جريدة الديار
الخميس 21 نوفمبر 2024 01:48 مـ 20 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

”ذي اتلانتك”: بوتين قد يضطر لتنفيذ سيناريو يوم القيامة بأوكرانيا

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

تناول ألكسندر غابوف، الزميل البارز في مركز كارنيجي بموسكو، في مقال في مجلة ذي اتلانتك أقدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تفيذ لسيناريو "يوم القيامة"، أي اللجوء لاستخدام السلاح النووي ضد أوكرانيا.

وقال غابوف أنه لا يمكن للغرب أن يفترض أن الزعيم الروسي سيكون عقلانيًا، في ما يتعلق باستخدام الأسلحة النووية، إذا رأى أمته ونظامه تحت تهديد وجودي.

وأوضح غابوف في مقاله الذي طالعته الديار أنه عندما حذر الرئيس الأمريكي جو بايدن، من أن أي استخدام روسي للأسلحة النووية سيجر العالم إلى معركة "هرمجدون" وهو اصطلاح ديني مسيحي يشير إلى حرب نهاية العالم واجه انتقادات عدة على مستوى العالم، إلا أن كبار المسؤولين الأمريكيين يأخذون على محمل الجد، مخاطر التصعيد الذي ينطوي على أسلحة نووية في أوكرانيا.

وما يؤكد الاهتمام الأمريكي الكبير بهذا الشأن حسب الكاتب أن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن هاتف نظيره الروسي سيرجي شويغو مرتين خلال ثلاثة أيام، الشهر الماضي، بعد أن ادعى شويغو أن القوات الأوكرانية تخطط لاستخدام "قنبلة قذرة" نووية، ثم إلقاء اللوم على موسكو.

وبيّن الكاتب أن أسباب قلق البنتاجون كانت واضحة، وهي أن هذه "الأكاذيب الروسية عن قنبلة قذرة يمكن أن تمهد الطريق للاستخدام النووي المحتمل من قِبل روسيا.

ويرى غابوف، أن القادة العسكريين الأمريكيين يشعرون بقلق بالغ، من أن تشرع موسكو في مسار خطير للتصعيد النووي، وسط النكسات المؤلمة والمذلة، التي عانتها القوات الروسية بساحة المعركة في أوكرانيا مؤخرًا.

وأشار إلى أن آخر هذه الانتكاسات التي تعد مؤشرًا مهمًا على المشكلات التي يواجهها الجيش الروسي في السيطرة على الأراضي التي احتلها خلال الأسابيع الأولى من غزوه لأوكرانيا- هو الانسحاب من مدينة خيرسون، التي أعلنت موسكو قبل أسابيع أنها جزء من روسيا.

ولكن حسب الكاتب ما يجعل الموقف خطيرًا للغاية، إمكانية لجوء الرئيس الروسي لاتخاذ قرار مندفع باستخدام الأسلحة النووية، مشيرًا إلى أنه منذ بدء الغزو لجأ بوتين إلى العديد من القرارات المبالغ فيها، التي تؤكد سوء تقديره، على حد قول الكاتب.

وبيّن أن أحد القرارات المندفعة، التي اتخذها بوتين، ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، الذي جاء ردًا على الثورة في كييف.

وقعت الثورة في أوكرانيا في فبراير 2014، حين انتهت سلسلة من الأحداث العنيفة التي شارك فيها متظاهرون وشرطة مكافحة الشغب ومسلحون مجهولون في العاصمة كييف، بطرد الرئيس الأوكراني المُنتخب، فيكتور يانوكوفيتش، وإسقاط النظام الأوكراني الموالي لروسيا.

وأضاف الكاتب: من خلال تصريحاته وسلوكه، يبدو أن الزعيم الروسي يعتقد أن الصراع الذي بدأه له رهانات وجودية لبلده ونظامه وحكمه، وأنه لا يستطيع تحمل خسارته وهو ما يثير المخاوف من أن يلجأ لاستخدام السلاح النووي، ردًا على خسائره الأخيرة.

ووصف الكاتب، اعتقاد البعض بأن الكرملين لن يلجأ إلى استخدام الأسلحة النووية في أوكرانيا مهما كانت الظروف، بالخاطئ، مشيرًا إلى أن حجج بوتين تعني أنه يضع هذا التصرف على أجندته.

في المقابل، فإن ثمانية أشهر من الحرب في أوكرانيا قدَّمت الكثير من الأمثلة على إشارة موسكو إلى خطوط حمراء، ثم عدم اتباعها.

ففي مارس الماضي، أصدرت موسكو تهديدًا بأنها تستهدف قوافل الأسلحة الغربية، التي تدخل أوكرانيا من دول الناتو، لكن من دون تأثير يذكر.

وفي سبتمبر، أعلنت أنها تستخدم جميع الوسائل المتاحة لها للدفاع عن المناطق الأوكرانية الأربع التي تم ضمها، إلا أنه عندما حررت القوات الأوكرانية، بعد أيام، مدينة ليمان في إحدى تلك المناطق، "دونيتسك"، لم تصعد روسيا الأمور.

