عادل وليم يكتب: الوزير مرقص حنا.. نقيب المحامين الذي حكم عليه بالإعدام
حصل مرقص حنا على شهادة الحقوق من جامعة مونبلييه الفرنسية، ثم شهادة في العلوم الاقتصادية من جامعة باريس. ولدى عودته إلى مصر عين سنة 1891 وكيلًا للنائب العام لكنه لم يلبث أن استقال عام 1904 ليعمل بالمحاماة بأسيوط اللي كانت عاصمة الصعيد
وذاعت شهرته في مصر كلها ونقل عمله بعدها إلى القاهرة وفتح مكتب للمحاماة في أول الفجالة.
ومع نجاحه كمحام كان يقوم بدور وطني في حزب مصطفى كامل ثم انضم بعد ذلك لسعد زغلول
وكان من الرعيل الأول من (قيادات الوفد) وفاز بأغلبية ساحقه عن (دائرة الأوزبكية) في أول انتخابات برلمانية وأيضا كان له نشاط نقابي
فكان عضوا في أول (نقابة للمحامين)
ثم اختير لستة سنوات ليكون (نقيبا للمحامين) كان مرقص حنا عضوًا بأول مجلس لنقابة المحامين سنة 1912
ثم اختاره المحامون وكيلًا لنقابه المحامين عام 1914
ثم اختير (نقيبًا للمحامين في 12 ديسمبر 1919)
ليصير خامس النقباء بعد الهلباوي/ وعبد العزيز فهمي /ومحمود أبو النصر /وأحمد لطفي السيد/ بيد أنني لم أجد بين النقباء من شغل منصب النقيب خمس دورات متصلة
بدءًا من 2 ديسمبر 1919
ثم عاد ليفوز بدورة سادسة سنتي 1925/1926 , وهذه شهادة له وشهادة للمجتمع المصري وللمحامين في ذلك التاريخ..
ويوم (اعتُقل مرقص حنا) مع زملائه عام 1921 نهض الأستاذ (محمد أبو شادي) وكيل نقابة المحامين يجمع توقيعات جميع المحامين في مصر، على مذكرة (رفعها للملك) وطلب مقابلته وشكلت لجنة من المحامين للدفاع عن السبعة المعتقلين والمحالين جورًا إلى ( محكمة عسكرية)
يومها أرسل مجلس النقابة إلى (النقيب السجين مرقص حنا) رسالة
جاء فيها: يا حضرة الزميل سجنت أو لم تسجن أنت نقيب المحامين
ولقد زدت عندهم منزلة وعلوت قدرًا بما تتحمله من الأذى والتضحية في سبيل أشرف وأنبل مقصد فالله يرعاك
الشهادة التي تحسب للمصريين بعامة وللمحامين بخاصة أنهم غلّبوا الانتماء للوطن
على دعاوى الطائفية الضريرة كان العقل والانتماء الوطني أعلى كعبًا في مصر في ذلك الأوان ولم يكن ما نراه الآن للأسف من طائفيات وتعصبات
لم يكن له وجود فيفوز محامِ قبطي بمنصب نقيب المحامين خمس دورات متتالية في سابقة لم تحدث قبله ولا بعده ثم ليعاد انتخابه مرة سادسة دون أي بادرة وسط المحامين لأي انحياز طائفي.
وكان (مرقص حنا) مشجعا للتعليم وعضوا في مجلس الجامعة الأهلية المصرية ومؤسسا لكلية البنات القبطية
اختير وزيرا ثلاث مرات مرة وزيرا للأشغال ثم للمالية ثم للخارجية ولم يترك المحاماة وكانت له قضايا شهيرة انتصر فيها للحق
ومن أشهر تلك القضايا
لما اكتشف (هيوارد كارتر مقبرة توت عنخ أمون) ومنع زيارة المصريين لها وسمح للأجانب وكان ذلك سنة 1923 وعندما سمع بذلك مرقس باشا اندهش وكان
(مرقص حنا باشا وزير الأشغال) وقت اكتشاف المقبرة وكانت الآثار تتبع وزارة الأشغال وقتها.
وثار ثورة عارمة عندما منع هوارد كارتر ــ مكتشف المقبرة ــ المصريين من دخول المقبرة بعد اكتشافها.
طبعا النية كانت مبيته لنهب الآثار التي لا يوجد مثلها على الكوكب و أصغر و أقل تحفة تساوي ثروة طائلة.
هنا (أمر مرقص حنا باشا) بفرض حراسة فوراً على المقبرة
وجعل (ضباط مصريين يفتشون) كل واحد يدخلها ويخرج منها حتى (هوارد كارتر نفسه).
فثارت الجرائد العالمية الإنجليزية خاصة ثورة عارمة عليه في وقت كانت بريطانيا العظمي تحكم مصر والعالم كله.
عايزين مندوبيهم و صحافييهم الإنجليز يدخلوا و يخرجوا المقبرة براحتهم وسط الكنوز و التحف و الدهب الملقاة في كل مكان مثلما حدث في بقية المقابر اللي نهبت واتباعت لمتاحف العالم.
لم يهتم (الباشا مرقص حنا) ولم يرضخ بل شدد الحراسة
ومنع دخول الأجانب (إلا بتصريحات خاصة مختومة) وتفتيش دقيق من الحرس المصري علي باب المقبرة
وأمر (مرقص حنا باشا) بتسجيل كل أثر وكل تحفة في المقبرة (رغم أنف كارتر) وحفظها لمصر وللمصريين وكل مجموعة آثار وتحف تسجل تنقل تحت حراسة مشددة من الشرطة المصرية للمتحف المصري في القاهرة لضمان تأمينها وسلامته.
في أبريل 1919اختير (مرقص حنا) عضوًا بلجنة الوفد المركزية برئاسة محمود سليمان باشا، وفى أعقاب فشل مفاوضات عدلي في إنجلترا في ديسمبر 1921،
نُفى (سعد زغلول) ورفاقه إلى جزيرة سيشل، ثم اعتقل الإنجليز قيادة الوفد الجديدة بالقاهرة وهم حمد الباسل / وويصا واصف (ومرقص حنا) وواصف بطرس غالي وعلوي الجزار/ وجورج خياط /ومراد الشريعة / وأودعتهم (سلطات الاحتلال) ثكنات قصر النيل رهن التقديم لمحاكمة عسكرية بتهمة طبع منشورات تحض على كراهية واحتقار الحكومة المصرية،
وصدر حكم المحكمة العسكرية على (السبعة بالإعدام) ثم خُفف الحكم إلى (السجن سبع سنوات) وغرامة خمسة آلاف جنيه
ثم أفرجت عنهم سلطات الاحتلال بعد ثماني أشهر من الحبس
وقد توفى (مرقص حنا) بعد مرض قصير في سنة 1934 وخرجت مصر كلها لوداعه سلاما لروحه