فى يوم عاشوراء الحسن والحسين .. وأد الفتنة ورأس الشهيد
كانت الأمة الإسلامية يوم الحادى والعشرين من شهر رمضان المعظم عام ٤٠ هجرية الموافق ٢٧ يناير سنة ٦٦١ ميلادية على موعد مع حدث جلل، حيث شهد هذا اليوم المشئوم استشهاد الإمام على بن أبى طالب -رضى الله عنه- متأثرا بإصابته على يد عبد الرحمن بن ملجم لعنة الله عليه .
وعقب وفاة الإمام على بن أبى طالب ابن عم النبى وزوج ابنته السيدة فاطمة الزهراء، ووالد سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين، أعلن شيعة العراق أن ابنه الأكبر " الحسن " هو الخليفة الجديد للمسلمين، وهو سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم _ أى نجل ابنته _ ولكنه ، أى الحسن، لم يكن مهتما بأن يصبح خليفة.
استمر الحسن خليفة للمسلمين لبضع شهور (على الأرجح ستة أشهر)، ثم اتخذ قرارا بوأد الفتنة الجارية بين المسلمين ولم شملهم، وإنهاء النزاع الدائر بين أنصار أبيه من جهة، وأنصار معاوية بن أبى سفيان من جهة أخرى، حيث قرر التنازل عن الخلافة لصالح معاوية محققا نبوءة النبى صلى الله عليه وسلم عنه، عندما بشر بأن الحسن سوف يصلح به الله بين فئتين من المسلمين .. وتحققت النبوءة وتم توحيد الصفوف وعقدت معاهدة بين الحسن ومعاوية نصت من بين بنودها على عدم أحقية معاوية بأن يورث الحكم أو يعطيه لأحد من بعده بل يكون الأمر شورى بين المسلمين، وأطلق على هذا العام الذى أبرمت فيه تلك المعاهدة بعام الجماعة.
سارت الأمور على ما يرام، وقد ترك الحسن والحسين الكوفة بعد الصلح مع معاوية ورجعا إلى المدينة المنورة واستقرا بها، وكانت زعامة بني هاشم عند الحسن. وكانت الرسائل والكتب تأتي إلى الحسن من العراق تطلب أن ينصروه مرة أخرى، فيرفضها ويلقيها في الماءِ، فسألته جاريته عن هذه الكتب فقال: «من أهلِ العراقِ من قومٍ لا يرجعون إلى حقٍّ ولا يَقصُرونَ عن باطلٍ أما إني لست أخشاهم على نفسِي ولكني أخشاهم على ذلك وأشار إلى الحسينِ».
وبعد عدد من السنوات مرض الحسن قبل وفاته، فدخل عليه الحسين، وقال له: «يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك، فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي صلى الله عليه وسلم وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب»، فقال الحسن: «يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط»، فبكى الحسين.
ثم كان الرحيل المفاجئ للحسن - رضى الله عنه - عن عمر يناهز ٤٧ عاما، وبعد رحيله استمر أخيه الحسين بن على - رضى الله عنه - فى الحفاظ على عهد أخيه مع معاوية بن أبى سفيان، قال ابن كثير الدمشقي: «لما استقرت الخلافة لمعاوية كان الحسين يتردد إليه مع أخيه الحسن فيكرمهما معاوية إكرامًا زائدًا، ويقول لهما: مرحبا وأهلا، ويعطيهما عطاءً جزيلًا. وقد أطلق لهما في يوم واحد مائتي ألف، وقال: خذاها وأنا ابن هند، والله لا يعطيكماها أحد قبلي ولا بعدي. فقال الحسين: والله لن تعطي أنت ولا أحد قبلك ولا بعدك رجلا أفضل منا.
