جريدة الديار
الأربعاء 12 مارس 2025 01:05 مـ 13 رمضان 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع
محافظ الدقهلية في جولة تفتيشية منفردا برئاسة مركز ومدينة المطرية سكرتير عام محافظة الدقهلية يقود حملة تفتيشية علي الوحدة المحلية لحي غرب المنصورة لمتابعة تلافي السلبيات وتحقيق الانضباط الإداري وزارة العمل: تسليم عقود عمل جديدة لذوي همم من أبناء محافظة القاهرة صحة القليوبية: مدير عام طب الأسنان يعقد تدريبا لأطباء وتمريض أقسام الأسنان بإدارة قليوب الصحية نائب وزير الصحة يتفقد وحدات طب الأسرة بالقاهرة ويوصي بصرف مكافأة للمتميزين مستشفيات ومراكز طبية جامعة المنصورة من تقدم لتقدم مستشار رئيس الوزراء العراقي: أميركا تبقي استثناء الغاز الإيراني وزير الداخلية يعتمد حركة شرطة وزيرة التضامن الاجتماعي توجه بتشكيل فريق دفاع قانوني عن طفلة الشرقية البورصة مرآة الاقتصاد.. وحزمة الحوافز الجديدة هل تعيد الحياة إلى ”دق الأجراس”؟ رصد ومتابعة ما ينشر بخصوص الشأن الإسرائيلي الفلسطيني ووضع غزة التفاصيل الكاملة لجريمة مقتل طفلة حقدا وغيرة وانتقاما من امها

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: مِنْ آيَاتِ الزَّوَاجِ الْعَظِيمَةِ وَمَقَاصِدِهِ الْمُبَارَكَةِ

الشيخ أحمد علي تركي
الشيخ أحمد علي تركي

مِنْ آيَاتِ الزَّوَاجِ الْعَظِيمَةِ وَمَقَاصِدِهِ الْمُبَارَكَةِ الْكَرِيمَةِ حُصُولُ السَّكَنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، حَيْثُ جَعَلَ اللهُ الْمَرْأَةَ سَكَنًا لِلرَّجُلِ يَسْكُنُ إِلَيْهَا قَلْبُهُ، وَيَهْنَأُ بِهَا بَالُهُ، وَالرَّجُلُ كَذَلِكَ، وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا خَالِصَ الْحُبِّ، وَهُوَ الْمَوَدَّةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالرَّحْمَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:

﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾

سورة الروم

وَفِيِ قَوْلِهِ :

﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾

بَيَانٌ لِلْعِلَّةِ مِنْ خَلْقِهِمْ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَي: أَنَّ اللهَ خَلَقَ لَهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ أَزْوَاجًا، لِيَسْكُنُوا إِلَيْهَا، وَيَمِيلَ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَمِنْ رَحْمَتِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ جَعَلَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَرَاغًا وَافْتِقَارًا وَحَاجَةً إِلَى الطَّرَفِ الآخَرِ كَمَا قَالَ فِي الآيَةِ الأُخْرَى:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾

سورة الأعراف

وَقَوْلُهُ :

﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ لِيَأْنَسَ بِهَا وَتَأْنَسَ بِهِ، وَيَأْوِيَ إِلَيْهَا وَتَأْوِيَ إِلَيْهِ؛ وَهَذَا مِنْ طَبِيعَةِ الإِنْسَانِ، وَفِطْرَتِهِ السَّوِيَّةِ أَنَّهُ يُحِبُّ أَجْوَاءَ الْهُدُوءِ النَّفْسِيِّ، وَالطُّمَأْنِينَةِ الرُّوحِيَّةِ، وَالاِسْتِقْرَارِ الْغَرِيزِيِّ، وَالْهُدُوءِ الْعَاطِفِيِّ.

وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إِلاَّ بِهَذَا الزَّوَاجِ الْمُبَارَكِ؛ حَيْثُ يَشْعُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ الآخَرَ جُزْءٌ مِنْ ذَاتِهِ وَقِطْعَةٌ مِنْ نَفْسِهِ، بِحَيْثُ يَعِيشُ فِي فَرَاغٍ شُعُورِيٍّ هَائِلٍ عِنْدَمَا يَشْعُرُ بِالاِبْتِعَادِ عَنْهُ وَالْحِرْمَانِ مِنْهُ؛ يَشْعُرُ بِأَنَّ هُنَاكَ إِنْسَانًا يَنْتَظِرُهُ وَيَخُصُّهُ وَيَعِيشُ مَعَهُ مَسْؤُولِيَّةَ الْحَيَاةِ كُلِّهَا، كَمَا يَعِيشُ مَعَهُ مَسْؤُولِيَّتَهُ تِجَاهَ نَفْسِهِ، وَالإِحْسَاسَ بِهِ.

وَسِيرَةُ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ زَاخِرَةٌ عَطِرَةٌ بِالْمَوَاقِفِ الْحَسَنَةِ وَالطَّيِّبَةِ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ بِهَذَا الْجَانِبِ الْمُهِمِّ وَهُوَ الْقَائِلُ:

اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا .

متفق عليه

وَالْقَائِلُ:

خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ .

رواه الترمذي

تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :

قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى .

قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ ؟

فَقَالَ: أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ : لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ

قَالَتْ : قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ .

متفق عليه

وَقَوْلُهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :

مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ

أَيْ أَنَّهَا لاَ تَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ حِينَ تَحْلِفُ، وَفِي حَالِ الْغَضَبِ الَّذِي يَسْلُبُ الْعَاقِلَ اخْتِيَارَهُ، مَعَ بَقَاءِ صِدْقِ الْمَحَبَّةِ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ فَأَيُّ عِتَابٍ خَفِيٍّ لطَيِف مِنْهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تَعْتِبُ فِيهِ عَلَى زَوْجِهَا مَعَ إِبْقَائِهَا لِلْمَحَبَّةِ بَيْنَهُمَا.

وَتَأَمَّلُوا حَالَ بَعْضِ الزَّوْجَاتِ الْيَوْمَ مَعَ زَوْجِهَا فِي حَالِ الْغَضَبِ:

تَهْجُرُ اسْمَهُ وَرَسْمَهُ، وَتَمْتَنِعُ عَنْ خِدْمَتِهِ، وَتُنْكِرُ جَمَالَ عِشْرَتِهِ؛ فَضَلاً عَنِ الْحَدِيثِ مَعَهُ وَالأُنْسِ بِجِوَارِهِ.

وَفِي حِوَارٍ لَطِيفٍ جَمِيلٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا :

أُرِيتُكِ فِي الْمَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أَرَى أَنَّكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ .

أَيْ : رَأَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ يَحْمِلُ عَائِشَةَ فِي قِطْعَةٍ مِنْ حَرِيرٍ وَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتُكَ ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هِيَ أَنْتِ فَأَقُولُ إِنْ يَكُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ .

رَوَاهُ الشَّيْخَانِ

وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ:

أَنَّ جِبْرِيلَ جَاءَ بِصُورَتِهَا فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

فَانْظُرُوا إِلَى هَذَا الْحِوَارِ الْهَادِئِ اللَّطِيفِ الَّذِي تَفْقِدُهُ كَثِيرٌ مِنَ اْلبُيُوتَاتِ فِي عَالَمِنَا الْيَوْمَ؛ وَالَّذِي مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِه:

غِيَابُ الْمَنْهَجِ الإِسْلاَمِيِّ فِي الْعَلاَقَةِ الَّتِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالَّتِي تُنَظِّمُ أَحْوَالَ الأُسْرَةِ بِأَكْمَلِهَا؛ فَدِينُنَا عَلَّمَنَا الاِحْتِسَابَ فِي الْمُعَاشَرَةِ، وَعَلَّمَنَا الْبَشَاشَةَ فِي الْمُقَابَلَةِ، وَالاِحْتِرَامَ الْمُتَبَادِلَ، وَالْمَشُورَةَ فِي شُؤُونِ الأُسْرَةِ، وَعَلَّمَنَا الْهَدِيَّةَ لِكَسْبِ الْقُلُوبِ النَّدِيَّةِ، وَجَمَالَ الْمَظْهَرِ وَالْمَخْبَرِ، كُلُّ هَذَا وَغَيْرُهُ لأَجْلِ حَصْولِ السَّكَنِ بَيْنَ الزَّوْجَين.

اعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ حُصُولِ السَّكَنِ فِي الْعَلاَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ :

تَقْوَى اللهِ تَعَالَى .

قَالَ تَعَالَى:

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

سورة التوبة

فَتَقْوَى اللهِ وَالتَّعَلُّقُ بِهِ، يُقَرِّبُ الْقُلُوبَ لِبَعْضِهَا؛ وَسَبَبٌ لِلْحُصُولِ عَلَى السَّعَادَةِ وَالْوِصَالِ الْمُتَبَادَلِ، وَالسَّكَنِ الْعَادِلِ الَّذِي يَقْضِي عَلَى أَسْبَابِ الْجَفَاءِ الَّذِي مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِهِ :

انْشِغَالُ الزَّوْجَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمْ إِمَّا بِمُتَابَعَةِ وَسَائِلِ اتِّصَالاَتِهِمُ الْمُتَنَوِّعَةِ، أَوْ بِزِيَارَاتِهِمُ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَتَمْشِيَاتِهِمُ الْمُسْتَمِرَّةِ، أَوْ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَاصَّةِ؛ حَتَّى أَصْبَحَ بَعْضُهُمْ لاَ يَأْنَسُ مَعَ الآخَرِ بِحَدِيثٍ، وَلاَ يَهْنَأُ مَعَهُ بِطَعَامٍ، وَلاَ يَسْعَدُ بِجُلُوسٍ، فَضْلاً عَنِ الْحُبِّ وَالْمَوَدَّةِ وَالسَّكَنِ؛ فَأَصْبَحَا يَعِيشَانَ دَاخِلَ الْمَنْزِلِ الْوَاحِدِ وَكَأَنَّهُمَا مُنْفَصِلاَنِ .

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ فِي حَيَاتِكُمُ الزَّوْجِيَّةِ، فَمَا أُوتِيَتِ الأُمَّةُ الْمُسْلِمَةُ إِلاَّ مِنْ قِبَلِ أُسَرِهَا بِتَفْرِيقِهَا وَتَمْزِيقِهَا ثُمَّ التَّسَلُّطِ عَلَيْهَا .

اللَّهُمَّ نَسْأَلُكَ رَبَّنَا أَنْ تَهَبَ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ، وَأَنْ تَجْعَلَنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.