جريدة الديار
الأحد 1 ديسمبر 2024 06:52 صـ 30 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِئِهِمْ

الشيخ أحمد علي تركي
الشيخ أحمد علي تركي

اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِئِهِمْ.. أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والطبراني.

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا.. أخرجه البخاري.

فهل دلالة الحديثين عامة أم مخصوصة؟

والجواب

أن دلالة الحديثين مخصوصة بمن لم يجاهر بكبيرة أو بدعة أو إلحاد وردة .

فقد ثبت ما يعارضهما .

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

مَرُّوا بِجَنَازَةٍ ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا .

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

وَجَبَتْ .

ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ : وَجَبَتْ .

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :

مَا وَجَبَتْ؟

قَالَ : هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ .

وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ .

أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ .

[أخرجه البخاري ومسلم

قال النووي في "شرح صحيح مسلم" (7/20):

فَإِنْ قِيلَ :

كَيْفَ مُكِّنُوا بِالثَّنَاءِ بِالشَّرِّ مَعَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ ؟

فَالْجَوَابُ

أَنَّ النَّهْيَ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ هُوَ فِي غَيْرِ الْمُنَافِقِ وَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَفِي غَيْرِ الْمُتَظَاهِرِ بِفِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ .

فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا يَحْرُمُ ذِكْرُهُمْ بِشَرٍّ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ ، وَمِنَ الِاقْتِدَاءِ بِآثَارِهِمْ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِهِمْ .

وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَثْنَوْا عَلَيْهِ شَرًّا كَانَ مَشْهُورًا بِنِفَاقٍ أَوْ نَحْوِهِ مما ذكرنا .

هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّهْيِ عَنِ السَّبِّ ، وَقَدْ بَسَطْتُ مَعْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ .

وقد بوب النووي على حديث النهي عن سب الأموات في كتاب الأذكار بقوله :

بابُ النهي عن سبِّ الأموات بغير حق ومصلحة شرعية .

أي : إذا كان بحق ، أو لمصلحة شرعية جاز ، ثم قال (صـ 295):

قلتُ : قال العلماءُ : يَحرم سبُّ الميت المسلمَ الذي ليس معلنًا بفسقه .

وأما الكافرُ : والمُعلِنُ بفسقه من المسلمين ، ففيه خلاف للسلف .

وجاءت فيه نصوص متقابلة ، وحاصلُه أنه ثبت في النهي عن سبّ الأموات ما ذكرناهُ في هذا الباب .

وجاء في الترخيص في سبِّ الأشرار أشياء كثيرةٌ منها :

ما قصَّه الله تعالى علينا في كتابه العزيز وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته ومنها :

أحاديثُ كثيرة في الصحيح ومنها :

الحديث الصحيح الذي قدّمناه لَمَّا مرّت جنازة فأثنوا عليها شرًّا ، فلم ينكر عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ بل قال : وجبتْ .

وأما أمواتُ المسلمين المعلنين بفسق أو بدعةٍ أو نحوهما فيجوز ذكرُهم بذلك إذا كان فيه مصلحة لحاجة إليه للتحذير من حالهم ، والتنفير من قبول ما قالوه ، والاقتداء بهم فيما فعلوه ، وإن لم تكن حاجةٌ لم يجزْ ، وعلى هذا التفصيل تُنَزَّلُ هذه النصوص .

وقد أجمعَ العلماءُ على جرح المجروح من الرواة [وذلك للمصلحة] والله أعلمُ».

وبهذا التفصيل قال البيهقي، فقد بوب في السنن الكبرى (7/513) على حديث النهي عن السبَّ بقوله :

بَابُ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ وَالْأَمْرِ بِالْكَفِّ عَنْ مَسَاوِئِهِمْ ، إِذَا كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذِكْرِهَا .

أي : لا تُذكر المساوئ إلا لمصلحة ثم قال :

وَفِيهِ دَلَالَةٌ [أي: حديث ذكر الميت بالشر] عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْمَرْءِ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ إِذَا وَقَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ ... ، وَكَأَنَّ الَّذِي أَثْنَوْا عَلَيْهِ شَرًّا كَانَ مُعْلِنًا بَشَرِّهِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجْرَ أَمْثَالِهِ عَنْ شُرُورِهِمْ .

وقال ابن بطال في "شرح صحيح البخارى" (3/ 354) :

فإن كان الرجل أغلب أحواله الخير ، وقد تكون منه الفلتة ، فالاغتياب له محرم .

وإن كان فاسقًا معلنًا فلا غيبة فيه .

فكذلك الميت إذا كان أغلب أحواله الخير لم يجز ذكر ما فيه من شر ولا سبه به وإن كان أغلب أحواله الشر فيباح ذكره منه ، وليس ذلك مما نهى عنه من سب الأموات .

ويؤيد ذلك ما أجمع عليه أهل العلم من ذكر الكذابين وتجريح المجرَّحين .

والخلاصة:

أن الكثير من الشراح لم يفرقوا بين السبِّ وذكر المساوئ .

والذي يظهر لي

أنه لا تلازم بين السبِّ وذكر المساوئ لحاجة أو مصلحة ؛ كالتحذير والتنفير من شرك ، أو إلحاد ، أو بدعة أو فسق ونحو ذلك فهذا كله جائز ومطلوب شرعًا .

أما النهي عن سبِّ الأموات فعَامٌّ يدخل فيه المسلم وغير المسلم على الأرجح ؛ إذ لا مصلحة فيه .

وقد قال الصنعاني في "سبل السلام" (1/ 510):

قَوْلَهُ : قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا عِلَّةٌ عَامَّةٌ لِلْفَرِيقَيْنِ مَعْنَاهَا :

أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ تَحْتَ سَبِّهِمْ وَالتَّفَكُّهِ بِأَعْرَاضِهِمْ .

وَأَمَّا ذِكْرُهُ تَعَالَى لِلْأُمَمِ الْخَالِيَةِ بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الضَّلَالِ فتَحْذِيرٌ لِلْأُمَّةِ مِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ الَّتِي أَفَضْت بِفِعْلِهَا إلَى الْوَبَالِ وَبَيَانِ مُحَرَّمَاتٍ ارْتَكَبُوهَا ، وَذِكْرُ الْفَاجِرِ بِخِصَالِ فُجُورِهِ لِغَرَضٍ جَائِزٍ وَلَيْسَ مِنْ السَّبِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ .

فلا مصلحة في السبِّ فالنهي عنه عَامٌّ .

وهناك أيضًا علة أخرى في النهي عن السبِّ وهي :

إيذاء الأحياء من أقاربهم ونحوهم .

فعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ .

أخرجه الترمذي (1982)

وقد بوب ابن حبان (3022) عليه بقوله :

ذِكْرُ الْبَعْضِ مِنَ الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا نَهَى عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ .