الاغتنام الحقيقي للشتاء ..بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
الله تعالى جعل الليل والنهار، والشتاء والصيف، كل له خواصه، وكل له ما يميزه وعلى العبد المؤمن أن يتفكر في هذا ويتدبر فينتفع بذلك ويتعظ ومن ذلك التفكر في أحوال الشتاء والمطر وما يكون فيهما من آيات عظيمة .
فالشتاء غنيمة للمؤمن والمؤمن أوقاته كلها مباركة، فهو متعبد لربه تعالى، في جميع أحواله، وأوقاته، صيفها وشتاءها، ليلها ونهارها، ولما كان الشتاء ليله طويل، ونهاره قصير، اغتنمه السلف الصالح فصاموا نهاره وقاموا ليله فهي غنيمة طيبة سهلة فلا حر ولا عطش في صيامه مع قصر نهاره ولا تعب ولا جهد في قيام ليله مع طوله فيصلي ما شاء ويرقد كذلك .
ويمكن لمن كان عليه صيام قضاء أو كفارة أن يؤديه بيسر في أيام الشتاء؛ هكذا تغتنم الأوقات في طاعة الله تعالى .
عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
عجب ربُّنا من رجلين رجلٍ ثارَ عن وِطائه ولِحافِه من بين أهله وحِبِّه إلى صلاتِه فيقول الله جل وعلا أيا ملائكتي انظروا إلى عبدي ثارَ عن فِراشِه وَوِطائه من بين حِبِّه وأهلِهِ إلى صلاتِه رغبةً فيما عندي وشفقةً مما عندي ورجلٌ غزا في سبيلِ اللهِ وانهزمَ أصحابُه وعلم ما عليه في الانهزامِ وماله في الرجوعِ فرجع حتى يُهريقَ دَمَه فيقول الله لملائكته انظروا إلى عبدي رجع رجاءَ فيما عندي وشفقةً مما عندي حتى يُهرَيقَ دَمَهُ .
رواه أحمد والطبراني وابن حبان
هذا هو الاغتنام الحقيقي للشتاء
ولهذا هناك سنن وعبادات وأحكام في الشتاء
جعل الله المطر آية من آياته وقد شُرع لنا كثيرًا من السنن والأحكام والعبادات ومنها ما هو مخصوص بالمطر ومن ذلك:
التفكر في مخلوقات الله تعالى:
قال الله عز وجل:
اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ . فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
التوبة والاستغفار :
هذا ينبغي أن يكون حال المسلم أن يتوب من فعل المعاصي وأن يستغفر من التقصير والتفريط والمطر ماء طهور مبارك وهو رحمة من الله تعالى .
قال الله تعالى :
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا
وقال سبحانه :
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا
وعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إِذَا رَأَى الْمَطَرَ يَقُولُ :
رَحْمَةٌ .
رواه مسلم
وقال تعالى عن نوح عليه السلام :
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا
أي: إذا تُبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموهُ كثر الرزق عليكم وأسقاكم من بركات السماء وأنبت لكم من بركات الأرض وأنبت لكم الزرع وأمدكم بأموال وبنين وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وتتخللها الأنهار الجارية .
الاستسقاء :
جعل الله تعالى الماء من أسرار حياة المخلوقات وشرع تعالى لنا في حالة الجفاف والقحط والجدب أن نستسقي بالدعاء أو بصلاة صلاة الاستسقاء وبكل جاءت سنة النبي صلى الله عليه وسلمَ .
فعَن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ :
أَصَابَت النَّاس سنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فِي يَوْم جُمُعَة قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْت الْمَطَر يتحادر على لحيته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمطرنا يَوْمنَا ذَلِك وَمن الْغَد وَبعد الْغَد وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ :
اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا
فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ وَسَالَ الْوَادِي قَنَاةُ شَهْرًا وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ .
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ :
اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ
قَالَ : فَأَقْلَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشّمسِ .
مُتَّفق عَلَيْهِ
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ .
متفق عليه
الاستصحاء :
وهو طلب الصحو بغير أن يصرفه عنهم فيسأل الله تعالى أن يحول المطر عنهم إلى الأودية والجبال والزروع كما في الحديث .
الذكر عند هبوب الرياح :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ .
متفق عليه
الذكر عند رؤية الغيوم والمطر :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَبْصَرْنَا شَيْئًا مِنَ السَّمَاءِ تَعْنِي السَّحَابَ تَرَكَ عَمَلَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ وَقَالَ :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ
فَإِنْ كَشَفَهُ حَمِدَ الله وَإِن مطرَت قَالَ:
اللَّهُمَّ سَقْيًا نَافِعًا .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَه
وعَنْها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ:
اللَّهُمَّ صيبا نَافِعًا .
رَوَاهُ البُخَارِيّ
الاستصابة من المطر :
عَن أنس قَالَ :
أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ قَالَ :
فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنَ الْمَطَرِ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ صَنَعْتَ هَذَا ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بربه .
رَوَاهُ مُسلم
الدعاء حال نزول المطر :
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ثِنْتَانِ لَا تُرَدَّانِ أَوْ قَلَّمَا تُرَدَّانِ الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الْبَأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا .
وَفِي رِوَايَةٍ:
وَتَحْتَ الْمَطَرِ .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
المسح على الخفين أو نحوهما :
هذا من الرخص والتيسير في شريعتنا الإسلامية ولا يشترط أن يكون هذا في البرد أو الشتاء وإنما يشترط للمسح أن يكونا طاهرين في ذاتهما وأن يلبسهما على طهارة وأن يكونا ساترين لمحل الفرض وأن يمسح في المدة المحددة شرعًا وهي يوم بليلة للمقيم وثلاثة أيام بليالهن للمسافر .