جريدة الديار
الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 07:10 مـ 2 جمادى آخر 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

ذكرى وفاة فاتن حمامة .. مسيرة حافلة لسيدة الشاشة العربية

فاتن حمامة
فاتن حمامة

لم تكن عظمة فاتن حمامة في أعمالها السينمائية وحسب، ولكن في قدرتها على تشكيل سيرتها الفنية بذكاء ووعي كبير بقيمتها كسيدة للشاشة العربية.

انتشر مقطع لحوار قديم مع فاتن حمامة دون مونتاج في فيديو على "يوتيوب"، في الحوار تلحظ جانبا من شخصية سييدة الشاشة العربية، تقطع الحديث إذا شعرت أنها لم تقل الجملة بشكل منمق ولبق كعادتها "استوب معلش، ابتديت أتأتأ شوية، ألاقي المعنى بس"، ثم توجه المذيعة لإدارة الحوار وإلقاء السؤال بطريقة معينة والبعد عن موضوعات لا ترغب في الحديث عنها، تفعل ذلك بكل لطف وعلى وجهها ابتسامة محببة.. يبدو الأمر عاديا لكنه يعكس ذكاء فاتن حمامة الشديد وحرصها على أن يكون حضورها محسوبا بدقة ولا يُترك للصدفة والتلقائية.

بداية فاتن حمامة
"10 جنيه ولعب كتير" مقابل ظهور فاتن حمامة الأول على شاشة السينما عام 1940 في فيلم "يوم سعيد"، حين وقفت وهي فتاة لم تتعد الـ 9 سنوات من عمرها أمام محمد عبد الوهاب تحمل صينية طعام وتقول له "ده الأكل النهاردة حلو قوي.. في مشمشية"، ليبدو أن الكاميرا يمكنها أن تحب مثل الأشخاص، وأن فاتن حمامة تحمل داخلها موهبة فطرية، وخلطة من الذكاء والبساطة والرقي.

تعود أصولها إلى مدينة السنبلاوين في محافظة الدقهلية، ولكنها ولدت في حي عابدين بالقاهرة في 27 مايو 1931، لأب يعمل موظفا في وزارة التعليم وأم ربة منزل مثقفة، أراد لابنتهما أن تحظى بحضور وشهرة دون أن يتخيلا أنها قد تصبح يوما ممثلة، لتبدأ قصة فاتن حمامة مع السينما من خلال تصدرها لمسابقة أجمل طفل في مصر، بصورة لها ترتدي زي ممرضة وتذرف دموعا على مريض متخيل.

عرف عنها المخرج محمد كريم بسبب هذه الصورة، وبعد أن استعان بها في فيلمه "يوم سعيد"، أصر على أن تشارك في فيلم "رصاصة في القلب" 1944، وفيلم "دنيا" 1946، حتى التحقت بالعهد العالي للتمثيل، واستمر مشوارها الفني حتى صار جزءا من تاريخ السينما المصرية.

نشأت فاتن حمامة في منزل صارم احترام الكبير واجب لا جدال فيه، والتعامل مع الجميع بتحضر ورقي ودون تجاوزه، كان لدى العائلة مبادئ وقيم تحدد سلوك كل فرد، الأمر الذي انعكس على حضور فاتن حمامة، فصارت تتقن الرد بدبلوماسية وتراعي مشاعر الآخرين، تلتزم بمواعيد التصوير وتتعامل مع الجميع باحترام وتقدير.

أدوار محدودة
استكملت فاتن حمامة مشاركاتها المميزة في أدوار محدودة بأفلام منها: أول الشهر 1945، ملاك الرحمة 1946، نور من السماء 1947، أبو زيد الهلالي 1947، المليونيرة الصغيرة 1948.

في حين بدأت تلمع وتحظى بأدوار أكبر مع حلول فترة الخمسينات في السينما المصرية، وقدمت مع مخرجين كبار منهم: يوسف شاهين، وصلاح أبو سيف، عز الدين ذو الفقار، وهنري بركات، وحسن الإمام، أفلاما كانت تميل فيها إلى أدوار الفتاة المسكينة، تبكي لإهدار حقها وتنتظر المساعدة، مع استثناءات محدودة، ومن بين أفلام هذه المرحلة:

بابا أمين- 1950
لك يوم يا ظالم- 1951
زمن العجائب- 1952
أموال اليتامى- 1952
الأستاذة فاطمة- 1952
صراع في الوادي- 1954
موعد غرام – 1956
سيدة القصر- 1958
بين الأطلال- 1959
دعاء الكروان- 1959
استطاعت فات حمامة أن تكسب تعاطف الجمهور وتصنع جماهيرية ونجومية واسعة بهذا النمط من الأدوار، الذي قالت عنه الراحلة سناء جميل في أحد اللقاءات "طالما أنتي عندك هذا الكم العريض من الجمهور ومن الناس، كان لازم تاخدي بيدهم، وتطلعي وتقولي إن البنت دي ميجبش أنها تكون كده.."، مستنكرة أن تلتزم فاتن حمامة بقصة الفتاة البريئة البكاءة بينما كان يمكنها أن تصنع بأعمالها جيلا أقوى من الفتيات.

