شعر بقلم هنيبعل كرم: قائدُ الفيلقِ الأخير
لمْ أُخلَقْ من عدمٍ...
وُلِدتُ من ترابٍ أعُدُّ النُّجوم،
مُرًّا كعلْقمٍ،
واقعيًّا كالحبِّ في جيوبِ الفقراء،
حالمًا كرصيفٍ يطيرُ،
وصاخبًا كسفينةٍ تجنُّ في ظهرِ البحرِ
فيقلبُها...
هكذا أنا
غيمةً غيمةً أُعِدُّ النّجومَ لعينَيكِ الجميلتَين،
والنّجومُ نعناعٌ وسكّرْ...
أحلامي
هذي الشّرفاتُ تدلّت وجوهًا فضيّةً
تغازِلُ الإسفلت في صدري
وأكثرْ...
أفتحُ للهواءِ رئةً،
أضمّدُ شهقةً
بينها والضّمادِ تفتَّقَ وطنٌ وأزهرْ...
تعالَي نَتْلُ الأمنياتِ لعامِ بعد الحربِ:
"فَلْتَمُتِ الجَرادةُ على شجرِ اللّغةِ والشّعر،
والعنكبوتُ على أفواهِ العبيد،
والقمرُ... لتسقطَ الذّئابُ
وتمطرَ الغيومُ حليبًا
وحِبرًا يكتبُ التّاريخَ من جديد"...
هل تسمعين...؟
وَرَقُ الخريفِ في يَدِي
موسيقى تلِدُ الرّياحَ من عصا
قائدٍ مرفوعةٍ إلى السّماء...
خطاهُ إيقاعُ جنادبِ الحقول،
صوتُه زمانٌ مضى
وجنديٌّ وقفَ في السّاعةِ الصّفرِ
يسألُ عنِ الرّفاق،
كانت وجوهُهم يابسةً لا تموت،
وقلوبُهم خضراءَ كالحبِّ
حينَ هوتِ الجبالُ
من فمِ السّماءِ نَيازكَ على عَباءَةِ اللّيل...
الآنَ... دعيني
أرحلُ إلى الأرضِ التي رحلتْ في عباءةِ جَدّي،
كلُّ شيٍ يعْصِرني في دمي:
القنديلُ المُطفَأ فوق الباب،
المفتاحُ المعلّقُ بالموتِ المؤجّلِ،
العرقُ فوقَ الجبينِ،
والنّساءُ اللّاتي يذْكُرْنَني بابتسامةٍ
تلدُ ألفَ جرحٍ...
كلُّها واقعيَّةٌ كنشرةِ الأخبار...!
لا، لمْ أُخلقْ من عدمٍ لتقولي:
"غريبٌ أنتَ!
يُغريكَ المَقهى، لا تُغريكَ النّساء!"،
بلْ تحتَ زيتونةٍ
جَمَعني النّملُ والنّحلُ من الصّعترِ البرّيّ...
دعيني أحبُّكِ كما أعرفُ،
أمسحُ يديَّ من أوهامِ القبائلِ،
أنتظرُ اشتعالَ الأرضِ كلِّها،
وَجْهي، ذاكَ المُدَمَّى، قائدُ الفيلقِ الأخير...