محمد فياض يكتب: العناوين الصاعدة و الأمن الإقليمي
تبدأ في فيينا الجولة الثانية من مباحثات 4+1 بين طهران وعواصم فريق الإتفاق النووي المنسحب منه الولايات المتحدة الأمريكية في مايو 2018 .وانتهت الجولة الأولى دون التوصل إلى نتائج تقبلها طهران التي لم تأت إلى المباحثات من موقف ضعف.وقد لخص الموقف الإيراني من الإتفاق النووي حسين عبد اللهيان في نيويورك في تصريح ألقى به إلى جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي."..يجب أن تعرف الولايات المتحدة الأمريكية أن إستئناف محادثات فيينا ليست من أجل إبرام إتفاقية جديدة.وإنما لضمان عودتها الكاملة والمضمونة لإلتزاماتها بموجب القرار 2231 والإتفاق النووي.."وتعترف واشنطن على لسان وزير الخارجية انتوني بلينكن أن إدارة ترامب وقعت في خطأ جسيم بقرار الإنسحاب..ونعرف أن الرئيس بايدن لم يكن بعيداً عن المطبخ السياسي الأمريكي فقد كان في فريق أوباما وتم التوصل إلى الإتفاق النووي في 2015 .وكان نائباً للرئيس ترامب الذي اتخذ قرار الإنسحاب.ونلاحظ أن عدة جولات من المباحثات دارت بين واشنطن وطهران بالطريق الغير مباشر وتمارس إدارة بايدن كل مايمكن أن يكون مضيعة للوقت، الأمر الذي يكشف سوء النوايا لدى الأمريكي.فلم يقرر الأمريكي العودة إلى الإتفاق بل قرر الذهاب إلى عناوين أمنية يريدها ويضعها على الطاولة ظنا منه أن الإيراني بالضعف الذي يفرض عليه تقديم التنازلات لهدف رفع العقوبات، لكن واشنطن كعادتها لاتقرأ جيداً العناوين الرئيسة في الصراع، وربما لاتدرك أن العقوبات المفروضة على إيران منذ احتلال السفارة الأمريكية في طهران في العام 1979.
لكن التباينات الكبيرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لاتعطي مبرراً منطقياً لدى بايدن وأجهزته في عدم القدرة على قياس الوزن الإيراني الإقليمي والدولي.
وإن كنت أرى أن بايدن راغب بقوة في العودة إلى الإتفاق النووي وإصلاح خطأ ترامب.لكن هذه الرغبة مرهونة بالضوغط التى يمارسها اللوبي الصهيوني والأمن الإسرائيلي، بما يجعل فشل مباحثات فيينا هذه وعدم التوصل إلى عودة الأمريكي إلى الإتفاق كنتيجة للمباحثات هو بمثابة حلم وأمل لدى تل أبيب.
ولأن الأمريكي يوارب الأبواب في فيينا فطهران تحدد بدقة جدول أعمالها..عودة الأمريكي إلى الإتفاق وضمان تنفيذه أمريكياً والإلتزام به ورفع كل العقوبات المفروضة على الشعب الإيراني في لقاء إلتزام طهران بالإتفاق النووي 5+1 وخفض معدل التخصيب .
إلى هنا نتساءل عن سبب عدم القدرة على التوصل إلى تلك النتيجة طالما الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في العودة إلى إتفاق اعترفت خارجيتها أن الإنسحاب منها كان خطأ فادحا.
ولن تكون الإجابة مبهمة أو بالصعوبة عندما نعلم أن الأمريكي لايشغله تخصيب اليورانيوم الإيراني بقدر ما يشغله وبالإملاء الصهيوني حتمية التوصل إلى معادلات مختلفة لضبط صواريخ إيران الباليستية، الأمر الذي تفطن إليه الإدارة الإيرانية وتقرر شروطاً على أثر ذلك لحكم عناوين مخرجات المباحثات لا إتفاق موسع والنووي دون الصواريخ الباليستية.ومالم تتوصل واشنطن لغاياتها فقد فشلت وفق الذهنية الإسرائيلية واللوبي الصهيوني.
وهنا لاتتقاطع المصالح المشتركة بين واشنطن وتل أبيب وبالتالي لاتتطابق.
فقد خرجت واشنطن مهزومة ومعسكرها من مشروع الفوضى الخلاقة، ووئدت مشروعات الشرق الأوسط الكبير والجديد وتحطمت أمام محور المقاومة في سورية، لتعترف الولايات المتحدة الأمريكية بانتصار الأسد وتتجرع عواصم أوروبا العجوز خيبات اندحار أدواتها أمام الجيش العربي السوري ومحور المقاومة، وقد خرجت عواصم المحور أكثر قوة وحققت في الحرب الكونية على سورية ما خططت له وأعلنته في بدايات العام 2011 لتضيف ذلك إلى انتصارات تموز.
والولايات المتحدة الأمريكية في مسعاها إلى العودة للاتفاق النووي قد مهدت المنطقة لجولة أخرى تبحث من خلالها عن ثمة انتصار ضد محور المقاومة.. فقد حركت قطيع الهزيمة إلى السعي لعلاقات دبلوماسية ونسج مصالح مع دمشق وطهران، ونرى كل يوم يأتي الخلايجة للحج في دمشق والتقاط الصور مع بشار الأسد الذي اضطرت عواصم الأعداء الذين مولوا وخططوا للحرب ضد سورية ثم فشلوا الاعتراف بانتصاره.
وفي تقديري أن هزيمتهم قد حلحلت الكثير من الملفات وتتعدد الأدوار وفق سيناريو جديد. أن تذهب دول الخليج إلى طهران ودمشق للبحث عن علاقات تعاون ترمم ما حطمته إسهاماتهم في الحرب على سورية.
وفي ذات الوقت محاولة النيل بقوة من لبنان لعنوان آخر يصعد لحفظ أمن إسرائيل والذي لم يكن مهدداً بهذه القوة من قبل. وتسعى واشنطن في محاولاتها والمحكوم عليها بالفشل في فرض عقد اتفاق جديد في فيينا بتوسيع جدول الأعمال بالإضافة لما لم يكن موجوداً من قبل ، وتلعب نفس الأدوات الأمريكية المستخدمة في الحرب على سورية لإذكاء نار للفتنة في لبنان بهدف عنوان القضاء على حزب الله حتى لو كان الثمن أن تحترق لبنان شبراً شبراً .
ولو أن الحرب على سورية لعشرة سنوات كانت انتهت لا قدر الله بهزيمة محور المقاومة لكانت المنطقة كلها الآن تحكمها عناوين أخرى للأمن الإقليمي وخرائط مغايرة لما هي عليه الآن.
لكننا وللإنصاف في تحليلنا نرى أن كل ما حدث خلال الفترة الماضية بفعل الفوضى الخلاقة كمشروع مغالبة بين ثقافتين انتصرت فيها ثقافة المقاومة، لكنه يظل انتصارا مؤقتا تتوقف ديمومته رغم اعتراف الأعداء بالهزيمة، بتحقيق النصر على المشروع الصهيو وهابي البديل في السعي للانهيار الآمن في لبنان و تفكيك حزب الله كأحد أزرع المقاومة وصواريخها الإيرانية الصنع الباليستية التي تراها الولايات المتحدة الأمريكية بالأهمية لإدراجها الاتفاق النووي ثمنا للعودة إلى الاتفاق.. لا أراه محققاً للغايات الإيرانية ومحور المقاومة ضمن العناوين الرئيسة الصاعدة في الأمن الإقليمي في وجوده بقدر عدم وجود الاتفاق ويفتح الطريق لعسكرة المشروع النووي ويضع وزنا جديداً مهما كانت العقوبات التي هي السلوك الأمريكي والأداة الأمريكية.
هذا بغض النظر كنا مع المشروع النووي الإيراني أو ضد.