وكالة ” العنبريين أنشأها قلاوون وهدمها بلدوزر محافظة القاهرة
حالة نفسية سيئة للغاية تسيطر على الأمير المملوكى " قلاوون " أحد قادة السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى كلما مر أمام سجن " حبس المعونة " الذى أمر بإنشائه الخليفة الفاطمى " المأمون " سنة ٥١٧ هجرية / ١١٢٢ ميلادية .. نظرا لأن هذا السجن كان " شنيع المنظر " حسب وصف شيخ المؤرخين " المقريزى " وتجاوز السجن كل درجات السوء لدرجة أن المارة من حوله كانوا يحتبسون أنفاسهم بسبب الرائحة الكريهة المقززة التى كانت تصدر منه.
وكان قلاوون يمر بإستمرار من أمام هذا السجن وهو ذاهبا إلى قلعة الجبل وكان يشم تلك الرائحة العفنة فضلا عن سماعه لأصوات صراخ للمساجين من قطاع الطرق واللصوص ومرتكبى جميع الجرائم نتيجة التعذيب الذى كان يوجه لهم من قبل الحراس بالإضافة إلى شكوى المساجين من الجوع والعطش والعرى وإنتشار الحشرات فيما بينهم.
كل هذه المشاهد المقززة كان يمتعض منها قلاوون وكان يتمنى أن يأتى يوما ينهار فيه هذا السجن أو ينقل إلى مكان آخر وأن من هذا المكان دون مشاهدته .. وأطلق لخياله العنان وحدثته نفسه بأنه حين يصل إلى الحكم يأمر بهدم هذا السجن ليس هذا فقط بل ويأمر ببناء سوق للعطور بدلا منه .. ولكنه سرعان ما إستفاق من أحلام اليقظة مبتسما حيث أن هذا الأمر يصعب تحقيقه فى ظل وجود السلطان الظاهر بيبرس البندقدارى المعروف بقوته ورباطة جأشه وحب الشعب له حتى لو مات بيبرس فإن إبنه " السعيد " سوف يخلفه أو يجلس على العرش أحد كبار الأمراء.
ولكن كان للقدر رأى آخر.نعم شائت الأقدار أن يجلس " المنصور قلاوون " على عرش البلاد سنة ١٢٧٩ م بعد أحداث مثيرة وبعد أن إستقرت له الأمور وأحكم سيطرته على مصر والشام وبعد صراعات مع المغول و الصليبيين والمنشقين عليه.
بدأ يلتفت للشأن الداخلى وقرر أن بالوعد الذى قطعه على نفسه وأصدر فرمانا بهدم هذا السجن الموبوء سنة ٦٨٠ هجرية / ١٢٨١ ميلادية وقرر أن يبنى بدلا منه سوقا للعنبر أطلق عليه العامة " سوق العنبريين " والذى يقع فى أشهر شوارع مصر على الإطلاق وهو شارع المعز.
تحولت رائحة المكان الكريهة إلى رائحة ذكية طيبة و أصبح المكان يسر الناظرين ببهائه وإبداعه وبالعطر الجميل الذى يباع فيه فليس هناك أطيب من العنبر حين تستنشقه يطيب لك وجدانك وينفرج صدرك وتشعر بنشوى وإنتعاش.
وكانت تجارة العنبر رائجة فى تلك الفترة ومن ثم عول السلطان قلاوون على بناء هذا السوق ويؤكد ذلك ما ذكره المقريزى " كان العنبر إذ ذاك بديار مصر " نفاق " _ أى منتشرة ورائجة _ وللناس فيه رغبة زائدة لا يكاد يوجد بأرض مصر إمرأة وإن سلفت إلا ولها قلادة من عنبر وكان يتخذ منه المخاد " الوسائد " والكلل _ أى التيجان وروابط الرأس _ والستور وغيرها وتجار العنبر يعدون من بياض الناس ولهم أموال جزيلة وفيهم رؤساء وأجلاء.
مرت السنين وتم تطوير السوق أكثر من مرة خاصة خلال فترة حكم السلطان الناصر محمد بن قلاوون وظل على حاله أعوام وراء أعوام حتى أصبح مجرد عقار غير مسجل كأثر فى شارع المعز يحمل رقم ٨٨ ثم تطور حاله وأصبح رقمه فى الشارع ٨٤ وفجأة وبغرابة شديدة لم تدرجه وزارة الآثار بين الآثار المسجلة لديها فى فضيحة غير مسبوقة ووصمة عار فى جبين كل مسئول فى مصر ووصل الأمر أن صدر قرار لهذا العقار " الوكالة " وقامت محافظة القاهرة فى فبراير ٢٠١٩ بحملة غاشمة على الوكالة مدججة بالبلدوزرات واللوادر والأوناش بهدم هذا الأثر العريق !!