«ناشيونال انترست » هل يشكل الصعود الصيني تهديدًا للتحالف الأمريكي الأوروبي ؟
تقول مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أن التحالف الأمريكي الأوروبي يمر بمنعطف خطير، وهو ما قد يضر بالمصالح المشتركة بين الطرفين، سواء في ما يخص التكامل الاقتصادي، في ظل التضخم الهائل الذي يضرب العالم، أم لمواجهة الخطر الروسي بعد غزو أوكرانيا.
وأشارت المجلة في تقريرها الذي طالعته الديار إلى أنه حان الوقت لتأكيد أن الحليفين التقليديين متوائمان، رغم الظروف والصعوبات التي تواجههما، وآخرها التحدي الصيني الكبير.
وبينت ناشيونال انترست أن التحالف الأمني القوي، بين الولايات المتحدة وأوروبا، في مواجهة العدوان الروسي، أظهر حاجة العالم الشديدة إلى وحدة عبر الأطلسي للحفاظ على السلام الدولي، لكن عندما يتعلق الأمر بتحدٍّ وجودي آخر، بمواجهة الرأسمالية الاستبدادية في الصين والجاذبية التي تمارسها في العالم، فإن هذا التحالف مازال بحاجة لتقوية أكبر.
وأشارت المجلة، إلى أنه بدلاً من تقوية هذا التحالف، يبدو أن الطرفين أوروبا والولايات المتحدة يتجهان نحو التنافر، بعد أن تضاربت بعض المصالح بينهما، إذ تهدد العوامل المقلقة التي تتراوح من التجارة الرقمية إلى السياسة الصناعية بتفكيك أكثر من خمسة وسبعين عامًا من القيادة المشتركة في التجارة العالمية.
ولفتت"ناشيونال إنترست" إلى أن مواجهة النموذج الاقتصادي الصيني، لا تقل أهمية عن مواجهة التحديات العسكرية، مشيرة إلى أن خطورة الأمر تتمثل في أنه يبدو تنافسًا اقتصاديًا عاديًا إلا أنه يتشعب بخبث وبطء، حتى يسيطر على الكثير من الدول.
وتسعى الصين إلى توسيع نفوذها في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، متحدية الهيمنة الأمريكية فيها، ويرى خبراء أن الصين تسعى من خلال مشروع "الحزام والطريق إلى إسقاط الهيمنة الأمريكية فيها سلمي.
ورأت المجلة، أن نجاح الصين في نشر قوتها الهائلة للاستيلاء على الأسواق العالمية والقيادة التكنولوجية، إلى جانب تنامي قوتها العسكرية، يمثل تحديًا أمنيًا وجوديًا للولايات المتحدة وأوروبا
وأوضحت أن صعود الصين، أدى إلى تآكل الدعم للتجارة المفتوحة المتذبذبة بالفعل في كل من أوروبا والولايات المتحدة، خصوصًا عندما يقترن الأمر باضطرابات فيروس كورونا، وقيود سلسلة التوريد، وأخيرًا حرب روسيا،نتيجة لذلك تحول تركيز السياسات الأمريكية والأوروبية إلى الداخل، وهو ما ساعد بكين في التوسع، أمام تراجع التحالف الأمريكي الأوروبي.
ومع رفع الولايات المتحدة، خصوصًا إبان حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، شعار أمريكا أولًا، ترى "المجلة الأمريكية " أن الانسحاب من الأسواق العالمية وتعليق الآمال على الاكتفاء الذاتي خطأ مأساوي، مشيرة إلى أن التجارة العالمية لا تزال في مرحلة النمو، ومن ثمّ لابد من استغلال حاجة العالم إلى مزيد من التعاملات للانفتاح أكثر، وليس الانغلاق، خصوصًا أن أغلبية القطاعات الاستراتيجية في العالم مازالت معلومة في إشارة إلى أن ثقافة العولمة مازالت تهيمن على العديد من الدول، وهو ما يخدم التوجه الأمريكي والأوروبي.
ورأت أن تجاهل هذه الحقيقة والفشل في التوفيق بين المصالح الأمريكية والأوروبية رهان خطير، لذلك يحتاج كل منا إلى بناء القوة الاقتصادية في الداخل والحفاظ على الريادة في الابتكار، ولكن ليس على حساب الانسحاب من المعركة للحفاظ على مكاسبنا العالمية المشتركة.
