أسرار وحكايات .. من زمن فات ( 7 ) مسجد الصالح طلائع .. ورأس سيدنا الحسين
يقع كثير من المؤرخين فى خطأ تاريخى جسيم ويرددون شائعة مغلوطة تتعلق بأن هذا المسجد الذى بنى سنة ٥٥٥ هجرية / ١١٦٠ ميلادية أنشىء فى الأصل من أجل إستقبال رأس الإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة رضى الله عنه ولما وصل الرأس الشريف إلى مصر إستأثر به الخليفة الفاطمى الفائز بأمر الله بعد أن أقنعه أهله بأنه أولى بالإحتفاظ بها للحفاظ عليها فأمر بدفنها فى قصر الزمرد الذى يسكنه عند باب يطلق عليه إسم باب " الديلم " المسمى حاليا الباب الأخضر.
وهذا الأمر مردود عليه حيث أنه بما لا يقبل مجالا للشك أن الرأس الشريف دفن فى هذا المكان بالفعل عام ٥٤٩ هجرية / ١١٥٤ ميلادية أى قبل بناء مسجد الصالح طلائع بن بنحو ٦ سنوات.وأصل الحكاية فى السطور القادمة .....
فى عام ٥٤٩ هجرية / ١١٥٤ ميلادية إشتدت الهجمات الصليبية على بيت المقدس بفلسطين وبعض المدن المجاورة له وتردد عنهم أنهم لم يتورعوا عن نبش قبور رموز الإسلام وهو الأمر الذى أزعج الخليفة الفاطمى الفائز بأمر الله والذى إستشار وزيره الصالح طلائع بن رزيك فى أمر إرسال قوة عسكرية تقوم بمهمة فى مدينة عسقلان بفلسطين من أجل إحضار الرأس الشريف للإمام الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهما إبن سيدة نساء العالمين سيدتنا فاطمة الزهراء حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الرأس الشريف الذى دفن فى هذه المدينة وإستقر الرأى على تكليف " الأفضل شاهنشاه " أمير الجيوش للقيام بهذه المهمة.
والأفضل شاهنشاه هو إبن بدر الدين الجمالى تولى منصب والده " أمير الجيوش " بعد رحيله وإلى بدر الجمالى ينسب حى الجمالية وينسب إليه أيضا واحدا من أشهر شوارع القاهرة والذى يربط شارع المعز بشارع بورسعيد من جهة حى باب الشعرية وهو شارع أمير الجيوش أو " مرجوش " كما يختصره أهل المناطق المحيطة به ويطلق عليه أيضا إسم شارع " النحاسين " نظرا لأنه يشتهر بتصنيع جميع الأوانى النحاسية.
إستطاع الأفضل أن يأتى بالرأس الشريف وذكر المؤرخون أنه حملها على صدره من عسقلان وسعى بها ماشيا حتى وصل مصر يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ٥٤٩ هجرية / ١١٥٤ ميلادية وقام الخليفة الفائز بتكليف وزيره طلائع بوضع الرأس الشريف مؤقتا بالسرداب الخلفى العظيم بقصر الزمرد ثم قام الوزير ببناء القبر الحالى عند باب " الديلم " المعروف حاليا باسم الباب الأخضر فحمل الرأس الشريف من السرداب العظيم إلى هذا القبر ودفن به فى الثلاثاء الأخير من ربيع الآخر من العام نفسه وهو موعد " المولد " الذى يقام للإمام الحسين رضى الله عنه فى مصر كل عام.
وعلى ما يبدو أن هناك إتفاق تم بين الخليفة ووزيره على نقل الرأس الشريف إلى مكان آخر حتى يسمح للشيعيين بزيارته والتبرك به حيث لا يعقل أن تتم هذه الزيارات فى قصر الخليفة وتقرر بناء مشهد آخر يتم نقل الرأس الشريف به فقام الوزير ببناء مسجد عام ٥٥٥ هجرية / ١١٦٠ ميلادية والواقع حاليا بشارع الدرب الأحمر مع تقاطع قصبة رضوان أمام أشهر أبواب مصر على الإطلاق وهو باب زويلة.
وهذا الأمر ذكره بعض المؤرخين على رأسهم " بن دقاق " والذى ذكر كذلك أن الصالح بنى مشهدا داخل المسجد لدفن رأس الإمام الحسين رضى الله عنه به وقد كشفت الحفائر التى تمت بالمسجد عام ١٩٤٥ وجود مبان بجوار الجهة الشرقية للواجهة البحرية للمسجد عليها عبارة " إدخلوها بسلام آمنين " وهى عبارة عادة ما كانت تكتب على مداخل المدافن .. ولولا أن هذا الإتفاق بين الخليفة ووزيره لم يتم لأسباب مجهولة لكان المشهد الحسينى فى مسجد الصالح طلائع بن رزيك بدلا من مكانه الحالى.