جريدة الديار
الأحد 1 ديسمبر 2024 06:41 صـ 30 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: السادس من أكتوبر

يحتفل المصريون بذكرى نصر حرب أكتوبر المجيدة، تلك الحرب التى كانت دفاعًا عن الدين والوطن والعرض .

حيث يُعدُّ نصرُ أكتوبر العظيم ملحمةً عسكريةً عظيمةً سطَّرها الجيشُ المصري الأَبِيُ العظيم برجاله البواسل، وباقتحامه لخط بارليف، حطَّم الهالةَ التي وضعها الجيش الصهيوني لنفسه والتي روَّج من خلالها لـ أسطورة «الجيش الذي لا يقهر».

تلك الحرب التى كانت فى العاشر من رمضان

" شهر رمضان " أثناء الصيام .

فى حرب السادس من أكتوبر أعاد الجيش المصرى ذاكرة وملحمة انتصارات مصر التاريخية والتى لن تكون آخر تلك الانتصارات وسوف تستمر وتتواصل تلك الانتصارات فى الحاضر والمستقبل القريب والبعيد كما أخبر بذلك نبى ورسول الإسلام الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم محدثاً عن الخالق الأعظم سبحانه وتعالى بأن مصر وشعبها وجندها فى رباط إلى يوم القيامة .

وقد حققت انتصارات حرب أكتوبر المجيدة العديد من الانتصارات والدروس الخالدة والراسخة والدائمة فى ذاكرة التاريخ لمصر والعرب والعالم وللإسلام والمسلمين فى شتى ربوع الأرض .

إن انتصار أكتوبر المجيد هو يوم خالد ومشهود من أيام مصر والعروبة والإسلام التاريخية كما أن عبور القوات المسلحة المصرية قناة السويس وتحطيم خط بارليف الحصين هو مشهد آخر من مشاهد الإرادة والعزيمة الصادقة للشعب والجيش المصرى .

كما أنه عبور من الهزيمة إلى الانتصار ومن اليأس إلى الأمل ومن الظلام إلى النور ومن الذل والمهانة إلى العزة والكرامة .

كما أن مشاهد عبور مصر اليوم وفى المستقبل القريب والبعيد يجب أن تكون عبور الأمة والشعب والدولة والوطن والمواطن معاً من مصاف الدول الفقيرة والنامية إلى مصاف الدول الغنية والناهضة والمتقدمة .

إن حرب أكتوبر هي إحدى جولات الصراع العربي الإسرائيلي، حيث خططت القيادة المصرية مع السورية لشن حرب في وقت واحد على إسرائيل بهدف استرداد شبه جزيرة سيناء والجولان التي سبق أن احتلتهما إسرائيل في حرب 1967، وقد كانت المحصلة النهائية للحرب هي تدمير خط بارليف في سيناء وخط آلون في الجولان، وكانت إسرائيل قد أمضت السنوات الست التي تلت حرب يونيو في تحصين مراكزها في الجولان وسيناء، وأنفقت مبالغ ضخمة لدعم سلسلة من التحصينات على مواقعها في مناطق مرتفعات الجولان وفي قناة السويس، فيما عرف بخط بارليف.

تلك الحرب التى اجتمعت فيها الروح القتالية والدبلوماسية الرائعة التى خاضت حروبًا لا تقل أهمية عن الحروب التى خاضتها العسكرية، ونجحت فى استراد آخر شبر من الأراضى المصرية ورفرفة العلم المصرى عليها، لتثبت عدة نجاحات وقف التاريخ معظما أمامها وتحقق إنجازات شارك فيها الجميع، عسكريين ومدنيين، ووصلت لجميع طبقات الشعب كافة .

أثبتت حرب السادس من اكتوبر المجيد للعالم أجمع قدرة المصريين على إنجاز عمل جسور من خلال دقة الإعداد والتخطيط، وبسالة الأداء والتنفيذ، مما أكد للجميع أن الشعب المصرى ضرب أروع صور البطولة ووقف إلى جوار قواته المسلحة داعما ومساندا.

لقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل مصر سيكونون على امتداد تاريخ الإسلام القوة الضاربة دفاعا عن ديار الإسلام في مواجهة التحديات والغزوات .

جاء في كنز العمال أنه صلى الله عليه وسلم قال لصحابته:

إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض .

فلما سأله أبو بكر الصديق :

ولم ذلك يا رسول الله ؟

قال: لأنهم في رباط إلي يوم القيامة .

ولقد صدق التاريخ على نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالجند الذين خرجوا من مصر هم الذين هزموا الصليبيين، وحرروا القدس من الاغتصاب الصليبي .

وهم أيضاً الذين حرروا الأراضى المصرية من أيد أعداء الإسلام الجيش الصهيوني وانتصروا عليهم فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر المجيد .

والجند الذين خرجوا من مصر هم الذين كسروا شوكة التتار في عين جالوت سنة 658هـ سنة 1260م فأنقذوا الحضارة من الدمار وحافظوا على الإسلام .

والجند الذين خرجوا من مصر سنة 910هـ سنة 1504م هم الذين حاربوا طلائع الغزوة الصليبية الحديثة على شواطئ الهند المسلمة عندما حاربوا البرتغاليين الذين التفوا حول العالم الإسلامي تمهيدا لغزو قلبه واغتصاب القدس من جديد .

كما أن مصر وأجنادها قد مثلت القيادة لحركات التحرر الوطني في عصرنا الحديث، والقوة المرابطة على جبهة التحرير للقدس وفلسطين من الاغتصاب الصهيوني .

ولقد روت كتب فضائل مصر دعاء سيدنا نوح عليه السلام لمصر التي سميت باسم حفيده الذي سكنها بعد الطوفان ولقد جاء في دعائه لحفيده ولأهل مصر ولجند مصر :

اللهم بارك في ذريته ، وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمن البلاد وغوث العباد ، ونهرها أفضل أنهار الدنيا ، واجعل فيها أفضل البركات.

ولقد وصف عمرو بن العاص هذا البلد الأمين فقال :

إنَّ ولاية مصر جامعة تعدل خلافة .

أما ابنه عبدالله فلقد وصف أهلها فقال :

إنهم أكرم الأعاجم محتدا، وأسمحهم يدا، وأفضلهم عنصرا، وأقربهم رحما بالعرب كافة، وبقريش خاصة، ومن أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضر زروعها، ويزهر ربيعها، وتكسى بالنوار أشجارها، وتغني أطيارها.

أما الصحابي كعب الأحبار [32هـ 652م] فقال فيها:

إني لأحب مصر وأهلها، لأن أهلها أهل عافية ومن أرادها بسوء كبه الله على وجهه .

وهكذا امتازت مصر وتميزت في القرآن والسنة وهكذا أصبحت فضائلها فنا من فنون تاريخ الإسلام .

إنَّ مصر مقبرة الغزاة ويتميَّز أهلها بقتال المعتدين والمحتلِّين ، وكانت تُرسل المجاهدين لمقاومة الحملات الصَّليبيَّة وتصدَّت للحملة الفرنسيَّة حتَّى أخرجتها وهي صاغرة، ووقفت للاستعمار البريطانيِّ وأخرجته رغماً عن أنفه، وواجهت العدوان الثُّلاثي الغاشم عليها بكلِّ قوَّة وعنف وصلف، وحررت الأراضى المصرية من أيد أعداء الإسلام والمسلمين من يد اليهود الغاصبين فى السادس من اكتوبر المجيد .

ويوجد في أهل مصر من العاطفة الدِّينيَّة الجيَّاشة؛ لو قسمت على المسلمين جميعاً لوسعتهم، لو قلت لواحد منهم واعظاً له: اتق الله رجف قلبه، ودمعت عينه، وتراجع عن خطئه .

ونحن على ثقة تامَّة بأنَّ الجيش المصريَّ سيكون في مقدِّمة الجيوش الزَّاحفة لتحرير الأقصى السَّليب من أبناء القردة والخنازير وسيلقن الجيش المصريُّ اليهود درساً لن ينسوه بحول الله وقوَّته .

إن لك يا مصر في عالم البطولة قصة، وفي دنيا التضحيات مكان، وفي مسار العبقريات كرسي لا يُنسى .

إن مصر بلداً معطاءً يدفع الغالي والرخيص لإنقاذ العرب والإسلام .

إن جهاد مصر ضد اليهود المغتصبين فى حرب السادس من اكتوبر المجيد وكلكم يعلم أن العالم الإسلامي حارب إسرائيل ما يقارب أربعين سنة، فكانت مصر أكثر الأمة جراحاً، وأعظمها تضحيةً، وأكبرها إنفاقاً، وأجلها مصيبةً .

قدمت ولا زالت تقدم آلاف وملايين الأبناء البررة المؤمنين .

إن حرب أكتوبر كانت تعبيرا صادقا وحيا وواقعيا عن إرادة رفض الهزيمة والاستسلام بعد هزيمة 1967 واستنهاض مقومات ومقدرات أمة عريقة هي الأمة العربية على الصمود والتحدي وصنع إرادة النصر من جديد في حرب أكتوبر 1973.

وهذه المعاني ليست كلمات معنوية أو إنشائية ولكنها تعبير عن قيم استراتيجية وفكر سياسي قويم وسديد.

وستبقى حرب أكتوبر المجيدة واحدة من الذكريات المضيئة والخالدة فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، وفى ذاكرة كل مصرى وعربى كنموذج للفخر والعزة والكرامة.