جريدة الديار
الأحد 1 ديسمبر 2024 06:32 صـ 30 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الْغَيْرَةُ مِنَ الْغَرَائِزِ الْبَشَرِيَّةِ.. بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

قال الله تعالى:

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ

رواه البخاري ومسلم واللفظ له

ومن آثار تلك الصفة أن الله تعالى حرم الفواحش كلها، فإذا فعل العبد الفواحش فإن الله عز وجل يغار ويغضب أن يأتي العبد محارمه، وهو سبحانه لا تنفعه الطاعة، ولا تضره المعصية
فَعَنِ الْمُغِيرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

متفق عليه

قال الله تعالى:

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ تَزْنِي، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا .

رواه البخاري

إن أَشَدّ الناس غَيْرَة عَلَى حُرُمَاتِ اللَّهِ هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأِنَّهُ كَانَ يَغَارُ لِلَّهِ وَلِدِينِهِ ولعرضه ولأمته، وما انتقم لنفسه قط .

فَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ يُنتهك حرمةُ الله فينتقم لله بهَا.
مُتَّفق عَلَيْهِ

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ وَجَدْتُ مَعَ أَهْلِي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ» قَالَ: كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْمَعُوا إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ، إِنَّهُ لَغَيُورٌ، وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَالله أغير مني».

رَوَاهُ مُسلم

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:

إِنَّ اللهَ يَغَارُ، وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ

رواه البخاري ومسلم واللفظ له.

كان الصحابة رضي الله عنهم يغارون ويعرف عنهم ذلك ويشتهر

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

دَخَلْتُ الجَنَّةَ أَوْ أَتَيْتُ الجَنَّةَ، فَأَبْصَرْتُ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي إِلَّا عِلْمِي بِغَيْرَتِكَ .
قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَوَعَلَيْكَ أَغَارُ؟

مُتَّفق عَلَيْهِ

وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلاَ مَمْلُوكٍ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَسْتَقِي المَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: «إِخْ إِخْ» لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَاخَ لِأَرْكَبَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ .
قَالَتْ: حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي .

رواه البخاري ومسلم

تختلف أنواع الغيرة وحكمها بحسب سببها الباعث عليها وبحسب مآلها المترتب عليها؛ فمن الغيرة ما هو مشروع ومنها ما هو ممنوع، ومن أنواع الغيرة المشروعة:

1- الغيرة لله سبحانه وتعالى، وتظهر في الغيرة لدين الله وأحكامه وشرعه؛ فالمؤمن يغار من أن تنتهك حرمات الله، أو تترك الفرائض والواجبات، المؤمن يغار عند وجود الشرك والكفر، المؤمن يغار عند وجود الفواحش والمنكرات، المؤمن يغار عند تسلط الكافرين
ومن أثر غيرته: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن القيام بهذه الشعيرة من أعظم الواجبات، وهو دليل على الغيرة لشرع الله تعالى، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلمَ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان .
رَوَاهُ مُسلم

والناس أقسام في الغيرة على محارم الله:

قوم لا يغارون على حرمات الله بحال ولا على حرمها، مثل الديوث والقواد ونحوهما، وأهل الإباحة الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق، ومنهم من يجعل ذلك سلوكًا وطريقًا، قال تعالى:

وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء

وقوم يغارون على ما حرمه الله وعلى ما أمر به مما هو من نوع الحب والكره يجعلون ذلك غيرة، فيكره أحدهم من غيره أمورًا يحبها الله ورسوله، ومنهم من جعل ذلك طريقًا ودينًا ويجعلون الحسد والصد عن سبيل الله وبغض ما أحبه الله ورسوله غيرة.

وقوم يغارون على ما أمر الله به دون ما حرمه فنراهم في الفواحش لا يبغضونها ولا يكرهونها بل يبغضون الصلوات والعبادات كما قال تعالى فيهم:

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا

وقوم يغارون مما يكرهه الله ويحبون ما يحبه الله، هؤلاء هم أهل الإيمان .

