الناتو وروسيا.. الحقائق تنتصر على النووي في أزمة صاروخ بولندا
أعلنت بولندا أمس الأربعاء 15 تشرين الثاني/ نوفمبر أن صاروخا روسيا سقط في أراضيها، وأدى لمقتل شخصين من المدنيين. وألمحت المعلومات الأولية عن الهجوم إلى أن هذا الحادث ربما يؤدي إلى جعل الحسابات الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي(ناتو) تجاه الحرب في أوكرانيا أكثر تعقيدا بدرجة كبيرة.
فبولندا ، عموما، عضو في الناتو ولديها اتجاه شرس ضد روسيا في ثقافتها الاستراتيجية. ومن المواد الأساسية التي قام على أساسها الناتو المادة الخامسة التي تتضمن التزاما بالنسبة لجميع أعضاء الحلف بأن أي هجوم على أي دولة منها يعتبر هجوما على جميع دول الحلف. وإذا تم جمع كل هذه النقاط معا بمكن للمراقب العادي بسهولة القول أن الناتو على وشك الدخول في حرب.
وترى كاثلين جيه. إينس، وهي كبيرة زملاء في برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي ،و دانيال فاتا، المستشار غير المقيم ببرنامج الأمن الدولي بالمركز، أنه على أي حال، بدا أن الهجوم الصاروخي لم يكن هجوما روسيا مقصودا على الأراضي البولندية ولكنه نتيجة عرضية مأساوية لمحاولة القوات الأوكرانية الدفاع عن كييف في مواجهة وابل من نيران العدو. وعلى الرغم من أنه كانت هناك دعوات فورية من جانب الأطلسي إلى إظهار وحدة الحلف، اتضح أن الناتو فعل ما هو مطلوب منه فعله: وهو الحصول على الحقائق، والتحقق مما حدث، وبحث مسارات العمل الحكيمة الممكنة، وتنفس الصعداء.
وقال فاتا وإينس في تحليل نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن الناتو وضع نهجا متطورا فيما يتعلق بمساندة أوكرانيا مع البقاء بعيدا عن الحرب نفسها.فقد قامت الدول أعضاء الناتو كل على حدة بتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمساعدات العسكرية، لكن الحلف قصر عمله حتى اليوم على تزويدها بالدعم غير القاتل- ومن ثم فإنه ليس طرفا في الحرب.
ومع ذلك، فإن الحرب معقدة بطبيعتها وتنطوى على خلافات كثيرة. فهي تصيب البشر بالارتباك وتؤدي إلى فشل الأنظمة. وفي ضوء هذا، وفي ظل كميات الصواريخ الهائلة التي تمطر بها روسيا أوكرانيا، من الغريب إلى حد ما عدم وقوع حادث مثل هذا بالفعل. وتحديد هذا النوع من المواقف هو الذي يظهر وحدة المؤسسات مثل حلف الناتو. وبدلا من أن يقوم الناتو على الفور وبدون قصد بتصعيد الأزمة، اعتمد هو والأعضاء على روابط وعلاقات مؤسسية قائمة منذ عقود طويلة للتوصل إلى نهج متزن للموقف و قائم على أساس الحقائق.
ويقول فاتا وإينس إنه على الرغم من أن الناتو معروف بالتزامه بالدفاع الجماعي بمقتضى المادة الخامسة، هناك وسيلة أخرى قوية للتصرف في متناوله وهي آليات المشاورات الدفاعية التي تعتبر جزءا من المادة الخامسة. وهذ الآليات تتيح لدول الناتو التوصل لرأي مشترك للموقف والاتفاق على رد فعل منسق على نطاق الحلف في مواجهة الأزمات.
وليس من الواضح ما إذا كانت وارسو قد طلبت اللجوء لآلية المشاورات الدفاعية في أعقاب الهجوم الصاروخي. لكن في الأيام المقبلة سوف يبعث اجتماع القادة والمسؤولين العسكريين في الناتو لبحث ما يحتاج الحلف عمله في حالة أي أزمة مستقبلية من هذا النوع برسالة قوية إلى بوتين بأن الناتو ما زال متحدا. كما يمكن للناتو الاستفادة من آلية المشاورات لبحث التعامل مع الهجمات العرضية أو المقصودة على أراضي دول الناتو والتخطيط لذلك .
ومن الممكن أيضا أن يقوم الناتو والدول الأعضاء فيه بالاتفاق على زيادة وتدعيم وضعه العسكري بصورة دائمة على حدوده الشرقية. وردا على الغزو الروسي، شكل الناتو أربع مجموعات قتالية جديدة( سيكون مجموعها ثمان مجموعات) على طول جبهته الشرقية، ويزيد من عدد قواته عالية الاستعداد إلى 300 ألف. ومع ذلك يمكن عمل المزيد، بما في ذلك من خلال تعزيز الدفاعات الجوية والمرابطة الدائمة لقوات الناتو في الدول الشرقية اعضاء الحلف.
ومن المرجح أن تكون مثل هذه الخطوات هي أسوأ سيناريو بالنسبة لبوتين ، الذي يتمثل هدفه المحدد منذ وقت طويل في تقويض قوة الناتو والولايات المتحدة، خاصة في أوروبا الشرقية. وقد يرى البعض في واشنطن أن مثل هذه التعزيزات في الوضع الأمريكي في شرق الناتو تعتبر تشتيتا للإهتمام بالعمل لمواجهة الصين في منطقة آسيا- المحيط الهادىء.
ومع ذلك فإن أي رد أمريكي على أي عدوان صيني في منطقة آسيا- المحيط الهادىء سوف يتطلب دعما سياسيا من حلفاء الناتو على أقل تقدير؛ ومن ثم من المهم أن يظل الناتو حيويا بقدر الإمكان في أوقات الأزمات.
وبالإضافة إلى ذلك، بينما يلوح سيناريو غزو تايوان في الأفق، تقوم روسيا بنشاط الآن بتقطيع أوصال أراضي الدول المجاورة. وفي بعض الأوقات، من الحكمة إعطاء الأولوية للحرب المتوقعة في الأمد القريب.
ويعتبر الناتو على حق في عدم المبالغة في رد الفعل تجاه تصرفات بوتين. وبمعنى آخر، وباعتبار الناتو هيئة هدفها تعزيز الأمن عبر الاطلسي، تصرف الناتو بشكل يثير الإعجاب. وفي المستقبل، يتمثل أفضل رد على العدوان العسكري المستمر من جانب بوتين في إظهار العزيمة من خلال تدعيم وضع الناتو في شرق أوروبا،والبقاء موحدا في موقفه ضد حرب روسيا ضد دولة ذات سيادة، وضمان امتلاك أوكرانيا للآليات والمنصات التي تحتاجها للدفاع عن نفسها وإنهاء حرب العدوان ضدها.