وأشارت إلى أن ما سمتها المعركة الاقتصادية العالمية، تحتاج لأن تكون قوة التحالفات الاستراتيجية حاسمة، خصوصًا مع مخاطر ظهور توجُّه بعض الدول الحليفة نحو الصين
وأضافت نحن نعيش في واقع جديد من العولمة المنقسمة، حيث لا تزال السياسات التجارية مهمة، لكنها تلعب دورًا في مجالات تأثير معاد تنسيقها مع أنماط التجارة والاستثمار المتغير.
وشددت على أن التعددية ستظل موجودة، لكنها تتشكل عبر الكتل المتنافسة أكثر من كونها من خلال التدريبات متعددة الأطراف، متابعة: على هذه الخلفية، تسود التحالفات الإقليمية والانتقائي.
وبينت ناشيونال إنترسبت، أن كلًا من أوروبا والولايات المتحدة بحاجة شديدة إلى تحالفات متنوعة عبر العالم، مشيرة إلى أنه لأسباب تاريخية وتجارية، يجب أن يكون الرابط عبر الأطلسي حجر الزاوية الذي لا غنى عنه.
وشددت على أن هذا الرابط -عبر الأطلسي قادر بشكل فريد على لعب دور الحامل القياسي لديمقراطية السوق، في عالم يعاد تنظيم.
واستشهدت المجلة بتصريح مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي فالديس دومبروفسكيس في واشنطن الشهر الماضي، الذي قال: من الأهمية بمكان أن يظل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على النهج نفسه، لمواجهة التحديات العالمية المداخلة.
وتضيف المجلة: لا يتعين على أوروبا ولا الولايات المتحدة استخدام مستوى التحول الديمقراطي في بلد ما كاختبار وحيد لعلاقة تجارية مشيرة إلى أنه رغم أن اعتماد أوروبا المفرط على روسيا في الطاقة كان درسًا صعبًا بالنسبة لهذا التحالف، فإنه إذا تم إغفال أهمية هذا التحالف بما في ذلك في المجال الاقتصادي فإن الأنظمة الاستبدادية ستزدهر أكثر برعاية الصين
وأشارت إلى أنه رغم التخلص من بعض المشكلات الثنائية التي طال أمدها، فإن الخطوات الأخيرة لتوحيد القوى لم ترق إلى التوافق الاستراتيجي الحقيقي، والأسوأ من ذلك أن كلا الجانبين يتبنى سياسات تدفع إلى مزيد من الصراع التجارى.
ومن هذه السياسات، تمسك الاتحاد الأوروبي بما تسمى السيادة الرقمية والقيود التي يضعها على الواردات الزراعية، ناهيك عن سياسة الرقائق الأمريكية، أو مخططها لتوطين تصنيع السيارات الكهربائية، وهو ما يفتح باب التساؤل عما إذا كان أي من الجانبين يفهم الأهمية الوجودية لهذه اللحظة في التاريخ، التي تتطلب المزيد من التعاون وليس التنافر.
ورأت المجلة الأمريكية، أن هذه الديناميكية تقوِّض القدرة التنافسية للجانبين، وتقضي على الآمال في أجندة أمنية اقتصادية مشتركة.
وللخروج من هذا المأزق، شددت المجلة على ضرورة نشر آليات مشتركة تزيد الترابط بين الجانبين، مثل مجموعة الدول الصناعية السبع، ومجلس التجارة والتكنولوجيا الأمريكي الأوروبي (ttc).
دعت المجلة الجانبين، إلى الابتعاد عن المعارك الاقتصادية، مع تكامل سياسي يستطيع مواجهة التحديات القائمة، سواء مع استمرار الحرب في أوكرانيا، أم الاستراتيجية الصينية للتوسع في قارات العالم.
وقالت:يجب أن يكون جدول أعمال الجانبين أكبر وأكثر جرأة، وأن يقضي على التمييز ويتبنى وحدة عبر الأطلسي، بينما نسعى إلى جعل سلاسل التوريد أكثر مرونة، مع معالجة الضغوط الاقتصادية في الداخل مضيفة: سويًا فقط يمكننا مواجهة التهديدات الجيوسياسية اليوم، وفقط معًا جنبًا إلى جنب مع الحلفاء مثل اليابان وكوريا وغيرها يمكننا صياغة قواعد تجارية متعددة الأطراف في المستقبل.
وتابعت من خلال سد الفجوات في رؤيتنا للنظام الجيواقتصادي المستقبلي، وعدم الإضرار بشركات بعضنا، يمكننا منافسة القوى العظمى الأخرى مضيفة لقد حان الوقت للإشارة إلى العالم بأن أوروبا والولايات المتحدة متوافقتان، أقل من أي وقت مضى، لأن البديل لا يمكن تصوره.