لعنة المال.. علماء يكشفون أبرز أحكام الميراث وضوابطه الشرعية
الميراث واحدة من أبرز القضايا الجدلية التي لا يتوقف الحديث عنها، والتي شهدت جذباً و شداً مع نهاية عام 2021، بعدما تداولت مواقع السوشيال ميديا و المحطات الفضائية والمواقع والصحف الإخبارية ما وقع من خلاف بين الفنان رشوان توفيق و إحدى بناته.
جاء هذا بعدما فضل الرجل، أن يقسم تركته و يوزعها على بناته و هو على قيد الحياة ، لتتفجر مشكلة مجتمعية تبدأ معها حالة الجدل و الخلط بين الشرع و العرف ، و بين الدين و العادة ، و بين القانون و الموروث التراكمي للممارسات الحياتية .
ومع احتدام هذا الجدل جاءت فتوى دار الإفتاء المصرية بهذا الصدد لتضع الأمور في نصابها أمام الكافة مستندة قطعاً في فتواها لآراء علمية من خلال البحث و التنقيب عن وضع حد و حل نهائي يتوافق مع المنطق و العقل يناسب طبيعة الحياة بما لا يخالف مقاصد الشريعة الإسلامية و تشريعات الدين الإسلامي ما يحفظ للمجتمع وحدة بنيانه و تماسكه و يحقق صلاحه .
وقبل العرض لهذه الفتوى وجب في البداية التعرف على ماهية المواريث و شروط تحققها من الناحية الدينية و كذلك موقف القانون المصري في هذا الصدد.
ويقول الإمام شمس الدين الخطيب الشربيني- رحمه الله- في شروط الإرث، أنها تحقق موت المورث، أو إلحاقه بالموتى تقديرًا كجنين انفصل ميتًا في حياة أمه ، أو إلحاق المورث بالموتى حكمًا كما في حكم القاضي بموت المفقود اجتهادًا.
وتابع: "هو ما يعني أن الإرث يتحقق في حالة وفاة المورث أو في حالة وجوده في حكم المفقود لكي يتم توزيع تركته بما يتنافى مع توزيع التركة في حالة البقاء على قيد الحياة ، و هو ما يتوافق مع القانون المصري حيث جاء في المادة الأولى من القانون رقم77 لسنة 1943 بشأن المواريث ما نصه أنه يستحق الإرث بموت المورث أو باعتباره ميتًا بحكم القاضي".
وأكمل: "مع ذلك فإن كثر من يقومون و هم على قيد الحياة بتوزيع تركتهم على أبنائهم و أقاربهم ، و موقف الشرع من ذلك واضح أيضاً جلياً بجواز الأمر حيث يجوز للرجل أن يوزع أمواله على أولاده حال حياته، ولكن هذا يُعد من قبيل الهبة لا من قبيل الميراث، وفي هذه الحالة لا بد من التسوية بين أولاده جميعًا، ولا بد أن يكون ذلك في حال صحته وليس مرض موته".
ومن آراء العلماء في هذا الشأن يأتي قول الدكتور مجدي عاشور المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية، إن التركة مصطلح لما يتركه الميت بعد الرحيل، أما ما يقوم بتوزيعه من أموال أثناء الحياة فيسمى مال الأب أو تصرف حال الحياة.
وتابع: "أن الحالة الأولى فيما يتعلق بالتركة أو الميراث فهي توزع بالأنصبة الشرعية التي أخبرنا بها المولى عز وجل و أن توزيع المال في حياة الشخص جائز مادام لم ينتوي حرمان وارث من حقه حال وفاته".
ويضيف الدكتور مجدي عاشور ، أن التركة هي ما يتركه المتوفى ولا تُسَمى تركة قبل الوفاة ، و أن للشخص أن يتصرف في ماله حال حياته كما يشاء ما دام في مباحٍ ، سواء أكان بقسمة تشبه الميراث ، أم بغيرها ، ولكن عليه أن يحذر أمرين، أولهما أن لا ينوي عند فعل ذلك أن يحرم بقية الورثة إنْ وُجِدُوا حتى لا يأثم شرعًا ، و الثاني ينبغي أنْ يُبْقِيَ لنفسه شيئًا لئلا يحتاج لأحدٍ بعد ذلك ولو كانوا أبناءه .
وكذلك ذهب الدكتور مبروك عطية العميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية بنات الأزهر فرع سوهاج ، أنه لا ميراث إلا بعد وفاة، منوها إلى أن من يكتب أملاكه قبل الوفاة فهذا الفعل باطل ، و أنه يفضل ترك الملك للمالك وعدم التسرع في توزيع التركة حيث أن المالك للتركة حر في ماله قبل الوفاة سواء في البيع أو الشراء.
كما أنه يجوز للرجل عمل هبة لأولاده أو لأحدهم لسبب معروف ومنطقي، و على الرغم من هذه الإجازة إلا النصيحة هي بعدم توزيع الرجل تركته على أولاده قبل الوفاة، لأنهم قد يبيعون ما امتلكوه ولا يعتنوا بأبيهم الذي منحهم بنفسه هذا المال، و أن الذي يكتب أمواله للورثة قبل الوفاة هو بذلك يكون قد تعدى على حدود الله، لأن التركة لا توزع إلا بشرع الله وهو الميراث.
وفي ذات السياق قال المهندس محمد عبدالخالق الشبراوي شيخ الطريقة الشبراوية الخلوتية، أن تركة توزع وفقاً لما شرعه الشرع الإسلامي حال وفاة المورث بما أقرته الشريعة في المواريث ، و أنه يجوز للإنسان أن يهب في حياته ما يراه للأبناء و لكن بما لا يحمل سوء نية في هذه الحالة كأن يظلم أحد الأبناء على حساب آخرين.
وتابع: "فالشرع نافذ واضح ظاهر ، و على الإنسان أن يعلم جيداً أن تركته لا تقتصر فقط على ما يتركه خلفه من أموال و عقارات و امور مادية و حسب بل أيضاً ما يزرعه بين الأبناء من مودة و حب و عدل ، و لهذا عليه أن يتحرى الحفاظ على تماسك أبنائه من بعده و لا يكون سبباً في فرقتهم فما أن يقرر توزيع ثروته حال حياته عليه أن يتحرى حسن النية في ذلك".
و جاءت كلمات الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، لتضع حداً و حلاً فاصلاً بشأن ما أثارته هذه القضية من جدل و سخط حيث أكد ، أنه لا ميراث قبل الوفاة، وإنما توزيع الآباء أي من ممتلكاتهم للأبناء قبل الوفاة تسمى ملكية طالما كان صاحبها على قيد الحياة ، و أن كتابة بعض الآباء جزءا من أملاكهم للأبناء دون الآخرين لا حرج فيه، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالعدل ، حيث قال سيدنا محمد - صلى الله عليه و سلم - «اتقوا الله واعدلوا»، و هو ما يعني أن العدل في مسألة توزيع أملاك الرجل على أبنائه على سبيل الاستحباب وليس الوجوب .