ناشيونال انترست: اتفاقيات أبراهام تعيد الدفء للعلاقات الأمريكية السعودية
ذكرت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أن انضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقات أبراهام، قد يكون فرصة كبرى لعودة دفء العلاقات بين الرياض وواشنطن.
تقول المجلة الأمريكية إنه في 15سبتمبر 2020، جمع الرئيس الأمريكي في ذلك الحين دونالد ترامب مجموعة غير عادية من سياسيي الشرق الأوسط، في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض: رئيس وزراء إسرائيل ووزير خارجية الإمارات العربية المتحدة ووزير خارجية البحرين.
ولم تكن الإمارات قد اعترفت رسميًا بإسرائيل، وكانت البحرين قد أرجأت فتح سفارة هناك.
وفي الماضي غير البعيد، قاطعت الدولتان إسرائيل، لكن الدول الثلاث اجتمعت لتجاوز هذا التاريخ الفاتر، من خلال توقيع "اتفاقيات أبراهام" بوساطة الولايات المتحدة، التي اتفقت فيها على إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية.
وفي الآونة الأخيرة، أبدت الإدارة الأمريكية رغبة في اتخاذ إجراءات لتحسين العلاقات مع السعودية، بعد تدهورها منذ وصول الرئيس جو بايدن، إلى البيت الأبيض، الذي بدأ حكمه بالتعهد بجعل الرياض منبوذة، على خلفية قضية قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي.
وقد أسهمت زيارة بايدن الأخيرة للمملكة، في تعزيز العلاقات بين الجانبين، لكن قرار أوبك بلس لخفض إنتاج النفط، أغضب واشنطن بشكل واضح، ودفع الإدارة والكونغرس إلى التفكير في "إعادة تقييم" العلاقة.
ورأت "ناشيونال إنترست" أن الخلاف بين الولايات المتحدة والسعودية، مفاجئ، خصوصًا أن الرياض حليفً مهم لواشنطن، إذ تعود العلاقات بينهما إلى نحو قرن من الزمان.
وأشارت إلى أنه رغم تقديم القليل من الحلول لعودة العلاقات إلى طبيعتها، فإن الفرصة مازالت سانحة للرياض، للعودة إلى الحضن الأمريكي من خلال الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم، التي ترعاها الولايات المتحدة، وهي سلسلة اتفاقيات من التطبيع بين إسرائيل والعديد من دول الخليج العربي.
وتوسطت الولايات المتحدة في المفاوضات بشأن الاتفاقات في ظل إدارة ترامب، بينما أعرب الرئيس جو بايدن عن اهتمامه بمواصلة التطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب.
وتشدد المجلة الأمريكية، على أنه بصرف النظر عمن هو الرئيس، فإن من المصلحة الأمريكية تعزيز التكامل الإقليمي لإسرائيل والقبول الأوسع في الشرق الأوسط مشيرة إلى أن التصريحات التي أدلى بها بايدن في إسرائيل، تؤكد اهتمامه بمواصلة هذا الجهد.
وقال بايدن خلال مؤتمر صحفي في القدس: سنواصل البناء على اتفاقيات أبراهام، التي أؤيدها بشدة لأنها تعمق اندماج إسرائيل في المنطقة الأوسع، وإقامة علاقات دائمة للأعمال والتعاون والسياحة.
وحسب المجلة، تواجه العلاقة الأمريكية السعودية التي يحدها النفط والأمن تحديات من خلال تغيير المصالح والأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط، التي لا تتوافق بالضرورة مع التوقعات السعودية.في المقابل، لم يقدم ابن سلمان ما يوحي بأنه راغب في استعادة هذه العلاقات قريبًا.
وحسب "ناشيونال إنترست"، رغم التوترات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، فإنه سيكون انتصارًا مهمًا للولايات المتحدة، إذا قرر ابن سلمان الانضمام إلى الاتفاقات.
وحددت المجلة أسبابًا تجعل هذه الخطوة متوقعة لابن سلمان، منها أن المنطقة تغيرت بشكل كبير في أعقاب الربيع العربي، إذ تغيرت ديناميكيات القوة، وسمح انسحاب أمريكا البطيء من الشرق الأوسط لروسيا وإيران والصين بملء الفراغات الاقتصادية والأمنية في جميع أنحاء المنطقة.
وحسب المجلة، حدت هذه الديناميكيات الجديدة من نفوذ واشنطن في المنطقة، حيث لعبت دورًا كبيرًا في تشكيله خلال الخمسين عامًا الماضية.
لكن انضمام المملكة العربية السعودية إلى اتفاقات إبراهيم سيكون فوزًا دبلوماسيًا للولايات المتحدة، ما يدل على أنه لا يزال بإمكانها تشكيل سياسات الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم.
ثانيًا: أدى ظهور قوس عالمي من الدول المعارضة لسياسيات الولايات المتحدة، إلى منح المملكة العربية السعودية قدرًا أكبر من المرونة للتصرف لصالحها.
ورغم أن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2022 تنص على أن الولايات المتحدة ستتخلى عن الترويج للديمقراطية، وستعمل بدلاً من ذلك مع الدول غير الديمقراطية، لاحتواء إيران والصين وروسيا، فإن الجغرافيا السياسية، والسياسة الواقعية قد يضطرانها للعودة عن هذه الاستراتيجية.
