مسافة عن أبواب الله ! بقلم : الهام العيسى
في الشهر الفضيل يتقرب الناس اكثر الى الله ويلبسوا رداء التقوى جميعا وان لم يكونوا بعضهم من المصلين ولا المتقين .. لكن تبقى أيام شهر رمضان لها خصوصية وطعم في العالم الإسلامي والعربي وبقية شعوب الشرق الأوسط حتى غير الإسلامية منه . ففي هذا الشهر المباركة أيامه وساعاته ولياليه تنزل بركات الله الروحانية ويسعد المسلمون كانهم في واجهة الله جل وعلا لذا يكون اغلبهم ملتزمون بما وجب عليهم وفقا لسنن الكتاب الكريم .
يترافق هذا الشهر مع عدد من العادات والتقاليد والشعائر المستنبطة من التاريخ العربي والإسلامي حتى أصبحت بعضها مرافقة لايام الشهر وتنتهي بانتهائه فيما تفتح باب الرزق والمساعدات من الميسورون خلال بأيامه المباركة ويذكر الأقارب والأصدقاء وتنتهي الخلافات كما يتوقف مد الكراهية وتشاع فلسفة التسامح المشبعة بروح الإسلام ووصايا الدين الكريم ورسولنا الكريم .
في كل مدن العرب وبقية بلا د المسلمين تكون لكل مدينة وشعب خصوصية التعاطي مع أيام الشهر ولياليه من نواح متعددة على الصعيد التراثي والعبادي والتغذية والادعية والصلوات ... الا ان هناك بعض الأشياء المشتركة بين اول مدينة واخرمدينة إسلامية .. حيث نشاهد التمسك والالتزام بالصيام ... حتى من لا يستطع اليه سبيلا لاي سبب كان اذ يستحي اعلان واشهر افطاره .. مما يضطره مدارات مشاعر الاخرين .
كما ان بعض الاكلات تكون متقاربة متشابهة للمسلمين كافة على موائد السحور وكذا الإفطار .. سيما مادة العدس ( الحساء او الشوربة كما تسمى في تسميات ومناطق عدة ) ... العدس مادة نباتية بسيطة في شكلها وحجمها ، كبيرة في محتواها وقيمتها الغذائية وهي مما ذكره الله جل وعلى في القران الكريم مثنيا عليها مع عدد اخر من البقوليات التي عدة مباركة ولا يمكن الاستغناء عنها في الحياة كمادة اساسية لما حباها الله به من فائدة غذائية كبرى ترفد صحة الانسان بانواع الطاقات التي تصل حد المساهمة الفاعلة في الكثير من حالات الاستطباب والاستشفاء .
ولشعوب العالم الإسلامي والعرب خاصة طلبات كثيرة لمادة العدس الذي يدخل في معظم الاكلات شبه اليومية التي اعتادوا على تناولها في وجباتهم لاسيما في الصباح عند الافطار وكذا قبل الاكل كمادة مهيئة للمعدة بما يسمى ( السوب ) ، وللعدس في شهر رمضان المبارك تحديدا قصص لا تنتهي مع موائد العرب خصوصا الفقراء منهم الذي يكون لبعضهم مادة أساسية ، اذ لا توجد مائدة افطار الا ومعها من مشتقات العدس وفي كل البيوت الفقيرة منها والغنية ، صواني شعبية كانت او في ارقى المطاعم ... حتى اصبح العدس جزء لا يتجزء من الطقوس المرافقة لايام الشهر المبارك حالها كحال بعض الطقوس الفلكلورية والتراثية على امتداد الوطن الكبير من قبيل : (طبل المسحراتي و المحيبس والبقلاوة وشربت التمر هند والنومي بصرة والمربعات والامسيات والموشحات وبعض الألعاب الجماعية والتزاور بين المدن والناس والحلويات والمطيبات ) ... وكذا كل الادعية والعبادات التي يجود بها ابناء شعبنا تزامنا مع ايام الله المباركة في شهر الطاعة والبركة والمغفرة والرحمة والرضوان .
ونتيجة طبيعية لذلك فان المواطنين يلجأون لشراء العدس مع بقية المواد التي يمكن تسميتها بالرمضانية قبل حلول الشهر وعادة ما تشهد الاسوق ارتفاع اسعار تلك المواد بما يتوافق مع العرض والطلب مما يخلق حالة من الغلاء تصعب على الفقراء واصحاب الدخل المحدود تجاوزها او التعامل معها من دون التحسس بالمضايقة والشعور بغبن اجتماعي وحكومي . لذا فان الحكومات العربية والإسلامية برغم الظروف التي تعيشها بعضها الا انها تحرص كل الحرص على تلافي ذلك او التقليل من اثاره السلبية المباشرة على المواطن وفق اليات وطرق متعددة منها التوزيع المدعوم او المجاني او عبر بطاقة التموين التي تعد احدى اهم تلك الوسائل التي عرفها العرب سيما الدول المنكوبة والمحاصرة والمضغوطة بالحروب والاجندات الغربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن واخريات .
صحيح ان المواطنين يؤاخذون وزارة التجارة على جملة من امانيهم وطموحاتهم التي لم تتحقق في حدودها الدنيا ، الا ان افتقاد مادة العدس عن الحصة التموينية يساهم بشكل كبير في ارتفاع اسعاره بالسوق وبمشهد تكرر في كل عام وكان هنالك اياد واصابع خفية تحركه وتستفيد من اثاره والنتائج المترتبة على افتقاده بجوانب متعددة لاتقف عند حدود المردود المادي فحسب بل يعتقد انها تتناغم وتتماشى مع اجندات تحاول الاساءة الى المواطن المسلم خاصة وتزيد من شجونه وماسيه .
تعيش سوريا في هذا العام تحيدا مراحل صعبة جراء الحصار الظالم والإرهاب المشين عليها منذ سنوات طويلة وقد اسهم فيه اغلب العرب فضلا عن الزلزال الأخير الذي ضرب تركيا وسريا واصبهما بمقتل سيما سوريا الجريحة التي تناخى لها الشعب السوري يضمد جراحته ويصبر نفسه ويقضي معضم اوقاته بجهود جبارة من اجل تخفيف الضرر الذي الحقها الدمار بالناس ماديا وروحيا .
وها هو شهر الله قد طل علينا بما يستلزم من الحكومات والنخب والاغنياء والاحزاب ان تسهم وتقوم بمحلات مساعدات كبيرة تعم فقراء الشعب لتساعدهم على مصائبهم وقضاء احتياجاتهم سيما الرمضانية منها التي تعد من اهم الواجبات الإسلامية والعبادية والانتمائية والمعاملاتية المفترضة بين الناس جميعا والمسلمين خاصة في شهرهم الفضيل الذي عيد بمثابة هوية يجب على المسلم الالتزام بها والتاكد من سلوكياته عامة بما تتطابق مع الاحاسيس والمشاعر العامة فضلا عن رضا الذات والله جل وعلا الذي اوجد هذا انعكاس لكرمه وفضله وفيضه وجلاله على العالمين .. حيث تحس الناس الأمان والرحمة والكرم والكثير من الجمالات والكمالات التي تحي النفوس سيما في العالم الإسلامي كله بترانيم القران وايام شهر الصيام .