بينما يشير آخرون إلى العقيدة الروسية التي نُشرت في يونيو 2020 والتي تسمح باستخدام الأسلحة النووية ضد قوة غير نووية، فقط إذا كان وجود الدولة الروسية بحد ذاته مُعرضًا للخطر.

ويرى هؤلاء أن هذا التعريف الغامض يعني أن الكرملين قد يستخدم الأسلحة النووية، إذا تعرضت الأراضي الروسية لهجوم، لكن بوتين لن يستخدمها للدفاع عن الأراضي التي تشكل -وفقًا للقانون الدولي- جزءًا من أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم.

ويرى البعض أيضًا أن بوتين لن يلجأ إلى استخدام هذا السلاح، خوفًا من رد الفعل السلبي، الذي يمكن أن تواجهه روسيا من شركائها الاقتصاديين المتبقين، خصوصًا الصين والهند وتركيا.

إضافة إلى ذلك، يرى بعض المحللين أن الفعالية الميدانية للجوء إلى الأسلحة النووية في أوكرانيا مشكوك فيها، إذ تتمتع القوات الأوكرانية بحركة جيدة، ما يعني أن الهجوم عليها بسلاح تكتيكي، مثل المدفعية النووية، يتطلب إطلاق الكثير من الجولات التي سيكون لها تأثير مشكوك فيه، وقد تعرض أيضًا القوات الروسية والسكان المدنيين في شبه جزيرة القرم والأراضي التي تم ضمها مؤخرًا للخطر.

ويقلل القادة الأوكرانيون وعامة السكان، من أهمية التأثير النفسي الذي يمكن أن يحدثه استخدام الأسلحة النووية.

ويضيف الكاتب: هناك أمل في أن الردع والرسائل الأمريكية ستؤثر في حسابات الكرملين، مشيرًا إلى أنه إذا هددت الولايات المتحدة كما اقترح بعض الجنرالات الأمريكيين المتقاعدين باستخدام القوة التقليدية الساحقة ضد الأصول العسكرية الروسية في أوكرانيا بما في ذلك في شبه جزيرة القرم كرد فعل على أي هجوم نووي، فإن بوتين سوف يتراجع.

ورغم أن كثيرين من الخبراء والمحللين والمراقبين يستبعدون لجوء الرئيس الروسي إلى السلاح النووي، فإن غابوف يرى أنه بالنظر إلى ما نعرفه عن الزعيم الروسي، لا دليل يشير إلى أنه مستعد لإخلاء الأراضي التي تم ضمها بشكل غير قانوني خصوصًا شبه جزيرة القرم، التي يعدها بوتين انتصارًا شخصيًا ببساطة.

وأشار إلى أنه إذا كان بوتين غير قادر على الدفاع عن شبه جزيرة القرم بشكل تقليدي، فإن عدم استخدام الوسائل المتاحة له، بما في ذلك الأسلحة النووية، قد يؤدي إلى اعتباره ضعيفًا في موسكو، وهو ما يمكن أن يعرض بقاءه السياسي المحلي للخطر.

ولتأكيد وجهة نظره بشأن إمكانية لجوء بوتين للسلاح النووي، يقول الكاتب: رسائل الكرملين الملتبسة عن خطوطه الحمراء، وفشله في فرضها، لا يعنيان أنها غير موجودة، ومن ثمّ ينبغي على أي شخص ألا يعبأ كثيرًا بالقيود المزعومة في العقيدة النووية الروسية.

وأشار إلى أنه رغم ذلك كما أوضح العديد من كبار المسؤولين الروس فإن العقيدة الروسية تسمح باستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن الأراضي الروسية ضد العدوان التقليدي.

وإن لغة هؤلاء المسؤولين الغامضة قد تمنح بوتين مساحة كبيرة للمناورة، وهو ما شوهد في الأحداث المتسلسلة في عهده، حيث تم ثني القوانين الروسية أو انتهاكها، بما في ذلك الدستور.

ويرى الكاتب، أنه من وجهة نظر موسكو ، فإن الأراضي التي تم ضمها بشكل غير قانوني تنتمي الآن إلى روسيا، وعليه، فإن خسارتهم في الحرب لا تعني سوى التفكير في الرد بكل الطرق، حتى باللجوء إلى السلاح النووي.

ويبيّن أن الطريقة التي استخدم بها كبار المسؤولين الأوكرانيين تأطير تفكك روسيا، كنتيجة مرغوبة للحرب ليست مفيدة، مشيرًا إلى أن ذلك يخدم اعتقاد بوتين الراسخ، بأن هدف الغرب في دعم أوكرانيا تغيير النظام في موسكو وتدميرها.

وعن رد الفعل الدولي، أشار الكاتب إلى أنه بالنسبة لرد فعل شركاء روسيا الرئيسين مثل الصين، فإن الكرملين يعلم جيدًا أن بكين لن تستخدم نفوذها الاقتصادي لردع روسيا.

ويحذر الرئيس الصيني شي جين بينغ من حرب نووية، لكنه لن يهدد الكرملين بقطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية، إذا استخدمت موسكو الأسلحة النووية في أوكرانيا.

وتدرك بكين أنه من غير المرجح أن تجني أي مكافأة من الولايات المتحدة، لممارسة الضغط على الكرملين، لإصلاح مشكلة تعدها الصين أمريكية الصُنع.

وأعربت الهند وتركيا عن قلقهما من التصعيد النووي المحتمل في أوكرانيا بعبارات غامضة فقط، وامتنعتا أيضًا عن الإشارة إلى أنهما قد تفرضان أي عواقب، إذا استخدمت روسيا بالفعل أسلحة الدمار الشامل.ويعتقد الكرملين بحسب الكاتب أن الدمار الذي أحدثه القصف الجوي الروسي للبنية التحتية الأوكرانية سيكون قرصة أذن للرئيس فولوديمير زيلينسكي والشعب الأوكراني، وسيجعلهم أكثر وضوحًا في تصميم بوتين على القتال بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك الأسلحة النووية لإنهاء الحرب لصالحه.

أخيرًا وفق غابوف تعتقد القيادة الروسية أنه لن يخاطر أي رئيس أمريكي بشن حرب نووية مع روسيا، دفاعًا عن دولة ليست عضوًا في الناتو، حتى لو كانت أوكرانيا ذاتها.

وفي مواجهة ذلك، يتصور الكرملين أن بايدن يفهم ذلك جيدًا، عندما يقول إن بوتين لا يمزح بشأن احتمال استعمال السلاح النووي التكتيكي في أوكرانيا.

يعتقد الروس أيضًا أن أي رد عسكري أمريكي على تصعيد نووي روسي سيكون على الأرجح تقليديًا، مثل الضربات الأمريكية لتدمير الأسطول الروسي في البحر الأسود، أو أهداف أخرى داخل حدود أوكرانيا المعترف بها دوليًا، لكن الكرملين يعتقد أيضًا أن واشنطن قد تُثبط حتى في هذا الرد، على افتراض أن هذه الإجراءات ستؤدي إلى مزيد من التصعيد الروسي.

أمام ذلك، ربما يرى بوتين أن الردع النووي الأمريكي في هذا السياق لا يعني الرد النووي إلا كملاذ أخير، حسب غابوف.يستلهم بوتين أيضًا من تجربته في التعامل مع الولايات المتحدة عام 2013، عندما أعلن الرئيس باراك أوباما أن استخدام الأسلحة الكيميائية خط أحمر لكنه فشل في التصرف عندما تجاوزه الرئيس السوري بشار الأسد، حيث فضّل البيت الأبيض التوصل إلى اتفاق مع الكرملين بشأن استخدام القوة العسكرية.

ويرى الكاتب، أن الحسابات في موسكو هي أن شيئًا مشابهًا سيحدث هذه المرة في إشارة إلى أن واشنطن قد تغض الطرف، حال لجوء بوتين لاستخدام السلاح النووي في أوكرانيا، كما حدث في سوريا.

ويؤكد غابوف، أن الضمانات المتاحة لا تعني أن بوتين سيستمر في ممارسة ضبط النفس النووي، منوهًا إلى أن الوضع العسكري يمكن أن يتدهور بسرعة كبيرة بالنسبة للكرملين، ومن ثم قد يتصرف بوتين على حين غرة، بسبب سلسلة من الانتكاسات من الخطوط الأمامية.

والأسوأ من ذلك أنه إذا نشأت أزمة نووية، فإن فرص نجاح الدبلوماسية ستكون انتهت، مشددًا على أن بوتين بعد الخسائر الأخيرةتخلى عن طموحاته القصوى لإخضاع أوكرانيا، ومن المرجح أن يستخدم أي وقف لإطلاق النار يوافق عليه الكرملين، كفرصة لإعادة بناء الآلة العسكرية الروسية والعودة إلى القتال.

من جانبه ، فإن زيلينسكي منسجم مع المشاعر السائدة بين الأوكرانيين المستعدين للقتال حتى النهاية، بعد رؤية جرائم الحرب في بوتشا وأماكن أخرى.

واتهمت أوكرانيا روسيا، بارتكاب "مجزرة متعمّدة" في بوتشا، وهي مدينة صغيرة واقعة شمالي غرب كييف، استعادتها القوات الأوكرانية وعثر في أحد شوارعها على جثث بلباس مدني، إضافة إلى عشرات الجثث الأخرى في مقبرة جماعية.

ويعتقد الكاتب، أنه مع تزايد الطموح الأوكراني بضرورة العودة إلى حدود عام 1991، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، فإنه من الممكن أن تكون هذه المنطقة المكان الذي تتصادم فيه الخطوط الحمراء لموسكو وكييف، مع عدم وجود فرصة أخرى للتوفيق بينهما.

أما النبأ السار فهو أنه، في الوقت الحالي، لم يلحظ مجتمع الاستخبارات الغربي أي تغييرات في الموقف النووي لروسيا، ومن ثمّ يبدو أن بوتين مقتنع بأن الأدوات التي يستخدمها بالفعل في أوكرانيا ستنجح في النهاية.