ يَكُونُ فِي الشَّخْصِ مادَّتانِ فَأيُّهُما غَلَبَ عَلَيْهِ كانَ مِن أهْلِها ، فَإنْ أرادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا طَهَّرَهُ مِنَ المادَّةِ الخَبِيثَةِ قَبْلَ المُوافاةِ ، فَيُوافِيهِ يَوْمَ القِيامَةِ مُطَهَّرًا فَلا يَحْتاجُ إلى تَطْهِيرِهِ بِالنّارِ فَيُطَهِّرُهُ مِنها بِما يُوَفِّقُهُ لَهُ مِنَ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ والحَسَناتِ الماحِيَةِ ، والمَصائِبِ المُكَفِّرَةِ ، حَتّى يَلْقى اللَّهَ وما عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ، ويُمْسِكُ عَنِ الآخَرِ مَوادَّ التَّطْهِيرِ ، فَيَلْقاهُ يَوْمَ القِيامَةِ بِمادَّةٍ خَبِيثَةٍ ومادَّةٍ طَيِّبَةٍ .
• وحِكْمَتُهُ تَعالى تَأْبى أنْ يُجاوِرَهُ أحَدٌ فِي دارِهِ بِخَبائِثِهِ فَيُدْخِلَهُ النّارَ طُهْرَةً لَهُ وتَصْفِيَةً وسَبْكًا ، فَإذا خَلُصَتْ سَبِيكَةُ إيمانِهِ مِنَ الخَبَثِ صَلُحَ حِينَئِذٍ لِجِوارِهِ ومُساكَنَةِ الطَّيِّبِينَ مِن عِبادِهِ .
• وإقامَةُ هَذا النَّوْعِ مِنَ النّاسِ فِي النّارِ عَلى حَسَبِ سُرْعَةِ زَوالِ تِلْكَ الخَبائِثِ مِنهُمْ وبُطْئِها فَأسْرَعُهُمْ زَوالًا وتَطْهِيرًا أسْرَعُهُمْ خُرُوجًا وأبْطَؤُهُمْ أبْطَؤُهُمْ خُرُوجًا
﴿جَزاءً وِفاقًا﴾
سورة النبأ
﴿وما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾
سورة فصلت
• ولَمّا كانَ المُشْرِكُ خَبِيثَ العُنْصُرِ خَبِيثَ الذّاتِ لَمْ تُطَهِّرِ النّارُ خُبْثَهُ ، بَلْ لَوْ خَرَجَ مِنها لَعادَ خَبِيثًا كَما كانَ ، كالكَلْبِ إذا دَخَلَ البَحْرَ ثُمَّ خَرَجَ مِنهُ فَلِذَلِكَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعالى عَلى المُشْرِكِ الجَنَّةَ .
ولَمّا كانَ المُؤْمِنُ الطَّيِّبُ المُطَيِّبُ مُبَرَّءًا مِنَ الخَبائِثِ كانَتِ النّارُ حَرامًا عَلَيْهِ ، إذْ لَيْسَ فِيهِ ما يَقْتَضِي تَطْهِيرَهُ بِها فَسُبْحانَ مَن بَهَرَتْ حِكْمَتُهُ العُقُولَ والألْبابَ ، وشَهِدَتْ فِطَرُ عِبادِهِ وعُقُولُهُمْ بِأنَّهُ أحْكَمُ الحاكِمِينَ ورَبُّ العالَمِينَ لا إلَهَ إلّا هُوَ .