سيد الضبع يكتب: دراما رمضان من زمن الإنجازات لأعمال التفاهات
باتت أغلب مسلسلات رمضان أشبه بروايات الخيال العلمي لأشباه الكُتّاب، بعد الإصرار على الاستسهال في الكتابة التي تفتقر إلى المضمون الهادف والرؤية النقدية، فأغلب الأعمال التي فرضت نفسها علينا طيلة الأعوام الماضية وتحديدا العقد الأخير كانت بلا قصة تحترم، ولا معالجة فنية، حتى الرؤية الإخراجية كانت مشتركة بين المخرج وبطل العمل.
والأدهى من ذلك أن تلك الأعمال يتم تفصيلها في ورش خاصة، يشارك فيها المنتج والمخرج والمؤلف والنجم والنجمة؛ لعمل خلطة سريعة، تحت شعار «نحتاية» بهدف عرضها في شهر رمضان بأي طريقة ممكنة.
ولا تخرج تلك الأفكار المعلَّبة عن تقديم الثالثوث التسويقي المتمثل في الانحراف بمختلف أنواعه والبلطجة والمخدرات، بلغة سوقية مبتذلة، ومفردات يعاقب عليها القانون، فضلا عن تقديم نماذج من العاهات الفكرية والاجتماعية والسلوكية، على أنها القمة والنجومية والمعيار والأصل والأساس.
فأين هذه الدراما الحالية المشوَّهة، ممّا كان يتم تقديمه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لعمالقة التمثيل والإخراج والتأليف والتصوير، تلك الأعمال التي خلَّدها الفن في ذاكرة الجمهور حتى الآن؟
لذلك، يحتار المشاهدون كل عام لِما يتم عرضه على الفضائيات المصرية والعربية، من كمٍّ كبيرٍ جدًّا من المسلسلات الرمضانية، التي لا همَ لها إلا الخروج على قيم المجتمع باعتباره البطولة والقدوة والنجاح؛ لتحقيق أعلى مكاسب ممكنة، دون النظر إلى العواقب الوخيمة التي تخلِّفها تلك الأعمال، ومدى تأثيرها على القيم المجتمعية.
الأخطر من ذلك هو شيوع تلك البذاءات، والانحرافات الأخلاقية بين مختلف فئات المجتمع، واتخاذهم لها دليلًا على التحضُّر والروشنة ومواكبة العصر والموضة، ولا شك أن الهوة سحيقة بين الطرفين، والتقييم ليس في صالح المسلسلات الحالية، برغم الأرقام والأجور الخيالية التي يتقاضاها الممثلون والمخرجون اليوم مقارنة بنجوم الأمس.
فيكفي أن نعرف أنَّ مسلسل «ليالي الحلمية» بأجزائه الخمسة للرباعي الكبار أسامة أنور عكاشة، وإسماعيل عبد الحافظ، ويحيى الفخراني، وصلاح السعدني، وغيرهم)، حقق من الانتشار والنجاح في الرسالة التي أوصلها عن تاريخ مصر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي منذ الملك فاروق حتى التسعينيات من القرن الماضي، ما جعل للدراما المصرية رصيدًا وقوةً ناعمة على الصعيد العربي، ولن نتحدث عن الجزء السادس منه (2016)، لأنه أقل في المستوى من أجزائه الأخرى.
ومن ليالي الحلمية لمسلسل «رأفت الهجّان» (1987)، الذي يحكي ملحمة البطولات والانتصارات التي سطَّرها أبطال المخابرات المصرية ضد الموساد الإسرائيلي، وكيف أن هذا المسلسل أثَّر في العديد من الأجيال، ومازال يؤثر فيهم وطنيًّا وقوميًّا، مصريًّا وعربيًّا، بمهارة الكاتب صالح مرسي، وإخراج يحيى العلمي، وأداء الرائع محمود عبد العزيز، والمتميز يوسف شعبان.
ولا يمنع هذا، من نجاح بعض المسلسلات الرمضانية خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتحقيقها لأعلى نسبة مشاهدة مصريًّا وعربيًّا، مثل: الاختيار1، و2، وهجمة مرتدة؛ وذلك لوجود قضية ورسالة وطنية مهمة، وكتابة راقية، وإخراج متميز، وأداء عالٍ من الفنانين، وهي عوامل النجاح المفتقدة في دراما مسلسلات محمد رمضان المروج الأول لأعمل العنف والبلطجة، بعيدا عن أعمال التفاهات بقيادة علي ربيع، ومصطفى خاطر.
ومن المتوقع أن يحقق النجاح والمصداقية والمتابعة الكبيرة هذا العام مسلسلا : «الاختيار3»، و«هجمة مرتدة2»، بخلاف بقية المعروض الحالي من المسلسلات.
فأين مسلسلات: العصر الذهبي للدراما، مثل: رحلة أبو العلا البشري، والشهد والدموع، وبوابة الحلواني، وزيزينيا، والعائلة، والمال والبنون، وذئاب الجبل، والضوء الشارد.
ومن المتفق عليه، أن المشاهدين والنقاد أجمعوا على قيمة ومكانة وتقدير وتعظيم دراما رمضان في عصرها الرائع في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي؛ فكانت المتابعة لها مستمرة، وما تزال، في حين أن دراما العقد الأخير، كان الهبوط والإسفاف هو شعارها الأول.