جريدة الديار
الجمعة 22 نوفمبر 2024 07:27 صـ 21 جمادى أول 1446 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

الشيخ أحمد علي تركي يكتب: خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ

الشيخ أحمد علي تركي
الشيخ أحمد علي تركي

نَعِيشُ هَذِهِ الأَيَّامَ الْمُبَارَكَةَ مَعَ أَعْظَمِ وَأَفْضَلِ أَيَّامِ الْعَامِ‏ ؛ بَلْ فَضَّلَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ‏نَهَارَهَا عَلَى سَائِرِ أَيَّامِ الْعَامِ حَتَّى عَلَى الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، وَقَدْ مَضَى أَوَّلُهَا وَسَيَمْضِي آخِرُهَا وَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا قَدَّمَ ؛ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ .

وَقَدْ جَاءَ فِي بَيَانِ فَضْلِهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ :

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ يَعْنِي : أَيَّامَ الْعَشْرِ .

قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟ قَالَ : وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ .

[ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ]

وَفِيِ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ ؛ الْيَوْمُ الَّذِي أَكْمَلَ اللهُ فِيهِ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الدِّينَ ، وَأَتَمَّ فِيهِ عَلَيْهِمُ النِّعْمَةَ فَفِيهِ نَزَلَ قَوْلُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا :

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}

[المائدة: 3]

فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ بَعْدَهَا وَاحِدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا .

قَالَ الْبَغَوِيُّ :

فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَعْيَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ :

جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؛ إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ آيَةً فِي كِتَابِكُمْ لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا .

قَالَ : وَأَيُّ آيَةٍ ؟

قَالَ : قَوْلُهُ :

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}

فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :

وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسَّاعَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ .

وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ :

إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ ؛ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَةَ .

وَيَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ وَالْمَغْفِرَةِ لِلسَّيِّئَاتِ وَيَوْمُ الْجُودِ مِنْ رَبِّنَا سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَيَوْمُ مُبَاهَاتِهِ بِهِمْ مَلاَئِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ وَيَوْمُ نُزُولِ رَبِّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا نُزُولًا حَقِيقِيًّا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ ، وَدُنُوِّهِ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ بِسَنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ يَقُولُ : مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

إِنَّ اللهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمْ : انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا .

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :

وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ وَقَدْ كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَؤُوبَ فَقَالَ : يَا بِلَالُ ! أَنْصِتْ لِيَ النَّاسَ .

فَقَامَ بِلَالٌ فَقَالَ : أَنْصِتُوا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْصَتَ النَّاسُ .

فَقَالَ : مَعَاشِرَ النَّاسِ ! أَتَانِي جِبْرِيلُ آنِفًا فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّي السَّلَامَ وَقَالَ : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ غَفَرَ لِأَهْلِ عَرَفَاتٍ وَأَهْلِ الْمَشْعَرِ وَضَمِنَ عَنْهُمُ التَّبِعَاتِ .

فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ! هَذِا لَنَا خَاصَّةً ؟

قَالَ : هَذَا لَكُمْ ، وَلِمَنْ أَتَى مِنْ بَعْدِكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : كَثُرَ خَيْرُ اللهِ وَطَابَ .

وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ

وَيَوْمُ عَرَفَةَ فِيهِ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ وَأَوْفَرُ الإِجَابَةِ مِنْ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ .

فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي : لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

وَيَوْمُ عَرَفَةَ قَدْ رُتِّبَ عَلَى صِيَامِهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ الأَجْرُ الْعَظِيمُ .

فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ .

اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى شَرَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِ غَدٍ التَّقَرُّبَ إِلَيْهِ بِذَبْحِ الْأَضَاحِي وَهِيَ شَرْعُ أَبِينَا الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَسُنَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثٍ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ :

ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ .

مُتّفقٌ عَليْهِ

وَفِي فَجْرِ هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ اجْتَمَعَ التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ مَعَ الْمُطْلَقِ فَالْمُقَيَّدُ يُشْرَعُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ وَالْمُطْلَقُ يَكُونُ فِي كُلَّ وَقْتٍ ، وَآخِرُ تَكْبِيرٍ مُقَيَّدٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ يَنْتَهِي وَقْتُ التَّكْبِيرِ الْمُطْلَقِ أَيْضًا وَيَنْتَهِي وَقْتُ نَحْرِ الْأَضَاحِي وَالْهَدَايَا .