”الملك الفرعوني أبو سكسوكة”.. تفاصيل جديدة بأزمة ”تمثال أبوتيج”
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر جدلًا واسعًا، جراء تداول صور لتمثال فرعوني وُضع حديثًا داخل محافظة أسيوط جنوب القاهرة.
قوبلت صور التمثال، المتداولة على نطاق واسع بمواقع التواصل الاجتماعي، بسخرية وهجوم لاذع من جانب المستخدمين، منتقدين الشكل النهائي المشوه الذي ظهر عليه.
التمثال، الذي وُضع أمام مقر مجلس مركز ومدينة أبوتيج في محافظة أسيوط، استنفر الجهات المعنية في مصر فور تداول صوره، وبعد ساعات من تسليط الضوء عليه، بادرت جهات تنفيذية إلى إزالته.
للوقوف على الصورة عن قرب، كشف طارق سلام، مفتش آثار بمحافظة أسيوط، أن التمثال الأخير كان من المقرر أن يجسد أحد ملوك الحضارة المصرية القديمة، لكن النتيجة النهائية لم تحقق هذا الأمر: "للأسف العمل كان حقيقيًا".
نوه "سلام"، بحسب "العين الإخبارية"، بأن مجلس مدينة أبوتيج هو المسؤول عن تصميم ووضع هذا التمثال، مشددًا على أنه لم يكن هناك أي تنسيق بين المركز ووزارة السياحة والآثار قبل البدء في تنفيذه.
وفور تداول صور التمثال على نطاق واسع، أشار "سلام" إلى أن وزارة السياحة والآثار، ممثلة في مدير عام آثار محافظة أسيوط، تدخلت سريعًا لحل الأزمة، واتخذت اللازم لإزالة العمل على الفور، وهو قرار جرى تطبيقه لاحقًا.
ظهور التمثال الأخير على هذه الهيئة وتدارك الأمر بإزالته، أعاد من جديد الحديث عن أزمة المنحوتات المشوهة، التي يجري وضعها في الشوارع والميادين العامة بمختلف محافظات مصر.
وفي السنوات الأخيرة، كثرت نماذج للتماثيل التي افتقدت الدقة، حتى كانت النتائج النهائية لها غير طيبة، وهو ما كانت عليه منحوتات مارلين مونروا، ونفرتيتي، وأحمد عرابي، وغيرها الكثير.
في هذا الصدد، قال النحات المصري طارق الكومي، مدير متحف محمود مختار، إن العامل المشترك بين جميع التماثيل المشوهة في الميادين ومداخل المدن هو تصدي غير المتخصصين لأعمال النحت، لأن المقاول الذي ينفذ أعمال تطوير الشارع وتنسيقه شغله الشاغل هو الإنجاز ودائمًا ما يلجأ إلى أناس بلا خبرة ولا دراسة أكاديمية.
وأضاف الكومي، : "التمثال ليس مجسمًا كبيرًا، ولكن هناك أسسًا وقواعد للنحت يجب الالتزام بها، مثل علاقة العمل بالفراغ والعمارة المحيطة وحجمه وتناسق حجمه مع الفراغ من حوله"، مؤكدًا أن "الأهم بعد الالتزام بكل هذه الأسس هو ألا نجد الشارع أو الميدان الذي يحتضن التمثال مكتظًا باللوحات الإعلانية".
وأردف: "في كثير من الميادين المصرية نجد الإعلانات تشوش على التماثيل وتزاحمها وتحجب عنها الرؤية، وخير مثال على ذلك تمثال طه حسين في ميدان الجلاء بالجيزة، فإعلانات معامل التحاليل تشوش عليها تماما، وبالتالي أصبحت الإعلانات هي البطل وليس التمثال، والواقع المؤسف هو أن كل شبر في القاهرة به إعلان".
واستنكر النحات المصري كثرة إعلانات الطرق، قائلًا: "هذا في رأيي تخلف، وهذا لا يوجد في أي مكان آخر بالعالم، فما هي فكرة كل هذه الإعلانات؟ هل لكي أدخل للبلد 100 جنيه أخسر في مقابلها مليار جنيه! هذا يفسد الذوق العام ويقدم صورة قبيحة عن العمارة والشارع المصري للزائر، وأين الراحة البصرية من كل ذلك؟".
ومضى يقول: "الزائر يأتي إلى مصر فيُصدم بهذا الكم من الإعلانات بجانب التماثيل، بالإضافة إلى تنافر ألوان الأرصفة وعشوائية الإضاءة وكأننا أمام (عربية كشري)، وأنا أظن أن جهاز التنسيق الحضاري غير قادر على التعامل مع هذه المسألة بمفرده، لأنه لا يملك الإمكانات لذلك، كما يفتقر إلى العناصر البشرية الجريئة".
واختتم مدير متحف النحات الكبير مختار محمود: "للأسف هناك اعتقاد في مصر بأن الإعلانات تشكل دخلًا قوميًا للدولة، مع أن شركات الإعلانات في الحقيقة تدمر الواجهة البصرية للبلد، وكثرة هذه الإعلانات تنمي لدى النشء ثقافة الاستهلاك، كما تحرمهم من رؤية مياه النيل والخضار والسماء، وهذا حق لكل مواطن".
بدوره، لخص الناقد والفنان التشكيلي المصري عز الدين نجيب ظاهرة التماثيل المشوهة في ميادين مصر بعبارة "عشوائية الفن"، قائلًا: "الدولة رفعت يدها وتركت الناس تفعل كما يحلو لها، وهناك أناس لديهم الظن بأنهم موهوبون، ومع الأضواء والدعايات المجانية يعتقدون أنهم قادرون على تنفيذ عمل فني، لكنهم ليسوا كذلك، وأعمالهم في النهاية تكون عديمة القيمة".
ودعا "عز الدين"، المجالس المحلية إلى انتقاء الأعمال الجيدة وذات القيمة بدلا من هذه التماثيل، مضيفًا: "المشهد باختصار هو أن هناك فراغًا لا يجد من يملؤه، ووزارة الثقافة تخلت عن ملئه بأعمال النحت والفنون عمومًا، وهذا الوضع لم يكن كذلك في الستينيات والسبعينيات، وكانت هناك أعمال فنية تمثل قدوة لفنانين معروفين، معظمهم كانوا أساتذة فنون جميلة، وأعمالهم كانت تزين الميادين والفراغ العام".
وأردف: "وهناك بعض الأعمال الفنية الجيدة التي تتم بمبادرات فردية، مثل تمثال ممشى أهل مصر، ولكن هذا كان استثناء من قاعدة العشوائية المهيمنة على الفن في مصر، ودائمًا ما نلاحظ في بعض الميادين نافورات وأسماك وضفادع وأبوقردان وعناصر ساذجة للغاية. هذا هو حالنا اليوم، الفن أصبح مهنة من لا مهنة له، ونأمل أن يكون لدى وزيرة الثقافة الحالية إحساس بالمسؤولية، لأننا نادينا كثيرًا بإصلاح هذا الأمر".
واختتم: "فترة الستينيات كانت شاهدة على أعمال التجميل المعماري، وكانت تخصص نسبة من الموازنة لتجميل وتنسيق الفراغ العام خاصة في الأماكن والمنشآت التي تقدم خدمة جماهيرية، مثل محطات السكة الحديد والمستشفيات، وكان يتم الاستعانة بفنانين حقيقيين، وجرت محاولة لتحويل هذا النظام إلى قانون في مجلس الشعب لتكون له صفة الديمومة، ولكنه دخل البرلمان ولم يخرج للأسف".