نساء في مُواجهة المواد الكيميائية : تجارب تكشف الخطر وتدعو للحل

في ظل تزايد التحذيرات العلمية والدراسات التي تكشف مخاطر المواد الكيميائية في مستحضرات التجميل والعطور ومنتجات العناية الشخصية، يُسلط هذا التقرير الضوء على الجانب الإنساني لهذه القضية من خلال قصص وتجارب نساء يواجهن التهديد الصامت لهذه المواد. يستعرض التقرير تحدياتهن وتفاعلاتهن الإنسانية وملاحظاتهن الميدانية التي تكشف حجم المشكلة وتأثيرها المضاعف على المرأة، مُوضحًا كيف يمكن لصوت واحد أن يحدث فرقًا في سبيل مواجهة هذا الخطر وحماية المجتمع والبيئة. كما يؤكد على أهمية البحث عن المنتجات الطبيعية والعضوية كبديل آمن، ويستعرض أمثلة لدول عربية سنت تشريعات وعقوبات على مُروجيها.
المخاطر الصحية
أكدت الدكتورة إلهام رفعت عبد العزيز، الخبيرة البيئية والمسئولة السابقة في وزارة البيئة وإتفاقية ستوكهولم، على أهمية التصدي الفوري لإنتشار المنتجات المغشوشة أو التي ليس بها المعلومات الكافية والواضحة للتعرف على خلوها من المواد الكيماويات المسرطنة الضارة بصحة المرأة. وأشارت إلى أن هذه المواد تُشكل تهديدًا جسيمًا للصحة العامة، حيث تتسلل إلى النساء من خلال مستحضرات التجميل والعناية الشخصية، مما قد يؤدي إلى الإصابة بالأمراض المُزمنة. و حذرت من الاضطرابات الهرمونية الناتجة عن إستخدام البارابين والفثالات، بالإضافة إلى الحساسية والتهيج الجلدي الناتج عن العطور الصناعية والمواد الحافظة القوية. كما لفتت إلى المخاطر المُحتملة للإصابة بأنواع معينة من السرطان على المدى الطويل نتيجة التعرض لمواد مثل الفورمالديهايد وبعض الأصباغ، و شددت على ضرورة تضافر الجهود من خلال التوعية والرقابة الصارمة لضمان حماية صحة المواطنين وتجنب التكاليف العلاجية الباهظة المرتبة علاج الأمراض الخطيرة، والتي تكون مُضاعفة على النساء بسبب طبيعتهم البيولوجية ودورهم التقليدي في رعاية الأسرة.
دعوة للعمل
تتطلب هذه القضايا المُتعلقة بالصحية العامة المُلحة إتخاذ خطوات فَعّالة لحماية صحة النساء والمجتمع ككل، وتعزيز الوعي والمراقبة على المنتجات المُتداولة في الأسواق كمسئولية مشتركة تستدعي تعاون جميع الجهات المعنية، وذلك من خلال:
1. البحث والوعي الإعلامي: أكد الخبراء على أهمية البحث العلمي والأبحاث الطبية الحالية التي تستكشف الآثار السلبية لمستحضرات التجميل والمعادن الثقيلة. كما أوصت جميع المؤسسات الطبية باللجوء إلى الطب البديل كوسيلة للحفاظ على الصحة والجمال.
2. الحاجة إلى جهود مُكثفة: يجب تسليط الضوء على الدور الحيوي للإعلام والصحافة في نشر الوعي بين الفتيات والسيدات، وخاصة كبار السن، لتكثيف الجهود في البرامج التدريبية والتوعية وإطلاق مبادرات طبية متخصصة. و من الضروري أيضًا زيادة الرقابة على المنتجات المستوردة والتأكد من خلوها من المواد الكيميائية الضارة.
الإحصائيات المقلقة
أوضحت الدكتورة هالة خليل، طبيبة نسائية، أنه قد تم رصد إرتفاع في حالات العقم ومشاكل الحمل والتشوهات الخلقية في المناطق التي تعاني من إرتفاع مُعدلات التلوث الصناعي والزراعي. كما أشارت إلى أن النساء العاملات في بعض الصناعات، مثل صناعة النسيج والجلود والإلكترونيات، يتعرضن لمستويات أعلى من المواد الكيميائية الضارة.
قصص وتحديات في مواجهة الخطر
لم يُعدّ خطر المواد الكيميائية على المرأة مجرد تحذيرات علمية، بل تحول إلى واقع ملموس تتجسده قصص شخصية مؤثرة مليئة بالتحديات، حيث تواجه نساء هذا الخطر الصامت أو يعملن جاهدة لمُواجهته.
كنت أظن أنه مجرد منظف فعال
تبدأ ليلى عبد الرحمن، ربة منزل، حديثها بصوت خافت: "إستخدمت منظفًا جديدًا، وقد أبهرتني فاعليته في التنظيف. ولكن في المرة الثانية شعرت بدوار شديد وحرقة في العينين و إنقباض في الصدر. لم يخطر ببالي أن المنظف هو السبب، لكنني تأكدت بعد أن قرأت عن المواد الكيميائية التي بداخله." تضيف ليلى أنها عانت لأسابيع من مشاكل في الجهاز التنفسي وحساسية جلدية، مما أثر على قدرتها على رعاية أطفالها. قصتها ليست فريدة، فالعديد من النساء يتعرضن لمواد كيميائية خطرة دون وعي كامل بمخاطرها.
رحلة البحث عن الحقيقة
سعاد السيد، ناشطة بيئية، بدأت رحلتها مع هذه القضية بعد أن لاحظت إرتفاع حالات الإجهاض ومشاكل الإنجاب في مجتمعها القريب من منطقة صناعية. تقول سعاد: "قررت أن أبحث بنفسي، بدأت بجمع عينات من المياه والتربة، وتحدثت مع النساء المُتضررات."، رحلتها قادتها إلى التعاون مع منظمات غير حكومية وإجراء مسوحات ميدانية كشفت عن مستويات مُقلقة من التلوث الكيميائي وتأثيره المباشر على صحة النساء.
تحديات في الميدان
العمل على قضايا المواد الكيميائية يواجه تحديات جمة. أولها نقص الوعي والمعلومات لدى العديد من النساء حول مخاطر هذه المواد الضارة وكيفية الحماية منها. تشرح نادية عمر، باحثة في الصحة البيئية، قائلة: إن كثيرات يعتقدن أن المنتجات المتوفرة في الأسواق آمنة، أو أنهن لا يملكن القدرة على تغيير عاداتهن الإستهلاكية.
صوت واحد يصنع الفرق
كيف يمكن البدء في العمل على هذه القضية؟ تبدأ منى سعد، مُهتمة بالتوعية، حديثها بحماس: "كل شيء يبدأ بالوعي ثم بالحديث. تحدثي مع صديقاتك وجاراتك، شاركي معلومات موثوقة على وسائل التواصل الإجتماعي. صوت واحد قد يُلهم آخرين."
من هنا نستنتج أن قصص ليلى وسعاد ونادية وهالة ومنى ليست سوى أمثلة على التحديات التي تواجه العديد من النساء حول العالم. حيث أن التركيز على هذه التجارب الشخصية يوفر فهمًا أعمق لتأثير المواد الكيميائية على حياة المرأة ويُحفز على إتخاذ خطوات عملية لمُواجهة هذا التهديد.
منتجات مغشوشة
على الرغم من تجريم القوانين للسلع المُقلدة والمغشوشة، إلا أن إنتشارها على الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي عزز هذه التجارة الرائجة. وقد بادرت الإمارات بسن قوانين صارمة لمُكافحة هذه الظاهرة، مُحذرين من أن أغلب السلع المُسوقة إلكترونيًا مُقلدة ومُهددة للحياة.
تشريعات وعقوبات
تُعدّ تجارة مستحضرات التجميل المغشوشة جريمة مُتنامية تهدد صحة النساء. بينما تتصدى مصر لهذه الجريمة بقوانين تصل عقوبتها إلى السجن سبع سنوات.
في النهاية، بعد أن تجلت لنا حقيقة الخطر الصامت للمواد الكيميائية، يصبح لزامًا علينا جميعًا أن نعي حجم التحدي. لنبدأ بتبني ثقافة الإستهلاك الواعي والبحث عن البدائل الطبيعية، وذلك من حيث أن حماية صحة المرأة ليست مسئولية فردية فحسب، بل هي واجب مجتمعي يستدعي تضافر الجهود، فلنجعل من هذه الشهادات المؤثرة حافزًا لحراك مجتمعي واسع، هدفه الأساسي هو مستقبل أكثر صحة وأمانًا للنساء.