ولما توفي الحسن كان الحسين يفد إلى معاوية في كل عام فيعطيه ويكرمه، وقد كان في الجيش الذين غزوا القسطنطينية مع ابن معاوية يزيد، في سنة إحدى وخمسين. ولما أخذت البيعة ليزيد في حياة معاوية كان الحسين ممن امتنع من مبايعته، هو وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر، وابن عباس، ثم مات ابن أبي بكر وهو مصمم على ذلك.».وكان معاوية بعد أن شاخ ووصل إلى الثمانين عاما، والذى كان يخشى ما عليه المسلمون من اختلاف، ويخشى تجدد الفتنة بينهم، فرأى أن المصلحة تقتضى أن ينقض العهد الذى قطعه على نفسه مع الحسن - رضوان الله عليه - وأن يجمع الكلمة فى هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها الأمة، وأن يعهد بالخلافة إلى ابنه " يزيد "؛ ولذلك عرض الأمر على كبار الصحابة وسادات القوم وولاة الأمصار فجاءت الموافقة منهم، وبالفعل بايعوا ابنه " يزيد " بالخلافة.
وبعد موت معاوية وإعلان الخلافة لصالح ابنه يزيد، رفض " الحسين " - رضوان الله عليه - هذه البيعة، وأيده فى ذلك كثير من المسلمين خاصة فى مكة والمدينة، وأرسل له أهل الكوفة " العراق " رسائل تأييد له لتولى الخلافة، وتدعوه للذهاب إليهم حيث مقر الخلافة، وتقدر هذه الرسائل بنحو أربعين ألف رسالة فى بعض المراجع، ونحو ١٨ ألف رسالة فى مراجع أخرى.
وقرر الحسين فى بادئ الأمر أن يذهب للكوفة، غير أن أنصاره وعلى رأسهم عبد الله بن عباس حذروه من هذه الخطوة دون الاستعداد لها؛ ولذلك قام بإرسال ابن عمه " مسلم بن عقيل " ليستجلى الأمر ويعود إليه ليخبره بحقيقة الوضع، غير أن مسلم بن عقيل تأخر عليه كثيرا، فعقد الحسين العزم على الذهاب بنفسه ومعه أسرته وبعض أنصاره إلى الكوفة ، وحذره بشدة عبد الله بن عباس وذكر له أن موته سيكون فى هذه الرحلة، ولكن الحسين - رضى الله عنه -أصر على الذهاب، فطلب منه بن عباس أن يترك أسرته بمكة حتى لا يتعرضوا للمخاطر إلا أن الحسين كان مسالما إلى أبعد الحدود، وقرر أن يصطحب أهله فى هذه الرحلة المشئومة.
وقبل أن يصل الحسين إلى الكوفة توجه إليه " الحر بن يزيد الرياحى " ومعه ألف فارس ليلازموا الحسين حتى يصل إلى الكوفة، والتى حين وصل إليها وجد أبوابها مغلقة فى وجهه، وعلم أن رسوله مسلم بن عقيل قد قتله الوالى الجديد للكوفة الذى عينه يزيد بن معاوية، وهو " عبد الله بن زياد ".
فى هذه الأثناء علم وإلى الكوفة بوصول الحسين وهو غير مستعد للقتال، بدليل وجود أهل بيته معه، بما فى ذلك النساء والأطفال، فأرسل جيشا لا يقل قوامه عن ٤ آلاف جندى يقوده عمر بن سعد بن أبى وقاص، وكانت النية تتجه نحو اعتقال الحسين ومن معه، وقدم الحسين عرضا بلقاء يزيد بن معاوية للتشاور معه حول الأزمة أو أن يتركوه يعود من حيث أتى.
نفذ قائد جيش يزيد ما طلبه الحسين، وقدم المقترحات لوالى الكوفة الذى كان موافقا على هذا العرض غير أن أحد أنصار يزيد وهو فى نفس الوقت المقربين له ويدعى " شمر بن ذى الجوشن " اعترض على الأمر، وطالب بتنفيذ قرار اعتقال الحسين أو قتاله، فعاد الجيش مرة أخر