الشيخ أحمد علي تركي يكتب: البنات نعمة مهداة
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا :
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ:
مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ، كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ .
فَمِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الْعَبْدِ: الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ وَمِنْ هَذِهِ الذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ: الرِّزْقُ بِالْبَنَاتِ، وَهِيَ النِّعْمَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي مَعْرِضِ الاِمْتِنَانِ عَلَى عِبَادِهِ، وَوَصَفَهَا بِالْهِبَةِ .
قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾
الشورى: 49
وَذَلِكَ لِعِظَمِ مَكَانَةِ الْبَنَاتِ، وَمَنْزِلَتِهِنَّ السَّامِيَةِ، وَبَرَكَتِهِنَّ الْمُتَعَدِّيَةِ؛ فَهُنَّ سِتْرٌ لِلْوَالِدَيْنِ مِنَ النَّارِ، كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ:
مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ .
لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا بَلْوَى الشَّرِّ، لَكِنَّ الْمُرَادَ: مَنْ قُدِّرَ لَهُ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:
﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾
الأنبياء: 35
فَنِعْمَةُ الرِّزْقِ بِالْبَنَاتِ نِعْمَةٌ لاَ تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ لِمَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِنَّ وَقَامَ بِمُؤْنَتِهِنَّ، وَأَحْسَنَ تَرْبِيَتَهُنَّ .
فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ .
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
مَنْ كَانَ لَهُ ثَلاَثُ بَنَاتٍ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ كُنَّ حِجَابًا مِنَ النَّارِ .
صححه الشيخ الألباني في الصحيحة
وَكَمَا أَنَّ الرِّزْقَ بِالْبَنَاتِ نِعْمَةٌ، فَلَهُنَّ عَلَى آبَائِهِنَّ حَقٌّ مَعْلُومٌ، وَوَاجِبٌ مَحْتُومٌ، مَنْ فَرَّطَ فِي حَقِّهِنَّ فَهُوَ الظَّلُومُ الْمَحْرُومُ .
قَالَ تَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾
التحريم: 6
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :
كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ...
الحديث متفق عليه
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :
إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ، حَتَّى يَسْأَلَ الرَّجُلَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ .
رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ
فَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَجِبُ عَلَى الأَبِ تِجَاهَ بَنَاتِهِ: الرَّحْمَةُ بِهِنَّ، وَالْعَطْفُ عَلَيْهِنَّ ، وَالتَّوَاضُعُ لَهُنَّ، وَإِكْرَامُهُنَّ، وَالتَّدَرُّجُ فِي تَوْجِيهِهِنَّ .
تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :
مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلاًّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ؛ كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا .
رواه أبو داود، وصححه ابن مفلح في الآداب الشرعية .
وَمِنْ أَعْظَمِ مَا يَجِبُ عَلَى الأَبِ تِجَاهَ بَنَاتِهِ: غَرْسُ حُبِّ اللهِ وَحُبِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَمَ وَالَّتِي مِنْ آثَارِ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ:
إِخْلاَصُ الْعَمَلِ للهِ، وَصِدْقُ الْمُتَابَعَةِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلُ الطَّاعَاتِ، وَالْبُعْدُ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ ، وَتَنْمِيَةُ مُرَاقَبَةِ اللهِ عِنْدَهُنَّ؛ حَيْثُ تُصْبِحُ الْبِنْتُ رَقِيبةً عَلَى نَفْسِهَا بَصِيرةً بِهَا وَذَلِكَ مِنْ خِلاَلِ تَعْظِيمِ اللهِ وَخَشْيَتِهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ.
وَمِنْ أَعْظمِ مَا يَجِبُ عَلَى الأَبِ تِجَاهَ بَنَاتِهِ: غَرْسُ خَصْلَةِ الْحَيَاءِ فِي السُّلُوكِ وَاللِّبَاسِ، وَطَرِيقَةِ التَّعَامُلِ مَعَ الآخَرِينَ؛ فَالْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ، وَهُوَ بَعْدَ تَوْفِيقِ اللهِ الْحِصْنُ الْمَنِيعُ، وَالْحَارِسُ الأَمِينُ، وَالسِّيَاجُ الَّذِي يَصُونُ كَرَامَةَ الْفَتَاةِ أَمَامَ دُعَاةِ التَّغْرِيبِ عَبْرَ وَسَائِلِهِمُ الْمُخْتَلِفَةِ.
اللَّهُمَّ أَقِرَّ أَعْيُنَنَا بِصَلاَحِ أَبْنَائِنَا وِبَنَاتِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَأَقَارِبِنَا وَإِخْوَانِنَا الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ ثِمَارِ التَّرْبِيَةِ الصَّالِحَةِ لِلأَبْنَاءِ عُمُومًا وِالْبَنَاتِ خُصُوصًا: أَنَّهَا نَفْعٌ لَهُنَّ وَلِوَالِدِيهِنَّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ فَكُلُّ عَمَلٍ صَالِحٍ تُرَبِّي أَبْنَاءَكَ عَلَيْهِ يَكُونُ لَكَ مِثْلُ أَجْرِهِ؛ حَيْثُ إِنَّ الأَجْرَ مُشْتَرَكٌ لَكَ وَلَهُ، لَهُ الأَجْرُ عَلَى فِعْلِهِ، وَلَكَ الأَجْرُ عَلَى الدَّلاَلَةِ عَلَى هَذَا الْخَيْرِ كَمَا قَالَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ :
مَنْ دَلَّ علَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ .
رواه مسلم
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ لاَ يَنْقَطِعُ حَتَّى بَعْدَ وَفَاةِ الْوَالِدَيْنِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:
إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ .
رواه مسلم
وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى.
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى، وَاحْرِصُوا عَلَى تَرْبِيَةِ بَنَاتِكُمْ، وَاسْتَثْمِرُوا فِيهَنَّ أَوْقَاتَكُمْ ؛ فَإِنَّهُ الْخَيْرُ الْعَظِيمُ، وَالأَجْرُ الْعَمِيمُ مِنَ الْجَوادِ الْكَرِيمِ.