ورأت "ناشيونال إنترست" أن العامل المشترك الذي يوحد تل أبيب والرياض، الخوف من القوة الإيرانية المتنامية في الشرق الأوسط، والمخاطر التي تشكلها على الاستقرار الإقليمي.
وأشارت إلى أنه إذا وقَّعت المملكة العربية السعودية اتفاقيات أبراهام، سيتم تعزيز أمن إسرائيل، وسيتيح التطبيع فرصًا اقتصادية جديدة، ويمكن للولايات المتحدة الحفاظ على دور أكثر ماليًا في الشرق الأوسط، والابتعاد عن موقفها التقليدي، الذي يعتمد أكثر على القوات المسلحة.
الأهم من ذلك حسب المجلة نظرًا لأن احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، يمثل أولوية لإسرائيل والمملكة العربية السعودية، فقد تتيح الاتفاقات فرصة لمزيد من التعاون العسكري الحيوي والمستدام بين البلدين.
ورأت أن هذا المحور الجديد المناهض لإيران، يمكن أن يكون حصنًا ضد المزيد من النفوذ الإيراني وأنشطة التخصيب النووي في الشرق الأوسط، لافتة إلى أن هذا المحور من شأنه تشكيل إطار أمني أكثر قوة لدول الخليج لاحتواء النفوذ الإيراني، وإعادة تنظيم ميزان القوى الإقليمي، لشيء مشابه لما كان عليه الوضع قبل الربيع العربي، مع السماح للولايات المتحدة بتقليص وجودها في المنطقة.
وإذا انضمت المملكة العربية السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، ستتاح لواشنطن فرصة لإعادة التفكير الاستراتيجي، إذ امتدت الولايات المتحدة عبر العالم على مدى العقود الماضية، ما أدى إلى تزايد التكاليف المحلية والسياسية، وأمام ذلك انسحب الحلفاء الآخرون ببطء من الشرق الأوسط، ومن المرجح أن يفعل بايدن الشيء نفسه، لمنح الأولوية للمنافسة الاستراتيجية مع الصين.
وتشدد المجلة على أن تعزيز أمن إسرائيل في المنطقة، يوفر مجالًا لالتقاط الأنفاس، ماليًا وعسكريًا، للولايات المتحدة، للتركيز على القضايا الحرجة، بما في ذلك الاستبداد المتزايد لشريكتها في "الناتو" تركيا، والنفوذ الصيني المتزايد في الشرق الأوسط الأوسع، والتحديات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبينت "ناشيونال إنترست" أن بنيامين نتنياهو الذي يستعد لتشكيل حكومة جديدة في إسرائيل قد يرغب في مواصلة التطبيع، مشيرة إلى أن نتنياهو كان أول زعيم إسرائيلي يوقِّع اتفاقيات أبراهام، ومن ثمّ فإن الظروف الجيوسياسية في المنطقة، تجعل المزيد من التطبيع ممكنًا.
كان نتنياهو ألمح في أكتوبر الماضي إلى أن أحد أهدافه في الفترة المقبلة سيكون توقيع اتفاق سلام مع السعودية.
وقال في مقابلة عبر زوم مع "التحالف اليهودي الجمهوري" المنعقد في لاس فيجاس: هدفي ضم دول جديدة إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، وبشكل خاص دولة واحدة أخرى.
وأضاف نتنياهو: لقد كنت محظوظًا بشكل استثنائي، بالعمل مع إدارة أمريكية بقيادة الرئيس ترامب، الذي وافق على سياستنا، وقد أدى ذلك إلى 4 اتفاقيات سلام".في الوقت نفسه، يرى ولي العهد السعودي أن إسرائيل حليف محتمل وليس عدوًا.
وقال ابن سلمان، في حوار مع مجلة أتلانتيك الأمريكية في مارس الماضي: لا ننظر لإسرائيل كعدو، بل ننظر لها كحليف محتمل في العديد من المصالح، التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معًا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك.
ويدرك ابن سلمان فوائد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن هذا القرار يأتي مصحوبًا بمخاطر داخلية، أكبرها ما يخص القضية الفلسطينية.
وأشارت إلى أن المملكة العربية السعودية أوضحت منذ سنوات أنها لن تنضم إلى اتفاقات أبراهام، من دون إحراز تقدم في اتفاق السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
كانت المملكة العربية السعودية، قدمت مبادرة السلام العربية عام 2002، التي كشفت استعداد العرب للاعتراف رسميًا بدولة إسرائيل إلى جانب دولة فلسطينية على أساس حدود 1967. ورغم أن هذه الخطوة من قِبل زعيم سعودي سيكون لها حجم توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات على اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل، فإن ابن سلمان يدرك جيدًا أن المصالحة مع إسرائيل أدت أيضًا إلى اغتيال السادات عام 1981.
والسؤال الذي يجب طرحه وفق المجلةهو هل ابن سلمان على استعداد للتضحية بالشرعية المحلية، من خلال توقيع الاتفاقيات وتجاهل القضية الفلسطينية؟