”أمل دنقل” .. 39 عاما على رحيل أمير شعراء الرفض
تعد تجربة أمير شعراء الرفض (أمل دنقل) من أغنى التجارب الشعرية في التاريخ المعاصر منذ ظهور الشعر الحر - التفعيلي علي مسرح الشعر العربي في نهاية الأربعينات ووصله لمرحلة النضج في الخمسينات والستينات إلى السبعينات، وقد عُد دنقل من شعراء هذه المرحلة حتى وفاته.
البكاء بين يدي زرقاء اليمامة هى أجمل الدواوين التي أصدرها أمل دنقل.. كان قد مضى أكثر من عشرين عام على ولادة الشعر التفعيلي وكان دنقل أحد الذين أسهموا بحركة الشعر الحر في العالم العربي وفي مصر تحديدًا مع صلاح عبد الصبور أحمد عبد المعطي حجازي.. كان أكثرهم غضبًا خصوصًا بعد النكسة - نكبة 67 - التي كانت سمة طاغية على الشعر العربي فذ ذلك الوقت وعلى شعراء مصر خاصة.
وقوة اللغة عند أمل دنقل تعود لثقافة وتمعن طويل في كلاسيكيات التراث العربي ، لعب دنقل في شعره على التراث العربي والإسلامي كثيرًا لم يغرق في الرمزية وكانت عنايته بالجرس الموسيقي
ولد الشاعر الكبير محمد أمل فهيم محارب دنقل الشهير بـ "أمل دنقل" بقرية القلعة مركز قفط على مسافه قريبة من مدينة قنا في صعيد مصر وقد كان والده عالما من علماء الأزهر الشريف مما أثر في شخصية أمل دنقل وقصائده بشكل واضح
وسمي أمل دنقل بهذا الإسم لأنه ولد بنفس السنه التي حصل فيها والده على اجازة العالميه فسماه بإسم أمل تيمنا بالنجاح الذي حققه رغم أن اسم أمل كان شائعا بالنسبة للبنات في مصر
ورث أمل دنقل عن والده موهبة الشعر ، فكان يكتب الشعر العمودي وأيضا كان يمتلك مكتبه ضخمه تضم كتب الفقه والشريعة والتفسير وذخائر التراث العربي مما أثر كثيرا فيه وساهم في تكوين اللبنه الأولى له كشاعر
فقد أمل دنقل والده وهو في العاشره من عمره مما أثر عليه كثيرا وأكسبه مسحة من الحزن تلمع في كل أشعاره ، سافر إلى القاهرة بعد أن أنهى دراسته الثانوية في قنا وفي القاهرة ألتحق بكلية الآداب ولكنه انقطع عن الدراسة منذ العام الأول لكي يعمل.
عمل أمل دنقل موظفا بمحكمة قنا وجمارك السويس والإسكندرية ثم بعد ذلك موظفا بمنظمة التضامن الأفروآسيوي، ولكنه كان دائما ما يترك العمل وينصرف إلى كتابة الشعر كأغلب أهل الصعيد
صدمته القاهرة حضاريا وأثر هذا عليه كثيرا في توجهه الشعري وكان بارزا في نصوصه الأولى
في خمسينيات القرن المنصرم استوحى أمل دنقل قصائده من رموز التراث العربي، مخالفا بذلك أغلب المدارس الشعرية المتاحة وكان السائد في هذا الوقت التأثر البالغ بالميثولوجيا الغربية واليونانيه خاصة
عاصر الشاعر الكبير "مل دنقل" أحلام العروبة والثورة مما ساهم في تشكيله وصدم ككل المصريين وأبناء جيله من الشعراء بإنكسار مصر في 1967 ومن ثم كانت رائعته البكاء بين يدي زرقاء اليمامه ومجموعته الشعرية "تعليق على ما حدث"
كما تفاعل "دنقل" بالنصر وضياعه وصرخ مع كل من صرخوا ضد معاهدة السلام، ووقتها أطلق رائعته "لا تصالح" ونجد أيضا تأثير تلك المعاهدة وأحداث يناير 1977 كان واضحا في مجموعته "العهد الآتي"
وكان موقفه من عملية السلام سببا في اصطدامه بالسلطات المصرية، وخصوصا أن قصائده كانت تقال في المظاهرات على آلسن الآلاف
عبر أمل دنقل عن مصر وصعيدها، ونجد هذا واضحا في قصيدته "الجنوبي" في آخر مجموعه شعريه له "أوراق الغرفه 8"
حارب أمل دنقل مرض السرطان الملعون لمدة تقترب من الأربع سنوات في غرفته بالمعهد القومي للأورام
وكانت آخر قصائده هي "الجنوبي"، وقال عنه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي: إنه صراع بين متكافئين، الموت والشعر
رحل أمل دنقل بجسده يوم السبت الموافق 21 مايو عام 1983 وكانت آخر لحظاته في الحياة برفقة الدكتور جابر عصفور وعبد الرحمن الأبنودي.