2- الغيرة على المجتمع من الفواحش والفساد:

قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

وعن أَبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلمَ قَالَ:

إيّاكُمْ والجُلُوس فِي الطُّرُقَاتِ قالوا: يَا رسولَ الله، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلمَ: فَإذَا أبَيْتُمْ إِلاَّ المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ اللهِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، والأَمرُ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهيُ عنِ المُنْكَرِ».

متفق عَلَيْهِ .

فهذه الحقوق ونحوها مما شرعه الله يسلم بها المجتمع ويأمن من الخيانة وانتهاك المحرمات والأعراض.

3- الغيرة على الأهل وعدم الدياثة وبغض أهلها:

الْغَيْرَةُ مِنَ الْغَرَائِزِ الْبَشَرِيَّةِ الَّتِي جعلها اللَّهُ فِي الإْنْسَانِ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً وَهِيَ فِطْرِيَّةٌ تَبْرُزُ كُلَّمَا أَحَسَّ الإْنْسَانُ شَرِكَةَ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ بِلاَ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، وَلاَ سَبِيل إِلَى اسْتِئْصَالِهَا مِنَ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلاَ خِيَارَ لِلإْنْسَانِ فِيهَا، فَهِيَ أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ، فَلاَ إِثْمَ إِنْ غار الزوج على زوجته، أو غَارَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا مَا لَمْ تتجنى بقول أو فعل وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا .

وكانت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَغَارُ مِنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِكَثْرَةِ مَا يَذْكُرُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَتْ سَائِرُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ يَغَرْنَ مِنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ جَمِيعًا.

وجاء الترهيب الشديد والوعيد الأكيد فيمن لا يغار على أهله .
فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ، وَالدَّيُّوثُ .

وفي رواية: "ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ".

أخرجه أحمد واللفظ له والنسائي

هذا وإن غيرة المؤمن منضبطة بضوابط الشرع وأحكامه وآدابه، فليس المؤمن بالذي تتبلد أحساسيه ومشاعره، كالدَّيُّوث القواد الذي يقر المنكر في أهله ولا تتحرك فطرته وغريزته فيثور أو يغضب، بل إن المؤمن يغار، ثم هو يضبط غيرته ويعتدل فيها فلا يُخوِّن ويتهم ويسيء الظن بلا بينة ولا حجة .

فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَتِيك رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:

مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يُبْغِضُ اللَّهُ، فَأَمَّا الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ .

أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان

فعلى المؤمن أن يضبط غيرته، ويحذر من الغيرة المذمومة، والتي تكون بغير حق، وقد يقع بسببها الظلم، ومن ذلك:

الْغَيْرَةُ عَصَبِيَّةً وَنُصْرَةً لِلْقَبِيلَةِ عَلَى ظُلْمٍ، فَهِيَ حَرَامٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا .
قَال تَعَالَى:

وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإْثْمِ وَالْعُدْوَانِ

وَفِي الْحَدِيثِ:

وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَدْعُو لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ .

رواه مسلم

وَقَال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الْغَيْرَةِ لِلْقَبِيلَةِ:

دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ

رواه البخاري ومسلم

ومنها: الإفراط في الغيرة في غير ريبة وبلا بينة، فإنه يؤدي إلى الجفاء والكراهية.
هذا والغيرة غريزة في الرجال والنساء وليست قاصرة على الرجال فقط

فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ.

رَوَاهُ البُخَارِيّ.

وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صدائق خَدِيجَة فَيَقُول: «إِنَّهَا كَانَت وَكَانَت وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وُلْدٌ».

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وعَنْها رضي الله عنها قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَتَجَسَّسْتُهُ، فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ، يَقُولُ: «سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ» فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي، إِنَّكَ لَفِي شَأْنٍ، وَإِنِّي لَفِي شَأْنٍ آخَرَ.

رواه مسلم.