ناشيونال انترست.. منافسة القوى العظمى قد تؤدي لتقسيم دول الخليج
تناولت مجلة ناشيونال إنترست في تقرير لها إمكانية أن تؤدي المنافسة بين القوى العظمى إلى تقسيم الخليج، مشددة على أن دول الخليج عليها تطوير إطار دبلوماسي، لمنع المنطقة من أن تصبح ساحة للصراع بين واشنطن وبكين.
وأشارت، المجلة الأمريكية في تحليل للكاتب موردخاي شازيزا، طالب الدكتوراة في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، الباحث في علاقات الصين بالخليج، إلى أنه خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية، أوائل ديسمبر الماضي، حضر الرئيس الصيني شي جين بينغ القمة الافتتاحية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، وهي القمة التي ركزت على تحسين العلاقات بين الصين ومجلس التعاون الخليجي وإقامة علاقات أمنية بين الطرفين.
ودعا شي الجانبين إلى أن يكونا شركاء طبيعيينللتعاون، واقترح خمسة مجالات رئيسة للتعاون: الطاقة، والتمويل والاستثمار، والابتكار والتقنيات الجديدة، والفضاء، واللغة والثقافات.
وبحسب المجلة فإن نظرة سريعة على المشاركة تُظهر أن النقطة المحورية لكل شراكة تكمن في الطاقة والتكنولوجيا والتجارة.
وتعمل العلاقات التجارية مع الصين على تنويع اقتصاداتها، بعيدًا عن النفط الذي يوفر معظم دخلها القومي، والأهم من ذلك، في سياق المنافسة العالمية، لم تقدم القمة أي التزامات ملموسة لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ولم يعلن أي جديد في مجال الأمن.
في ما يخص الشراكة الاستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، أفادت "ناشيونال إنترست" بأنه بالنسبة لمنطقة الخليج حيث ظلت الولايات المتحدة اللاعب الخارجي المهيمن لعقود- سعت الصين إلى علاقات سياسية وثيقة بالقوى الناشئة، لتأمين الوصول إلى موارد الطاقة الحيوية، وتوسيع نطاقها التجاري، وتعزيز نفوذها الاستراتيجي.
وأشارت إلى أنه في الوقت الذي تعتقد فيه الصين أن الهيمنة الأمريكية في الخليج آخذة في التراجع، فإن نهجها لتحقيق مكانة القوة العظمى ونفوذها كان حذرًا ومترددًا، لافتة إلى أن إثارة عدم الاستقرار لا يفيد الصين، التي لا تملك الإرادة ولا القدرة على ملء الدور الأمني الإقليمي الذي تشغله الولايات المتحدة.
وطورت الصين شراكات استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي الرئيسة، التي يمكن أن يعزز دعمها مكانتها كقوة عظمى، ويسمح لها بإبراز نفوذها في ساحات جديدة.
و يشير إلى أن الصين مصممة على تجنُّب المواجهة مع الولايات المتحدة، ولا تريد الانجرار إلى الصراعات المتعددة في المنطقة، إذ تُفضل بكين عدم التدخل، ما يسمح لها بالبقاء على الحياد في معظم النزاعات الإقليمية، والاستفادة من الفرص الاستراتيجية والاقتصادية.
ونتيجة لذلك، فإن مشاريع مبادرة الحزام والطريق في الخليج، وسيلة لتعزيز مكانة بكين كقوة عظمى في المنطقة، ومن ثمّ فإن سياسة عدم التدخل ضرورية لضمان نجاح إطار مبادرة الحزام والطريق، من خلال الحفاظ على الحياد وعدم إبعاد أي طرف.
و تنظر دول الخليج إلى الصين كشريك تجاري مثالي، لا يتدخل في الشؤون الداخلية، وكقوة عظمى لها تأثير سياسي كبير في الساحة الدولية.
وبحسب المجلة الأمريكية، تقيم الصين علاقاتها مع دول الخليج من خلال دبلوماسية الشراكة، بدلاً من سياسات التحالف، لافتة إلى أن بكين تتردد في إقامة تحالفات رسمية.
ووقَّعت الصين شراكات استراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي، فصّلت فيها استثمارات اقتصادية مهمة وتجارية، في إطار مبادرة الحزام والطريق، بما في ذلك شراكة استراتيجية شاملة مع الإمارات والسعودية، أكبر دولتين في الخليج وأكثرها ثراءً بالموارد، إضافة لشراكات اقتصادية مع الكويت وعُمان وقطر.