كانت فاتن حمامة تتمتع بذكاء شديد ساعدها على اختيار أفلامها في المراحل التي تلت فترة الخمسينات، فنوعية الأدوار التي كسبت بها قلوب الجماهير- بعيدا عن امتعاض البعض منها- تمكنت أن تبني عليها أدوارا تميزت بالنضج، فكانت أكثر وعيا بالصورة التي تريد أن تقدمها، وقدمت أفلاما أكثر تمردا وجرأة.

ظهرت في أفلامها بروح مختلفة عن البراءة، فكانت أم تحاول تربية أطفالها في ظل غياب الأب، وفلاحة تعمل في التراحيل، وسيدة تريد حلا لتتخلص من زواج يكتم أنفاسها، وفي هذه الأفلام بدت أكثر تحررا من الالتزام بصورة محددة عن ما يجب أن تكون عليه المرأة المصرية، كأن فاتن حمامة أراد أن تخبر جمهورها بكل هدوء وسلاسة ودون صراخ أن المرأة إنسان لها حق التجربة والخطأ والتعبير عن نفسها بالصورة التي تفضلها. ومن بين أهم هذه الأفلام:

لا تطفئ الشمس 1961
قصته مأخوذة عن رواية لإحسان عبد القدوس بالاسم نفسه، عن عائلة من الطبقة المتوسطة تبدو حياتها متناغمة وهادئة، ولكن وراء ذلك خلفيات ومشاعر ومشكلات، وفي الفيلم رأينا كيف وقعت فاتن حمامة في حب رجل متزوج، وجمعتهما علاقة ما كان لها أن تبدأ.

الباب المفتوح 1963
المأخوذ عن قصة لطيفة الزيات، الذي ظهرت فيه فاتن حمامة كفتاة تحاول التعبير عن نفسها واختيار حياتها بالشكل الذي تريده، لكنها تواجه المجتمع في كل مرة، فتنصاع له حتى تكتشف أن "الحياة باب مفتوح على الأمل".

الحرام 1965
الذي تم تصنيفه ضمن أفضل 100 فيلم في السينما المصرية، مستلهم من قصة يوسف إدريس، ئوتخلت فيه فاتن حمامة عن كل ما هو نمطي ومكرر أو متوقع، جسدت الفلاحة التي تجبرها ظروف المعيشة الضنكة على العمل في التراحيل، ويعتدي عليها أحد شباب قريتها ذات ليلة، فتحمل وتُخفي حملها عن الجميع، وتلد طفلا تقتله خطأ عندما تحاول أن تُسكت صراخه حتى لا ينكشف أمرها.

إمبراطورية ميم 1972
صراع الأم التي تعمل لتربية أبنائها الستة وحدها بعد رحيل الأب، وتواجه مشكلاتهم وتغيراتهم في ظل تطور العصر، وفي نفس الوقت تجمعها علاقة حب وعرض زواج، يبدو أنها مضطرة للتخلي عنه من أجل أطفالها.

أريد حلا 1975
استطاع هذا الفيلم أن يحدث تغييرات في قوانا الأحوال الشخصية، خاصة المتعلق منها بإجراءات التقاضي لطلب الطلاق، فهو عن سيدة حاولت التخلص من زواج لم تعد تريده وترى استحالة الحياة بينها وزوجها، ولكنها تواجه ألاعيب الزوج واستغلاله لثغرات القانون، وتبقى 4 سنوات تريد الحل الذي لم يأتِ.

أفواه وأرانب 1977
كيف يمكن أن تعيش أسرة فقيرة من أطفال لا حصر لهم وزوج يوم يعمل وعشرة بلا عمل، بينما الخالة تشعر بمسئلية ملقاة على عاتقها، وهي لم تطلبها، فتعمل في الزراعة وجني الحصاد، حتى تتعرف على صاحب المزرعة، وكأنها على موعد مع تغيير حياتها كليا.

