الشيخ أحمد علي تركي يكتب: فَضْلُ الْجِهَادِ وَالشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
قَدِ امْتَحَنَ اللهُ جَلَّ وَعَلَا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّلَاةِ وَالسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ فَاسْتَجَابُوا طَائِعِينَ وَامْتَحَنَهُمْ بِالزَّكَاةِ وَدَفْعِ الْمَالِ فَاسْتَجَابُوا طَائِعِينَ وَامْتَحَنَهُمْ بِالْحَجِّ وَالصَّوْمِ وَتَرْكِ الشَّهَوَاتِ فَلَبَّوْا كَذَلِكَ طَائِعِينَ.
ثُمَّ جَاءَ الِامْتِحَانُ الْأَكْبَرُ وَالِاخْتِبَارُ الْأَعْظَمُ فَكَانَ أَنْ طَلَبَ مِنْهُمْ أَرْوَاحَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ يَبْذُلُونَهَا فِي سَاحَاتِ الْجِهَادِ فَتَقَدَّمَ أَقْوَامٌ وَتَأخَّرَ آخَرُونَ.
تَأَخَّرَ الْمُنَافِقُونَ: {وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ}
[التوبة: 86]
وَتَقَدَّمَ الصَّادِقُونَ قَالَ جَلَّ وَعَلَا :
{لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
[التوبة: 88]
فَفَرَّقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْجِهَادِ بَيْنَ الصَّادِقِينَ وَالْكَاذِبِينَ بَيْنَ الْمُحِبِّينَ للهِ وَرَسولِهِ ﷺ وَالْمُدَّعِينَ .
إِنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ هُوَ أَعْظَمُ الْأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا وَهُوَ أَيْسَرُ الطُّرُقِ إِلَى رِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى وَالْجَنَّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
لَوْلا أَنْ يَشُقَّ عَلَى المُسلِمِينَ مَا قَعَدْتُ خِلافَ سَرِيَّةٍ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوَدَدْتُ أَنِّي أَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلَ ثُمَّ أَغْزُو فَأُقْتَلَ .
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
وَلَمَّا كَانَ الْجِهَادُ بَذْلَ أَعْظَمِ وَأَنْفَسِ مَا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ أَنْفُسَهُمْ يَبْذُلُونهَا دُونَ خَوْفٍ وَلَا تَرَدُّدٍ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ بَذْلُ الْأَمْوَالِ وَتَرْكُ الزَّوْجَاتِ وَالذُّرِّيَّاتِ ، وَهَجْرُ الْمَسَاكِنِ وَالْأَوْطَانِ وَالْمَلَذَّاتِ .
وَلَمَّا كَانَ فِيهِ قَتْلُ الْأَنْفُسِ وَإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ كَانَ حَرِيًّا بِالشَّرْعِ أَنْ يَضَعَ لَهُ أَعْظَمَ الضَّوَابِطِ وَأَقْوَى الْأَحْكَامِ ؛ حَتَّى لَا تُرَاقَ الدِّمَاءُ فِي كُلِّ وَادٍ وَبِكُلِّ سَبِيلٍ وَحَتَّى لَا يَخْتَلِطَ الْحَابِلُ بِالنَّابِلِ وَلَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ .
إِنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَرْوَاحَهُمْ هِيَ أَعْظَمُ شَيْءٍ عِنْدَ اللهِ لِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :
لَزَوَالُ الدُّنيَا أَهوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ ﷺ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ :
مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ وَمَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَقَدْ بَيَّنَ الدِّينُ الْعَظِيمُ أَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ غَايَةً فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ .
فَالْجِهَادُ لَيْسَ هَدَفًا فِي ذَاتِهِ وَلَا غَايَةً ، إِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ لِرَفْعِ رَايَةِ الدِّينِ وَهُوَ وَسِيلَةٌ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
#مَنْزِلَةُ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ :
قَالَ تَعَالَى :
{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
[آل عمران: 169]
وَلَا تَظُنَّنَّ يَا رَسُولَ اللهِ ، وَيَا كُلَّ مُؤْمِنٍ مِنْ أُمَّتِهِ أَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا كَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي سَبِيلِ اللهِ، بَلْ هُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ فِي مَحَلِّ كَرَامَتِهِ وَفَضْلِهِ يُرْزَقُونَ وَيَأْكُلُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَتُحَفِهَا .
إِنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَانُوا رِجَالًا صَابِرِينَ،
إِنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الَّتِي يَحْيَوْنَهَا يَشْعُرُونَ بِسَعَادَةٍ عَظِيمَةٍ بِمَا أَعْطَاهُمُ اللهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ فِي دَارِ النَّعِيمِ .
{فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)}
[آل عمران: 170]
وَهُمْ يَفْرَحُونَ بِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَرَكُوهُمْ أَحْيَاءً فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنْهَجِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ ؛ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ إِذَا اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ الله مُخْلِصِينَ لَهُ لَحِقُوا بِهِمْ ، وَنَالُوا مِنَ الْكَرَامَةِ مِثْلَ الَّذِينَ نَالُوهُ ، وَأَنَّهُمْ لَا خَوْفَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهُمْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ، وَلَا يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنَ الدُّنْيَا .
#هَلْ يُحْكَمُ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِالشَّهَادَةِ ؟
#هَلْ يُقَالُ فُلَانٌ شَهِيدٌ ؟
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ :
تَقُولُونَ فِي مَغَازِيكُمْ يَعْنِي فِي غَزَوَاتِكُمْ تَقُولُونَ :
فُلَانٌ شَهِيدٌ وَمَاتَ فُلَانٌ شَهِيدًا وَلَعَلَّهُ قَدْ يَكُونُ قَدْ أَوْقَرَ رَاحِلَتَهُ يَعْنِي حَمَّلَهَا وِقْرًا .
وَالْوِقْرُ هُوَ الْحِمْلُ الثَّقِيلُ .
أَلَا لَا تَقُولُوا ذَلِكُمْ ، وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ :
مَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ قُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ .
وَهَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُور فِي سُنَنِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :
مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ :
بَابٌ : لَا يُقَالُ فُلَانٌ شَهِيدٌ .
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ :
اللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ أَيْ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِهِ .
فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُحِبَّ بَلَدَهُ الْإِسْلَامِيَّ، وَأَنْ يُدَافِعَ عَنْهُ ، وَأَنْ يَمُوتَ دُونَهُ ؛ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْأَرْضُ مَالٌ ، فَمَنْ مَاتَ دُونَ مَالِهِ فَهُو شَهِيدٌ .
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ هَذَا الْبَلَدَ وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِحِفْظِهِ الْجَمِيلِ ، وَأَنْ يُنَجِّيَهُ وَجَيْشَهُ الْبَاسِلَ مِنْ خِيَانَةِ الْخَائِنِينَ وَكَيْدِ الْكَائِدِينَ وَحِقْدِ الْحَاقِدِينَ وَائْتِمَارِ الْمُؤْتَمِرِينَ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِين .
الشيخ أحمد علي تركي
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف