جريدة الديار
الجمعة 26 أبريل 2024 06:15 صـ 17 شوال 1445 هـ
بوابة الديار الإليكترونية | جريدة الديار
رئيس مجلس الإدارة أحمد عامررئيس التحريرسيد الضبع

سفيان حكوم يكتب : نفحات في تاريخ مفكر و ابن خلدون نموذجا

الحديث عن شخصية ابن خلدون وما تميزت به من عبقرية وعلم وفقه وادب ، يقتضي الكتابة المسهبة والبحث والتقصي في اغوار الاجتهادات ، التي مارسها مفخرة عصره ، ومعجزة زمانه عبد الرحمان بن خلدون ، وبما أن التعمق في اثار هذا المفكر العربي ، يحتاج الى المزيد من الاستقراءات والاستنتاجات ، فإن اقرب السبل وأيسر المراجع هي ماكتب مفكرنا الكبير ، وما خلده من اثار أفادت كثيرا العلوم الإنسانية .




وضع أسس علم الآجتماع : ففي المقدمة الخلدونية ، تتجسد فلسفة وأسس علم الاجتماع ، وبها حاز صاحبها قصب السبق في هذا الميدان ، لكونه قام بوضع ركائز وقواعد هذا العلم ، ومهد الطريق للباحثين الذين أتوا من بعده ، والذي يدرس المقدمة ، يتضح له بأن ابن خلدون ، كان يعيش قضايا العالم بكل ما تعني الكلمة من مفهوم الشمولية ، كما كان من خلال مساهمته الفعالة في مجالات الفكر العالمي ، وتنشيط المعارف الإنسانية ، يقدم خدمات مفيدة للأمم والشعوب الناهضة المتطلعة لصحوة التطور والارتقاء ، وذلك بفضل ماتركه من ثروة علمية .



فلسف التاريخ : ومن الخصائص التي يتميز بها ابن خلدون من غيره من المؤرخين ، هي كونه مؤرخا ومفكرا ، فلسف التاريخ ، لأنه أدرك بأن حقيقة التاريخ تتجسم في كونه خبرا عن الاجتماع الانساني ، وهذا يعني لمعان النظر في أعمال البشر وصنعهم ، ومنشآت الانسان وتحاوره وتعايشه وعلاقاته مع بني الانسان .


شخصية أبن خلدون : وفي وصف المؤرخين لشخصية ابن خلدون ، يتجلى بأنه كان واسع الاطلاع ، غريز العلم ، عميق الاستقراء والاستنتاج ، كما كان قوي الحدس في التحليل والمقارنة ، موفقا في ضبط العلل والعوامل ، واقرار الاصول والأحكام ، والقواعد والأسس . وانطلاقا من هذه الخصائص والمميزات ، ظل ابن خلدون صورة ناصعة لأحوال البشر ، وفي ذلك توضيح المستوى الرفيع والتجربة القيمة لعظمة الحضارة الإسلامية ، ودليل على اجتهادات العظماء بحرية الفكر .



مجده في التاريخ والأدب : الدولة كما يراها ابن خلدون ، بناء طبيعي اضطراري لامناص من نشأتها ، وقد ركز رأيه في سلطة الدولة ، على اساس منهج صحيح ، استقصاء من تاريخ عصره ، وتجاربه التي عايشها بممارسة الخبير الذي لايغتر بالمظاهر ، ولكن يؤمن بالحقائق والأبعاد ، وكانت نظرته للأفق المستقبلية تشير الى ان العالم ، يسير بخطوات ديناميكية سريعة نحو التطور الاستمراري ، وهكذا نجد توقعاته ، كانت تؤكد بأن كل شي قابل للترقي . بقدر ما امتازت به شخصيته من روح التجديد في علم التاريخ ، بقدر ماهو مجدد كذلك في علم الأدب . ولقد قال عنه بعض الباحثين ، في اثاره ومواقفه الأدبية ، بأنه يعتبر في طليعة أدباء القرن الثامن الهجري ، الذي حرر الادب العربي من البيان اللفظي ، واعتقه من إغلال السجع ، لقد تمكن ابن خلدون بقلمه السيال وقوته المفكرة من النهوض بالادب ، وجعله حرا يضطلع برسالته في روية وابداع وجمال الألفاظ ، وببراعة التراكيب ، وسبك المعاني المتوخاة ، التي يدور حملها على محور الافادة ودقة التصوير ، في كل ادب حي واقعي يساير الحياة ويندمج فيها ويتفاعل مع معطياتها .


اعجاب العلماء به : نظرا لما ابدعه ابن خلدون ، من منهجية صائبة ، فقد كان موضع اعجاب الجميع في تلك الحقبة التي عاصرها ، وقد تضاعف الاعجاب عبر مسار التاريخ ، استحوذ ابن خلدون على اعجاب الألمان ، مثلما حظي بتقدير الكثرة من كل جهات المعمورة في الشرق والغرب ، ففي بعض الاستقراءات يتضح بان اعجاب الألمان به ، جاء نتيجة تذوقهم لروعة اسلوبه وعمق تفكيره ، واستوعبوا ذلك من خلال الترجمة ، التي قام بها المستشرق فون هامار ، والتي تناول فيها الدراسة التحليلية لفلسفة ابن خلدون ، بخصوص المجتمع والعصبية والدولة ، والتي تحدث فيها كذلك عن الاقتصاد الاجتماعي ، وانطلاقا من هذه النظرية الخالدة ، لم يخف علماء اوروبا وفلاسفتها اعجابهم واعترافاتهم ، بتفوق هذا الفيلسوف العربي المغربي ، وقد سجلت عدة دراسات وابحاث هذه الاعترافات ، على لسان كبار الكتاب والباحثين ، من الذين اهتموا بدراسة التراث العلمي الاصيل ، الذي خلفه ابن خلدون ، والذي يؤكد جملة وتفصيلا اجتهاداته المثالية


ابن خلدون الفيلسوف : قال عنه الاستاذ * تياي + وهو من جنسية فرنسية ، مارس تدريس الفلسفة في عدة جامعات عربية ، من بينها تونس ومصر : " ان هذا المغربي ، الذي ولد بتونس ، من أسرة ذات اصل عربي ، استوطنت الاندلس منذ بدء الفتح ، ترك لنا تأليف قيمة ، يمكن لنا ان نقول عنها ، انها لم تثر الاداب العربية وحدها ، بل التراث الثقافي للإنسانية جمعاء ، انه مؤسس علم الاجتماع السوسيولوجية ، وباعث فلسفة اجتماعية جديدة ، كما انه المؤسس الحقيقي للمنهجية التاريخية " .



لقد توصل ابن خلدون الى أن هناك فلسفتين ، فلسفة أصيلة صحيحة ، وفلسفة كاذبة غالطة ، وهذا يعني ان ابن خلدون إهتدى قبل الفيلسوف * كانت * ، الى التفكير النقدي الهادف ، الى تحديد القواعد والمقاييس العقلية المنطقية ، في البحوث الفلسفية ، وانتقاداتها للتفكير الفلسفي الذي يتجاوز المقاصد الهادفة . ان كتاب المقدمة ، وكتاب العبر لابن خلدون ، عمل نادر ومجهود مفيد وقيم ، موجه للناس جميعا ، لا لنخبة من المفكرين أو الى جماعة محدودة من الفلاسفة ، ان التاريخ كما يراه ابن خلدون فرع من الفلسفة ، وعلم عقلي ، وللتاريخ ظاهر وباطن ، اذ هو في ظاهره لايزيد على اخبار الايام والدول من القرون الأولى ، تنمق لها الاقوال ، وتصرف فيها الامثال ، وتطرق لها الأندية اذا غصها الاحتفال ، وتؤدي لنا شأن الخليقة ، كيف تقلبت بها الاحوال ، واتسع للدول الناطق فيها والمجال ، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال ، وحان منهم الزوال ، ويسترسل في تحليله للباطن التاريخي فيقول : * باطنه نظر وتحقيق ، وتعليل للكائنات عميق ، فهو لذلك اصل في الحكمة عريق ، وجدير بان يفيده في علومها وخليق * . سفيان حكوم آعلامي وكاتب من المملكة المغربية