جريدة الديار
الأحد 1 ديسمبر 2024 06:27 صـ 30 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

سومية سعد تكتب : أبواب الخير كثيرة فادخلها من أي باب تشاء

أبواب الخير كثيرة فادخلها من اي باب تشاء ،ومن أفضلها السّعي على قضاء حوائج الناس، وفي تنفيس كربات التهم وقضاء حوائجهم وإدخال السرور على قلوبهم و من ملأ حياته بعمل الخير لأنه أدرك أنها أقصر من أن يضيعها بعمل الشر

ومن أجل ذلك لابد للجميع من فعل الخير لأنه يدوم في حياتنا فإن أبوابه كثيرة وصوره متنوعة، حسب قدرة كل فرد، وكلنا قادرون على فعله، فمن لم يقدر على إعطاء المال، فيمكن أن تعلم الناس أو تدربهم علي شي جميل يفيدهم ، أو التطوع بجزء من الوقت، ومساعدة المحتاجين، وقضاء مصالحهم، حتى الكلمة الطيبة خير ، والسماحة والعفو.

وفي ذلك المقام تحضرني قصة جميلة لفعل الخير بطلها المستشار هشام الشريف إبن محافظة سوهاج حينما كان قاضيا بمحكمة جنوب القاهرة فى باب الخلق، و اشتهر برحمته وحبه للخير ، وفي إحدى الجلسات عرضت عليه قضية اهتز لإنسانيتها جمع الحاضرين ، حين نودى على أسم المتهمة «وكان لا يضع النساء داخل القفص»، وكانت تحاكم بجريمة تبديد لمبلغ إيصال أمانة، ودخلت المتهمة على المنصة، وكانت فى أواخر الأربعينات من عمرها، وكانت محبوسة ولم يفرج عنها، لعدم سداد الكفالة.

واللافت للنظر كان حالها الفقير وسألها القاضى: «أنت يا ست (فلانه) ما دفعتيش الـ 7000 جنيه ليه للسيد (فلان)»، وبصوت أقرب للبكاء الخائف والمرتعش أجابته المسكينة بأن المبلغ ليس 7000 جنيه، وإنما فى حقيقة الأمر هو 1000 جنية كانت قد استدانت بهم نظير شراء بضاعة من السيد «فلان» التاجر ووالد الأستاذة المحامية الحاضرة فى الجلسة، وأنها كانت تسدد له 60 جنيها كل شهر، لكن حدث لها ظروف منعتها من السداد، فيما رفض التاجر «فلان» الإنتظار ورفع عليها إيصال الامانة.

وفى تلك الأثناء، التفت القاضي «الشريف» للمحامية، وسألها بأدب جم وهدوء: «الكلام اللى الست بتقوله حقيقى ؟»، فأنكرت المحامية معرفتها بالحقيقة، فما كان من القاضى، إلا أن نظر إلى المتهمة وسألها عن حالها، وعلم أنها أرملة، وتعمل لتربية بناتها الثلاثة فنظر لها، وقال: «هتتحل إن شاء الله»، ثم رفع الجلسة
وقبل أن يدخل القاضى «الشريف» غرفة المداولة، وجه كلامه للمحامين وقال: «أنا أعلم أنكم أصحاب فضل ومروءة، ولن تتأخروا عن فعل المعروف»، وأخرج منديلا كان فى جيبه، ووضعه على المنصة، وأشار إلى الحاجب، ثم أخرج من جيبه مبلغا وقال: «هذه 500 جنيه كل ما معى، ولا أدرى من من السادة المستشارين سيشاركنى، وهي أول مشاركة لسداد دين هذه السيدة»، ثم شكر الحاضرين ودخل غرفة المداولة.

فى هذه اللحظة، بدأ المحامين فى التبارى فى الدفع بدأهم أحدهم بـ 1000 جنيه ثم توالى الباقين حتى تجمع فى المنديل ما يتجاوز الـ 8000 جنيه، وقبل ذلك كانت المحامية إبنة صاحب الدين قد خرجت بسرعة إلى خارج المحكمة لتتصل بوالدها وتخبره بما تم، وعادت المحامية القاعة ونودى عليها حين دخلت المتهمة غرفة المداولة.

وكان القاضى «الشريف» جالسا خلف مكتبه، وأشار للمحامية قائلا: « فيه 7000 جنيه موجودة فى المبلغ الموجود بالمنديل تقدرى تاخديها وتتصالح للمتهمة ونمشيها»، ثم أشار إليها بأخذ الفلوس، وفى تلك الأثناء، كانت هناك مفاجأة أخرى حيث قالت المحامية أن والدها أخبرها بألا تأخذ أكثر من 500 جنيه قيمة الباقى.

شكر القاضى «الشريف» المحامية، وأبتسم ناظراً للمحامين الذين ملؤا غرفة المداولة وقال: « أظن انها اخذت الـ500 جنيه بتاعتى أنا فضحك الجميع وقاطعهم قائلا وأظنك لا تريدون أن يحرمكم الله ثواب المشاركة»، وعلى صوت المحامين في الغرفة بالتأييد، فنظر إلى المتهمة ومد يده بالمنديل وباقى الـ 8000 جنيه وقال: وهذه من الله لك.

فتحيه للقاضى الرحيم المستشار هشام الشريف الذي ارثى بموقفة دعائم العدل المشيد بجدران الانسانية وابواب الرحمة.