المنصور قلاوون .. وعودة عصر الإضطهاد الدينى
جلس قلاوون على تخت ملك مصر فى شهر رجب سنة ٦٧٨ هجرية / ١٢٧٩ ميلادية بعد أن أطاح بالملك " الطفل " العادل سيف الدين سلامش البالغ من العمر ٧ سنوات فقط وهو الإبن الثانى للسلطان الظاهر بيبرس البندقدارى وتلقب بالملك " المنصور قلاوون ".
فى بداية حكمه لم يدرك قلاوون أن الإسلام هو دين التسامح والعدل والإنصاف مع المسلمين ومع غير المسلمين ولم يتبع عمرو بن العاص رضى الله عنه فى عدم التفرقة بين أبناء الشعب الواحد أيا كانت ملتهم أو دينهم .. عمرو ذلك الصحابى الجليل نجح فى تخليص الشعب المصرى بكل طوائفه من براثن الإحتلال الرومانى الغاشم بعد نحو ألف سنة من الظلم والإستعباد والقهر والهوان والإضهاد.
حين إستقرت لعمرو الأمور بعد فتح مصر بدأ فى طمأنة خواطر الناس وكانوا معظمهم من الأقباط وإستمال قلوبهم إليه ونجح فى إكتساب ثقتهم به وإستعان بأفاضل الأقباط وعقلائهم فى تنظيم شئون البلاد وأطلق نظاما ديمقراطيا حقيقيا قائم على العدل والمساواة .. لم يجبر أحد من أقباط أو يهود مصر على الدخول فى الإسلام بل ترك لهم حرية العبادة وقام بإصلاح وصيانة الكنائس المتضررة من جراء المعارك الضارية التى جرت رحاها ضد الرومان ليضرب مثلا رائعا فى إرساء قواعد المواطنة وحرية العبادة.
أما المنصور قلاوون فقد بدأ منذ اللحظة الأولى من جلوسه على عرش البلاد فى إظهار العداء لأهل الذمة من غير المسلمين وهم النصارى واليهود المصريين والذين كانوا يشكلون أقلية ضخمة ذات أهمية فى المجتمع المصرى خلال العصر المملوكى حتى قدرهم بعض الرحالة الغربيين الذين زاروا مصر آنذاك بنحو عشرون ألفا فى القاهرة وحدها نصفهم من الأقباط والنصف الآخر من اليهود.
وقد إتسمت علاقة السلطان قلاوون بأهل الذمة بالشدة والقوة بل والجبروت وإن كانت لا تخلو أحيانا من اللين وتخفيف الأعباء عن عاتقهم خاصة حين يتدخل كبرائهم مستعينين بكبار المشايخ المسلمين من أصحاب الحيثية والشعبية بين صفوف المجتمع فكان يرضخ السلطان أحيانا لتوسلاتهم ويأمر بالتخفيف عنهم ولكن سرعان ما كان يعود من جديد لممارسة سياسة الإضطهاد معهم.
عقب توليه السلطة أبطل المنصور قلاوون مقرر النصارى _أى فرض على نصرانى ضريبة مقدارها دينار مقابل عدم إلتحاقه بالجيش _ ثم أمر بصرف كتاب " بضم الكاف " الجيوش المنصورة من النصارى وإستبدلهم بكتاب مسلمين وأصدر مرسوما بهدم " دير الخندق " الذى كان يقع بظاهر القاهرة خارج باب الفتوح _ فى آخر حى الحسينية الآن _ وكان يوما مشهودا إجتمع عليه عدد كبير من أهل الذمة والمسلمين على حد سواء الكل يندد بهذه الفعلة النكراء وكانوا فى حالة تذمر شديد وكادوا يعلنوا العصيان لولا الخوف من بطش المماليك.
وأمر قلاوون فى إطار سياسة التمييز العنصرى جميع النصارى واليهود بأن يركبوا الحمير وأن يعلقوا زنانير " أجراس " فى وسطهم وألا يحدث نصرانى أو يهودى مسلما وهو راكبا على دابته بل عليه أن ينزل من عليها قبل الحديث إلى مسلما وحرم عليهم إرتداء الملابس المصقولة أى اللامعة أو الشفافة.
وفى ٨ ربيع الآخر سنة ٦٨٤ هجرية / ١٢٨٥ ميلادية أصدر قلاوون مرسوما بتولى الشيخ " المسلم " المهذب أبو الحسن المتطبب رئاسة اليهود بمختلف طوائفهم وأمره بإصلاح فاسدهم .. وفى شعبان ٦٨٨ هجرية / ١٢٨٨ ميلادية أصدر قلاوون مرسوما بحظر إستخدام الأمراء أيا من اليهود أو النصارى.
وفيما يتعلق بوقف البيمارستان " المستشفى " الذى أسسه السلطان قلاوون _ والذى لايزال صرحا شامخا إلى الآن فى شارع المعز _ فقد أصدر أمرا لناظر هذا الوقف بعدم السماح ليهوديا أو نصرانيا بالعلاج فيه وألا يكون بين الأطباء أو المشرفين أو أرباب الوظائف المختلفة أحد من اليهود أو النصارى.
وكان " قلاوون " ينزل من العقاب مع أهل الذمة من النصارى واليهود ما يتسم بالوحشية والغلظة حيث يذكر أنه أمر بدفن نصرانيا حيا لتزوجه من مسلمة أما تلك الزوجة التعسة فقد جدع أنفها _ أى قطعها_ .