ليلة القبض على فاطمة 1984
وقفت فاتن حمامة على سطح منزله، وبلكنة بورسيعيدية حكت قصتها مع تربية أخيها وأختها وتضحياتها لهما، بينما يريد شقيقها أن يحتجزها بمستشفى الأمراض العقلية مستغلا منصبه في البرلمان.

يوم مر ويوم حلو 1988
جسدت فاتن حمامة قسوة الحياة على الفقراء بكل سلاسة ودون افتعال، فهي أم لخمسة أبناء تعيش في منزل متواضع، وبعد أن توفي زوجها لا تملك إلا مهنة الخياطة، ولكنها أيضا أم ذكية قدر عنائها قادرة على أن تعيش الحياة قدر ما تمنحه إياها، دون مزيد من التوقعات والأمل.

أرض الأحلام عام 1993
هو آخر أعمالها السينمائية، الذي اشترك في بطولته يحيى الفخراني، بينما تم اختيار 9 من أفلام فاتن حمامة ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ونالت عن أعمالها لقب أحسن ممثلة، والدكتوراة الفخرية من الجامعة الأمريكية، ووسام الأرز من لبنان، ووسام المرأة العربية، وميدالية الشرف من الرئيسين جمال عبد الناصر والسادات.

ذكاء قاسي
في كل مرحلة فنية، كانت فاتن حمامة قادرة على اختيار العمل المناسب، فعرفت متى تواجه وتعلن رفضها، وبأي طريقة تعبر عن رأيها دون أن تنحاز لأي جهة، فظلت دوما محبوبة ومقدرة من الجميع، ولكن عندما تختار من يقف أمامها في فيلم أو مسلسل، لم تكن تعرف سوى ما يحقق المصلحة والنتيجة الأفضل.

"في ممثلين كتير زعلوا مني، عشان كان بيتقالهم فاتن موافقتش" وتوضح فاتن حمامة أنها لم تكن توافق بسبب طبيعة الدور ومدى ملائمته للممثل، لا لخلافات أو حسابات شخصية "لو هو كويس للدور وبكرهه عمى يبقى هو"، وظهر أكثر من فنان يعلن عن عدم رضاه لسلوك فاتن حمامه معه، من بينهم سناء جميل، ومريم فخر الدين، وأحمد صيام، وأمل إبراهيم.

رحيل في الوقت المناسب
امتلكت فاتن حمامة ميزة القدرة على قراءة الواقع، واختيار أفضل ما يمكن أن يناسبها فيه، وحين اختنق المشهد السينمائي خاصة على الفنانات المصريات، ارتحلت فاتن حمامة إلى لندن في يوليو عام 1965 بحجة زيارة زوجها- وقتها- الفنان عمر الشريف، الذي كان يؤدي أدورا مميزة في أفلام عالمية.

في كتاب "سيدة الشاشة إن حكت- فاتن حمامة.. مذكرات وذكريات" للناقد الفني أشرف غريب، الذي يتناول أجزاء من المذكرات الخاصة والأحداث الشخصية لسيدة الشاشة العربية، تم التطرق إلى واقعة سفر سيدة الشاشة العربية "هربا" من محاولات جهاز المخابرات العامة المصرية ورئيسه حينها- صلاح نصر- لتجنيد الفنانات المصريات.

وبسبب رفضها لطلب المخابرات بالعمل لصالح الجهاز، تلقت فاتن حمامة نصيحة من أحد الأصدقاء أن تسافر لفترة خارج مصر، وبالفعل توجهت نحو لندن ومنها إلى باريس أحيانا وبيروت أيضا، حتى وجدت أن الأجواء صارت أكثر هدوءا، وبعد أن أقنعها عدد من الفنانين من بينهم أم كلثوم والكاتب عبد الحميد جودة السحار، عادت فاتن حمامة عام 1971 إلى مصر، لتستكمل دورها الريادي في الفن والحياة الثقافية المصرية.

وفاة فاتن حمامة
هناك فنانون وهناك علامات، وفاتن حمامة يمكن الاختلاف معها في كل شئ، لكن لا يمكن الاختلاف على كونها "علامة" وجزء من تاريخ الفن والثقافة في مصر، ولا يمكن أن لأحد أن ينكر قدرتها على إبراز صورة مثقفة وواعية وراقية للنساء العربيات، واستحقت عن جدارة لقب "سيدة الشاشة العربية".

توفيت فاتن حمامة في 17 يناير 2015، التي مثلت وأنتجت وعاشت حياة غنية بالأحداث، كشاهدة على أهم الأحداث السياسية في مصر، أو كأم وجدة وزوجة مخلصة، متحكمة بذكاء وحكمة في الانطباع والإرث الذي خلفته بعد رحيلها.