ومن المهم ملاحظة أن شراكة الصين الدبلوماسية مع دول الخليج ثنائية، وتعتمد على تعميق العلاقات الثنائية والشراكات مع حلفاء الولايات المتحدة الموجودين، لتوسيع تأثيرها ووصولها للطاقة من دون المواجهة مع واشنطن.
ومع ذلك، فإن التراجع النسبي للهيمنة والنفوذ الأمريكي في الخليج العربي، الذي يحدث جنبًا إلى جنب مع دور الصين المتنامي، يؤثر في ميزان القوى بالمنطقة.
فبالحفاظ على شراكاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، تسعى دول مجلس التعاون الخليجي مثل الإمارات والسعودية أيضًا إلى التحوط ضد التهديدات، والتحول السريع في ميزان القوى، من خلال علاقات مع قوى أخرى.
وتهدف سياسة التحوط هذه، إلى استخدام الصين كمصدر إضافي للدعم السياسي والاقتصادي وحتى العسكري، فضلاً عن استخدام العلاقات مع بكين للضغط على واشنطن لتعديل سياستها.
وترى "ناشيونال إنترست" أن المنافسة بين القوى العظمى الولايات المتحدة والصين وصلت إلى آفاق جديدة، وأصبحت أهم ديناميكية على المسرح العالمي، وشكلت النظام الدولي أثناء تطوره.
فما بين واشنطن القلقة وبكين الحازمة، وجدت دول الخليج نفسها أمام خيار بين حليفتها الاستراتيجية وحليفتها الاقتصادية، إلا أن الشراكة الصينية ودول مجلس التعاون الخليجي، لن تحددها ما تريد القوة العظمى من دول الخليج، بل ما تتوقعه هذه الدول من القوة العظمى.
ومع أن القمة ركزت على الوحدة بين دول الخليج، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست لديها فكرة متماسكة لطريقة التعامل مع الصين.
وتضيف المجلة صحيح أن دول الخليج تشترك في رؤية متشككة بمستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة، إلا أن رؤيتها للصين، وما يتعلق بتنافس القوى العظمى، مختلفة.
وحسب المجلة، يمكن تقسيم هذه الآراء المتباينة إلى ثلاث مجموعات
المجموعة الأولى "دول التحوط"، وتشمل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما يتحوط علانيةً ضد انسحاب واشنطن من الخليج، لذلك أدرجا شراكة استراتيجية شاملة في مشاركتهما مع الصين.
وتريد أبوظبي والرياض تنويع مصادر السلاح، وتمثل الصين مصدرًا بديلاً لواشنطن، التي ترفض بيعهما أنواعًا معينة من السلاح.
المجموعة الثانية وتشمل قطر وعمان، وقد أقامتا علاقات أوثق مع الصين، من خلال فتح البنية التحتية الوطنية والشبكات الرقمية للاستثمار الصيني، ومع ذلك، كانا أكثر حذرًا في ما يتعلق بالتنافس بين القوى العظمى والحفاظ على علاقاتهما العسكرية الوثيقة بواشنطن.
لكن لم تتردد عُمان في شراء السلاح الصيني، خلافًا لقطر، واشترت صواريخ بالستية من بكين، ووقَّعت إطارًا استراتيجيًا جديدًا مع واشنطن عام 2019، منح البحرية الأمريكية منفذًا على ميناء دوقم العماني.
أما المجموعة الثالثة فهي الدول الحذرة ومنها الكويت والبحرين، وقد فتحت الدولتان بلديهما على الاستثمار الصيني ومشاريع البناء، لكنهما امتنعتا عن تحويل العلاقات التجارية إلى علاقات استراتيجية وأمنية، ويريان في الحماية الأمريكية ضرورة لأمنهما.
وهناك 13.500 جندي أمريكي في الكويت، وتستقبل البحرين الأسطول الخامس الأمريكي، ولديهما كثير ليخسراه، من خلال تعميق العلاقة مع الصين أكثر من جيرانهما.
وفي حين كشفت منافسة القوى العظمى الاستراتيجيات التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليجي، في ما يتعلق بالصين، فإن مناهجها المختلفة تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين
ووسط منافسة القوى العظمى، والحرب في أوكرانيا، والصراع للهيمنة التكنولوجية والاقتصادية، اضطرت دول مجلس التعاون الخليجي إلى التنقل بحكمة بين الولايات المتحدة، حليفها الاستراتيجي العظيم، والصين، شريكها الاقتصادي المهم.
وشددت المجلة، على أن الاستراتيجيات التي تتبعها كل دولة في ما يتعلق بالتنافس بين الولايات المتحدة والصين، ستختبر نهاية المطاف أمن المنطقة واستقرارها، ما قد يؤدي إلى تقسيم دول مجلس التعاون الخليجي.