فضل صوم يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ .. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
روى الإمام مسلم في صحيحه :
عَنْ أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ قَالَ :
ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَىَّ فِيهِ .
وروى الترمذي وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ .
يتبين لنا مما تقدم من الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كما صام يوم الاثنين شكرا لنعمة مولده في هذا اليوم ، فقد صامه أيضا لفضله فقد أنزل عليه الوحي في ذلك اليوم ، وفيه تعرض الأعمال على الله ، فأحب صلى الله عليه وسلم أن يرفع عمله إلى الله تعالى وهو صائم .
فمولده الشريف في ذلك اليوم كان سببا من أسباب متعددة لصيام ذلك اليوم ، ومن صام يوم الاثنين ، كما صامه النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجا فيه المغفرة ، وشكر ما أنعم الله على عباده في هذا اليوم ، والتي من أعظمها ما أنعم الله على عباده بميلاد نبيه وبعثته ، ورجا أن يكون من أهل المغفرة في ذلك اليوم فهو أمر طيب ، موافق لما ثبت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن يوم الاثنين :
ذاك يوم ولدت فيه لا يدل على أن من وُلد في يوم صامه وإنما فيه بيان عظم ذلك اليوم لكون النبي صلى الله عليه وسلم ولد فيه .
ولو كان صيام يوم ميلاد الشخص مشروعا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولفعله الصحابة رضي الله عنهم فهم أسرع الناس إلى الخيرات .
لذا فيُستحَبُّ صَومُ يَومَيِ الاثنينِ والخَميسِ مِن كلِّ أسبوعٍ وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ .
ان صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع هو صوم أحد النوافل التي يتقرب بها العبد المؤمن إلى الله سبحانه وتعالى وهو من المستحبات حيث الصيام الأسبوعي لتطهير النفس والروح من أثقال الدنيا .
ففي هذين اليومين تعرض الأعمال والأفضل للمؤمن أن تعرض أعماله على الله وهو صائم ولا يوجد أي تعارض بين رفع الأعمال يومي الاثنين والخميس وبين رفع الأعمال في ليلة نصف شعبان حيث يعرض عمل العام بأكمله على رب العالمين في شهر شعبان أما عمل الأسبوع فيرفع يومي الاثنين والخميس.
وفي فضل الصوم جاء روى البخاري :
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ:
كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ .
فالصيام عمل لا يطلع عليه سوى الله بمجرد فعله لذلك أضافه الله لنفسه، فالصيام لا رياء فيه .
يقول ابن الجوزي :
جميع العبادات تظهر بفعلها وقل أن يسلم ما يظهر من شوب أي قد يخالطه شيء من الرياء إلا الصوم فهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه أحد وفي الصيام صبر على الأقدار والمحن ورفع البلاء وصد النفس عن المحارم .
قال الله تعالى :
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّـابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
سورة الزمر
ومن فضل الصيام أيضاً أن الصيام يشفع للعبد يوم القيامة فقد روى الإمام أحمد :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَىْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ.
وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. قَالَ فَيُشَفَّعَانِ .
وفي مسند أحمد أيضا :
قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ :
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُ الأَيَّامَ يَسْرُدُ حَتَّى يُقَالَ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ الأَيَّامَ حَتَّى لاَ يَكَادَ أَنْ يَصُومَ إِلاَّ يَوْمَيْنِ مِنَ الْجُمُعَةِ إِنْ كَانَا فِي صِيَامِهِ وَإِلاَّ صَامَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا يَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ لاَ تَكَادُ أَنْ تُفْطِرَ وَتُفْطِرُ حَتَّى لاَ تَكَادَ أَنْ تَصُومَ إِلاَّ يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلاَ فِي صِيَامِكَ وَإِلاَّ صُمْتَهُمَا.
قَالَ : أَيُّ يَوْمَيْنِ .
قَالَ قُلْتُ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ وَيَوْمُ الْخَمِيسِ .
قَالَ : ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ .
قَالَ قُلْتُ وَلَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ .
قَالَ : ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ يُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ .
أما عن حكم الفطر في صيام النوافل :
ففي سنن الترمذي وغيره :
فعن أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَى بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ .
يقول الامام الترمذي :
وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الصَّائِمَ الْمُتَطَوِّعَ إِذَا أَفْطَرَ فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَقْضِيَهُ.
يعتبر الصيام أحد أبواب تهذيب الشهوة وقد حث النبي صل الله عليه وسلم وأمر بالصيام في حالة عدم تحمل تكاليف الزواج بالنسبة للشباب .
ففي الصحيحين :
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهُ صلى الله عليه وسلم :
يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ .
كما أن للصيام ثوابا مطلقا فيعطى الصائم حسناته وأجره دون حساب ويضاعف الله لمن يشاء .
ففي الصحيحين واللفظ للبخاري :
أن أَبَا هُرَيْرَةَ رضى الله عنه يَقُولُ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاَّ الصِّيَامَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ . وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ ، أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ . وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لَقِىَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ .