الشيخ أحمد على تركي: صُحْبَةُ الصَّالِحِينَ وَمْنَفَعَتُهَا فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ
اَلصُّحْبَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ عَلَاقَةٌ وَثِيقَةٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، تَتَمَيَّزُ بِأَسْمَى مَشَاعِرِ الْمَحَبَّةِ وَالِاهْتِمَامِ وَالنُّصْحِ وَالِاحْتِرَامِ الْمُتَبَادَلِ.
وَلِلصُّحْبَةِ الصَّالِحَةِ أَهَمِّيَّةٌ كُبْرَى فِي حَيَاتِنَا، لِمَا لَهَا مِنْ تَأْثِيرٍ إِيجَابِيٍّ عَلَى سُلُوكِيَّاتِنَا .
قَالَ ابْنُ خَلْدُونٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُقَدِّمَتِهِ:
إِنَّ الْإِنْسَانَ اجْتِمَاعِيٌّ بِطَبْعِهِ.
يَعْنِي: أَنَّ الِانْسَانَ فَطَرَهُ اللَّهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْعَيْشِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَ التَّعَامُلِ مَعَ الْآخَرِينَ، وَالِاسْتِئْنَاسِ بِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ النَّاسِ وَالتَّأَثُّرِ بِهِمْ، وَبِذَلِكَ تَتَكَوَّنُ مَعَالِمُ شَخْصِيَّتِهِ، فَإِنْ صَاحَبَ الْأَخْيَارَ اِكْتَسَبَ مِنْهُمُ الْخَيْرَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَهُ، وَإِنْ صَاحَبَ الْأَشْرَارَ اِكْتَسَبَ مِنْهُمُ الشَّرَّ الَّذِي يَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ وَيَضُرُّ بِهِ غَيْرَهُ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ أَيْ: يُعْطِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِـذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
اَلرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ.
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ ﷺ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ يَعْنِي: عَلَى سِيرَةِ صَاحِبِهِ، فَإِنْ صَاحَبَ الْأَخْيَارَ أَحَبَّ الْخَيْرَ وَعَمِلَ بِهِ، وَإِنْ صَاحَبَ الْأَشْرَارَ أَحَبَّ الشَّرَّ وَعَمِلَ بِهِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ الْمَشْهُورَةِ اَلصَّاحِبُ سَاحِبٌ، فَاخْتَرْ مِنْ تُصَاحِبُ.
لَقَدْ أَوْلَى دِينُ الْإِسْلَامِ لِلصُّحْبَةِ أَهَمِّيَّةً كُبْرَى، فَدَعَانَا إِلَى اخْتِيَارِ الْأَصْحَابِ الْأَبْرَارِ، وَمُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ الْأَخْيَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ الْمُخْتَارَ:
وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
وَرَوَى أَبُو يَعْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ جُلَسَائِنَا خَيْرٌ؟
قَالَ: مَنْ ذَكَّرَكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ، وَزَادَ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وَذَكَّرَكُمْ بِالْآخِرَةِ عَمَلُهُ .
وَقَالَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أُعْطِيَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ نِعْمَةً خَيْرًا مِنْ أَخٍ صَالِحٍ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ وُدًّا مِنْ أَخِيهِ فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ.
وَقَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَيْكُمْ بِالْإِخْوَانِ، فَإِنَّهُمْ عُدَّةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ النَّارِ :
فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْحِكَمِ :
لَا تَصْحَبْ مَنْ لَّا يُنْهِضُكَ حَالُهُ، وَلَا يَدُلُّكَ عَلَى اللَّهِ مَقَالُهُ.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
إِنَّكَ أَنْ تَنْقُلَ الْحِجَارَةَ مَعَ الْأَبْرَارِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَأْكُلَ الْخَبِيصَ يَعْنِي الْحَلْوَى مَعَ الْفُجَّارِ.
مَنْفَعَةُ صُحْبَةِ الصَّالِحِينَ :
رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ.
وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّاحِبَ الْمُخْلِصَ يُحِبُّ إِيصَالَ الْخَيْرَ إِلَى صَاحِبِهِ، وَيْسَعَى إِلَى نَفْعِهِ بِكُلِّ الْوَسَائِلِ الْمُتَاحَةِ بِيَدِهِ، فَعَلَى مُسْتَوَى الدُّنْيَا يَكُونُ الصَّاحِبُ وَاقِفاً إِلَى جَانِبِ صَاحِبِهِ فِي مِحَنِهِ وَشَدَائِدِهِ، وَيُسَاعِدُهُ عَلَى تَجَاوُزِ الْمَرَاحِلِ الصَّعْبَةِ فِي حَيَاتِهِ .
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:
مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى.
وَعَلَى مُسْتَوَى الدِّينِ يَكُونُ الصَّاحِبُ مِرْآةً لِصَاحِبِهِ، يُبَصِّرُهُ بِعُيُوبِهِ، وَيُسَاعِدُهُ فِي إِعَادَةِ تَرْتِيبِ شُؤُونِهِ، لِكَيْ يَبْقَى عَلَى الْمَسَارِ الصَّحِيحِ فِي كُلِّ أَوْقَاتِهِ، بَعِيدًا عَنِ الْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ، وَمُتَرَفِّعًا عَنْ كُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يُغْضِبُ رَبَّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ .
رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ :
اَلْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ .
فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاحْرِصُواْ عَلَى صُحْبَةِ الْأَخْيَارِ، تَسْعَدُواْ فِي الدُّنْيَا وَدَارِ الْقَرَارِ.