جريدة الديار
الثلاثاء 5 نوفمبر 2024 04:53 مـ 4 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: مـن آفــات القلـــوب

الشيخ أحمد علي تركي
الشيخ أحمد علي تركي

تنعكس على الافعال الظاهرة حب الجاه والشهرة والثناء الحسن حتى بعد الممات.

الثناء بعد الموت ثابت ولا يكون الا بتوفيق الله تعالى لمن يختص من عباده الصالحين

قوله تعالى :

﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩)

وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) ﴾

سورة مريم

عن ابن عباس رضي الله عنه قوله :

﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾

﴿يقول: الثناء الحسن.

تفسير الطبري (١٨/ ٢٠٨)

قال ابن حزم الاندلسي القرطبي المتوفى ٤٥٦هـ رحمه الله تعالى :

تطلع النَّفس إِلَى مَا يستر عَنْهَا من كَلَام مسموع أَو شَيْء مرئي أَو إِلَى الْمَدْح وَبَقَاء الذّكر هَذَا أَمْرَانِ لَا يكَاد يسلم مِنْهُمَا أحد إِلَّا سَاقِط الهمة جدا أَو من رَاض نَفسه الرياضة التَّامَّة وقمع قُوَّة نَفسه الغضبية قمعا كَامِلا .

ثــم قــال :

وَأما من علق وهمه وفكره بِأَن يبعد اسْمه فِي الْبِلَاد وَيبقى ذكره على الدَّهْر فليتفكر فِي نَفسه وَليقل لَهَا يَا نفس أَرَأَيْت لَو ذكرت بِأَفْضَل الذّكر فِي جَمِيع أقطار الْمَعْمُور أَبَد الْأَبَد إِلَى انْقِضَاء الدَّهْر ثمَّ لم يبلغنِي ذَلِك وَلَا عرفت بِهِ أَكَانَ لي فِي ذَلِك سرُور أَو غِبْطَة أم لَا فَلَا بُد من لَا وَلَا سَبِيل إِلَى غَيرهَا أَلْبَتَّة .

فَإِذا صَحَّ وتيقن فَليعلم يَقِينا أَنه إِذا مَاتَ وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى علم أَنه يذكر أَو أَنه لَا يذكر وَكَذَلِكَ إِن كَانَ حَيا إِذا لم يبلغهُ ثمَّ ليتفكر أَيْضا فِي مَعْنيين عظيمين أَحدهمَا كَثْرَة من خلا من الْفُضَلَاء من الْأَنْبِيَاء وَالرسل صلى الله عَلَيْهِم وَسلم أَولا الَّذين لم يبْق لَهُم على أَدِيم الأَرْض عِنْد أحد من النَّاس اسْم وَلَا رسم وَلَا ذكر وَلَا خبر وَلَا أثر بِوَجْه من الْوُجُوه .

ثمَّ من الْفُضَلَاء الصَّالِحين من أَصْحَاب الْأَنْبِيَاء السالفين والزهاد وَمن الفلاسفة وَالْعُلَمَاء والأخيار وملوك الْأُمَم الدائرة وبناة المدن الخالية وَأَتْبَاع الْمُلُوك الَّذين أَيْضا قد انْقَطَعت أخبارهم وَلم يبْق لَهُم عِنْد أحد علم وَلَا لأحد بهم معرفَة أصلا أَلْبَتَّة .

فَهَل ضرّ من كَانَ فَاضلا مِنْهُم ذَلِك أَو نقص من فضائلهم أَو طمس من محاسنهم أَو حط درجتهم عِنْد بارئهم عز وَجل وَمن جهل هَذَا الْأَمر فَليعلم أَنه لَيْسَ فِي شَيْء من الدُّنْيَا خبر عَن مُلُوك من مُلُوك الأجيال السالفة أبعد مِمَّا بأيدي النَّاس من تَارِيخ مُلُوك بني إِسْرَائِيل فَقَط ثمَّ مَا بِأَيْدِينَا من تَارِيخ مُلُوك اليونان وَالْفرس وكل ذَلِك لَا يتَجَاوَز ألفي عَام فَأَيْنَ ذكر من عمر الدُّنْيَا قبل هَؤُلَاءِ أَلَيْسَ قد دثر وفني وَانْقطع وَنسي أَلْبَتَّة .

وكَذَلِكَ قَالَ الله تَعَالَى:

﴿ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ﴾

وقَالَ تَعَالَى:

﴿ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيراً ﴾

وقَالَ تَعَالَى :

﴿ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ﴾

فَهَل الْإِنْسَان وَإِن ذكر بُرْهَة من الدَّهْر إِلَّا كمن خلا قبل من الْأُمَم الغابرة الَّذين ذكرُوا ثمَّ نسوا جملَة ثمَّ ليتفكر الْإِنْسَان فِي من ذكر بِخَير أَو بشر هَل يزِيدهُ ذَلِك عِنْد الله عز وَجل دَرَجَة أَو يكسبه فَضِيلَة لم يكن حازها بِفِعْلِهِ أَيَّام حَيَاته فَإِذا كَانَ هَذَا كَمَا قُلْنَاهُ .

فالرغبة فِي الذّكر رَغْبَة غرور وَلَا معنى لَهُ وَلَا فَائِدَة فِيهِ أصلا لَكِن إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يرغب الْإِنْسَان الْعَاقِل فِي الاستكثار من الْفَضَائِل وأعمال الْبر الَّتِي يسْتَحق من هِيَ فِيهِ الذّكر الْجَمِيل وَالثنَاء الْحسن والمدح وَحميد الصّفة فَهِيَ الَّتِي تقربه من بارئه تَعَالَى وتجعله مَذْكُورا عِنْده عز وَجل الذّكر الَّذِي يَنْفَعهُ وَيحصل على بَقَاء فَائِدَته وَلَا يبيد أَبَد الْأَبَد وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق .

الأخلاق والسير في مداواة النفوس (ص: ٨٨)

نسأل الله الإخلاص والخلاص وسلامة القلب وذلك علم عميق والله الموفق وهو اعلم .